عقارات ميامي ترقص على أنغام «السامبا» وتجذب أثرياء البرازيل

مطور عقاري: كل شيء متوافر أمام البرازيليين.. وكل شيء قابل للتفاوض

سحر الشواطئ ودفؤها جذب الطبقة الثرية في البرازيل للاستثمار في شققها المطلة على البحر
TT

في عام 2008 كانت سوق العقارات في ولاية فلوريدا الأميركية المشمسة التي تعد البوابة الرئيسية إلى أميركا اللاتينية تعاني حالة من الركود، حيث شهدت فيها بعض الصفقات الأكثر رواجا مشاكل الرهن. وبدا المستقبل قاتما بالنسبة لمستثمري العقارات في ميامي مع تعثر مبيعات العديد من أبراج الشقق الفاخرة الجديدة المطلة على البحر. وخسر العشرات من المشترين ودائع كبيرة في ميامي ورحلوا تاركين وراءهم استثماراتهم.

يقول موريس فيسي، سمسار عقارات محلي ورئيس الاتحاد الوطني لسماسرة العقارات في ميامي «كان لدينا فائض هائل من البنايات الشاهقة أو أراض جاهزة للبناء. فقد رحل ثلث من كانوا يملكون عقودا، والثلث الآخر كان عليه أن يغلق لكنه لم يبن. وكان العرض والطلب الأساسي، وانخفضت الأسعار إلى حد كبير». لكن ذلك كان قبل أن يصبح البرازيليون آخر الصيحات الاستثمارية من أميركا اللاتينية التي تضرب ميامي، ففي البداية كانوا يتدافعون لقضاء العطلات على الشاطئ، ثم رويدا انتقلوا لشراء شقق للعطلات، وأحيانا أكثر من واحدة ونقدا على الأغلب. ويشير فيسي إلى أن سوق العقارات شهدت في تلك الفترة تراجعا سريعا للغاية، لكن مطوري العقارات عادوا الآن أو عاودوا البدء من جديد في بناء مشروعات سكنية طموحة.

لم يكن البرازيليون السبب الوحيد في انتعاشة سوق العقارات المحلية، فقد تحولت جنوب فلوريدا إلى ما سمته صحيفة «ميامي هيرالد» بـ«مركز الأمة» بالنسبة للمبيعات السكنية للأجانب، بمن في ذلك مواطنو دول أميركا الجنوبية الأخرى، والأوروبيون، حيث يشكل الأجانب في ميامي 65 في المائة من نسبة مبيعات الشقق والمنازل بحسب اتحاد سماسرة ميامي.

وقد تخطى المشترون البرازيليون الجنسيات الأخرى. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) وضعت إحصاءات اتحاد سماسرة ميامي البرازيليين في المرتبة الثانية كأكثر الأجانب نشاطا، بنسبة 12 في المائة من إجمالي عدد المشترين. وتقدم عليهم الفنزويليون بنسبة 15 في المائة، فيما جاء الأرجنتينيون في المرتبة الثالثة بنسبة 11 في المائة. وعلى الرغم من توقعات المراقبين بتصدر البرازيليين للقائمة العام المقبل، فإن ملكية البرازيليين تصل إلى 70 في المائة في بعض الأبراج السكنية الفاخرة.

ويقول إدغاردو دي فورتونا الأرجنتيني المولد، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة «فورشن إنترناشيونال ريالتي»، ومقرها ميامي «إنهم يشكلون عاصفة على ميامي، فلا يكتفون بشراء شقة واحدة بل يجلبون أصدقاءهم وعائلاتهم لشراء الشقق أيضا. وعندما يشتري أحدهم شقة في أحد المشروعات يتبعه الباقون، فهم يحبون البقاء بالقرب من أصدقائهم والأشخاص الذين يعرفونهم».

وعلى عكس المشترين السابقين من أميركا اللاتينية، لا يهرب البرازيليون من الاضطرابات السياسية أو ينتظرون ركودا اقتصاديا. هم ليسوا رأسمال متنقلا يبحث عن استثمارات آمنة، أو يحملون النقد في حقائب سفرهم، إنهم أبناء عائلات الطبقة فوق المتوسطة الذي يرغبون في التمتع بالرفاهية التي حازوها حديثا في البرازيل كمهنيين وأصحاب مبادرات أعمال.

