توقعات بعام جديد صعب لسوق العقارات في بريطانيا

تراجع أعداد مشتري المنازل فيها إلى مستوى قياسي في 2011

TT

لا يكاد يمر يوم تقريبا حتى يصدر في بريطانيا تقرير، بل تقارير، عن قطاع العقار في المملكة المتحدة. هذا الاهتمام، بل وحتى «الهوس» البريطاني بالعقارات أصبح جزءا ثابتا من الشعور الجمعي في المملكة المتحدة، فالاطلاع على أوضاع العقارات في بريطانيا أصبح يتصدر الأولوية بالنسبة للغالبية العظمى للمواطنين البريطانيين، كما أنه يتصدر مواضيع النقاش بينهم، وأصبح حتى يفوق الحديث والاهتمام بتوقعات الأحوال الجوية، التي وبسبب تقلباتها الكثيرة في الجزر البريطانية تدفع المقيم فيها دائما ليكون على اطلاع على توقعاتها.

ومن آخر التقارير التي صدرت في بريطانيا والاحتفالات بأعياد الميلاد (الكريسماس) لم تنتهِ، أي يوم الاثنين الماضي، ثاني أيام عطلة أعياد الميلاد والمعروف باسم «بوكيسنغ داي»، تقرير عن شركة «هاليفاكس» للرهن العقاري، وهو أحد أبرز البنوك العقارية في بريطانيا، رسم صورة تشاؤمية عن سوق العقار في المملكة المتحدة مع نهاية سنة 2011 وبداية سنة جديدة 2012.

وقد قالت شركة «هاليفاكس» في مسح أعلنت نتائجه الاثنين الماضي إن أعداد البريطانيين الذي الذين يشترون منازل لأول مرة انخفضت إلى مستوى قياسي في 2011 على الرغم من تراجع أسعار المساكن إلى أدنى مستوياتها في ثماني سنوات.

وأفادت تقديرات «هاليفاكس»، وهي وحدة تابعة لمجموعة «لويدز» المصرفية، بأن عدد مشتري المنازل لأول مرة بلغ 187 ألفا في عام 2011 بانخفاض بنسبة سبعة في المائة عنه في 2010، وهو أدنى مستوى سنوي منذ بدء تسجيل هذه البيانات عام 1974.

تلت تقارير «هاليفاكس» أو تزامنت معها تقارير عن توقعات توجهات أسعار العقارات في بريطانيا في العام المقبل 2012.

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» هذا الشهر انخفاضا بنسبة 1.7 في المائة في أسعار المنازل البريطانية في 2012، غير أن المحللين قالوا إن الأسعار قد تنخفض بأكثر من ذلك إذا تفاقمت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو بدرجة أكبر، وتعتبر بريطانيا من أكثر دول العالم انكشافا على ديون منطقة اليورو، حيث إن بريطانيا أكبر شريك اقتصادي للمنطقة و40% من صادراتها للمنطقة، وهناك مخاوف كبيرة أن يلقي تفاقم هذه الأزمة بظلاله على قطاع العقارات في بريطانيا.

وفي الشهر الماضي توقع تقرير آخر أن تبدأ أسعار المساكن في بريطانيا في التراجع بشكل سريع، ورجح أن يؤدي تراجع الطلب على العقارات وقناعة أصحاب العقارات المعروضة للبيع بضرورة تخفيض عقاراتهم إلى أسعار واقعية، بدلا من التشبث بالأسعار العالية «المنفوخة» وغير الواقعية، بثقلها على السوق العقارية في بريطانيا، خصوصا أن المساكن المبيعة في بريطانيا تتجه إلى تسجيل أسوأ معدل لها منذ أربعين عاما، بحسب تقرير «هاوم تراك».

وفي المقابل توقع تقرير آخر أن أسعار المساكن سترتفع بـ15 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة، مع استمرار شح المعروض من المساكن، وبعملية حسابية فإن ارتفاع أسعار المساكن بـ15% خلال السنوات المقبلة يعني ارتفاعا سنويا بنحو 3%، مما يعني معدل نموا أقل من الذي كان يحقق في ثمانينات القرن الماضي أو خلال العشرية الماضية.

وإذا استمر معدل التضخم على نفس المستويات الحالية في بريطانيا، أي 5%، فإن هذا يعني عمليا تراجعا في أسعار المساكن.

ويواجه قطاع المشترين لأول مرة، وهو عربة دفع مهمة لسوق العقارات، صعوبات كبيرة، خصوصا مع تشديد البنوك معايير الإقراض العقاري بعد أزمة الائتمان في عامي 2007 و2008 التي بدأت عندما بدأ التخلف عن سداد قروض منحت للأكثر فقرا في الولايات المتحدة لشراء مساكن. ورغم بعض الانفراج في هذا الجانب مع تخفيف البنوك لتشددها وتخفيض قسط الرهن العقاري المطلوب من المشترين الأولين إلى حتى 5% من قيمة البت في بعض الأحيان بدلا من الـ25% المطلوبة من قبل، فإن الوضع ما زال صعبا بالنسبة للمشترين لأول مرة.

كانت الحكومة البريطانية أعلنت الشهر الماضي مساعدة المشترين لأول مرة ولدعم سوق العقار المتعثرة، خصوصا في قطاع المساكن الجديدة التي لا تجد مشترين. وكان رئيس الحكومة ديفيد كاميرون قد وعد بها من قبل رئيس الحكومة، وأعلن عنها وزير المالية جورج أوزبورن الشهر الماضي، وتتضمن الخطة مساعدة البريطانيين المشترين لأول مرة على شراء المنازل بعد أن تضررت سوق الإسكان من التباطؤ الاقتصادي.

وقال أوزبورن إن الحكومة البريطانية الائتلافية التي تضم المحافظين والديمقراطيين الأحرار ستقدم خطة لضمان الرهن العقاري لمساعدة المشترين على دفع مقدمات للحصول على قروض إسكان.

وفي المقابل فرضت بريطانيا كذلك قواعد أكثر صرامة للرهون العقارية لمنع تكرار التوسع غير المتحكم فيه في الإقراض الذي تسبب في أزمة 2008.

ومع المخاطر الاقتصادية التي تحيط بالاقتصاد البريطاني، خصوصا على خلفية أزمة الديون الأوروبية ومخاطر حقيقية لعودة الاقتصاد البريطاني إلى الركود، فإن الأفق يبدو مليئا بغيوم الشك للعام المقبل 2012.

وأظهر مسح شهري لشركة «نيشن وايد» للتمويل العقاري هذا الشهر أن معنويات المستهلكين البريطانيين وإن ارتفعت الشهر الماضي نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 من مستوى قياسي منخفض، لكنها ظلت منقبضة بسبب ارتفاع البطالة والتضخم.

وسجلت البطالة في المملكة المتحدة أعلى مستوى لها في 17 عاما في الأشهر الثلاثة حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وترتفع الأجور بأقل من نصف نسبة التضخم في نوفمبر التي بلغت 4.8 في المائة.