وتعيش بلدهم - البرازيل الأكبر قليلا جغرافيا من الولايات المتحدة - سلسلة من النجاحات، فهي تتمتع بنمو اقتصادي مرتفع وتستعد لاستضافة كأس العالم 2014 والألعاب الأوليمبية الصيفية عام 2016. وعلى الرغم من المخاوف بشأن ضعف الريال البرازيلي، فإن التفاؤل كبير. ويقول كريستيانو بيكوي (34 عاما)، وهو برازيلي انتقل إلى ميامي في 2001 للمشاركة في سباق السيارات «البرازيليون يأتون إلى هنا لإنفاق المال وفقط». وهو الآن يرأس شركة عقارية بها ما يقرب من 50 وكيلا يروجون لشقق فاخرة تتراوح بين 750.000 ومليون دولار إلى عملاء غالبيتهم من البرازيليين، ويقول «الجنة موجودة، إنها ميامي، كل شيء بنصف السعر وكل شيء قابل للتفاوض». وأضاف «إلى جانب ذلك فإن ميامي نظيفة ومنظمة، ويأتي على رأس ذلك أنها آمنة للأثرياء من أصحاب الساعات (الرولكس) أو سيارات (أستون مارتن) من دون خوف من جرائم الشوارع. وإحدى لوحات أرقام السيارات المحلية كتب عليها بالبرتغالية (هنا أستطيع)».

ويأتي المشترون من ولايات البرازيل الثرية، مثل ميناس جيرايس، وريو غراندي دو سول، فضلا عن المدن الرئيسية في ريو دي جانيرو، وساو باولو، حيث يمكنهم السفر والوصول إلى ميامي بسهولة، من خلال العديد من الرحلات المباشرة القادمة إلى ميامي من دون توقف (مدة الرحلة الواحدة تسع ساعات تقريبا) والتي تقلع من مختلف المطارات في جميع أنحاء البلاد.

ويفضل البرازيليون، بمجرد وصولهم لميامي، الإقامة في الشقق الواسعة المطلة على البحر والتي تقع في الأماكن الراقية، حيث يقول بيكيه إنهم على الرغم من أنهم لا يقومون عادة سوى بزيارات قصيرة مرتين أو ثلاث مرات في السنة، فإنهم لا يقومون بتأجير هذه العقارات في الفترات الفاصلة بين هذه الزيارات، موضحا بقوله «البرازيليون لا يريدون أن ينام أي شخص آخر في فراشهم».

لقد اشترى البرازيليون بشكل كبير العديد من العقارات الفخمة المرتفعة الثمن، مثل تلك الموجودة في مجمع «أيقونة بريكل»، المكون من 1800 وحدة سكنية، والواقع على خليج بيسكين، حيث يتميز هذا المجمع، وغيره من المشاريع البارزة الأخرى، باحتوائه على مجموعة من التصميمات الداخلية التي قامت بها شركة «أرتيفاكتو» البرازيلية لتصنيع الأثاث، والتي توجد لها معارض في اثنين من مراكز التسوق الراقية الموجودة هنا.

وقد مرت ميامي بدورة من الازدهار تلتها فترة كساد لتعود إلى الازدهار من جديد، ويعد مجمع «أيقونة بريكل» أفضل مثال على ذلك، حيث تم البدء في بنائه عام 2006، وتم تسعير العديد من الوحدات بأكثر من مليون دولار، ولكن لم يكن هناك سوى حفنة قليلة من الوحدات الجاهزة للبيع منذ عامين عندما استولت البنوك على اثنين من الأبراج الثلاثة التي يتكون منها المشروع. وقد وصف المشروع في سبتمبر (أيلول) بأنه من أفضل المشاريع العقارية مبيعا في فلوريدا، بعد حملة التسويق المكثفة التي قامت بها شركة «ريالتي فورشن» على المستوى الدولي، وبحلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، تم بيع آخر الوحدات المطورة، قبل 18 شهرا من الموعد الجديد المحدد، حيث هيمن الأميركيون اللاتينيون على المبيعات التي تمت.

وقد تم بيع 100 وحدة سكنية من الـ374 وحدة المكونة لبرج «بريكل هاوس»، الذي يعد أول برج سكني جديد في ميامي خلال السنوات الأخيرة، حيث تراوح سعر تلك الوحدات، التي تم بيعها في أقل من 60 يوما، بين 200 ألف دولار و1.4 مليون دولار، وكان المشترون كلهم تقريبا قادمين من الأرجنتين والبرازيل والمكسيك وبيرو وفنزويلا (وقد طالب هارفي هرنانديز، مطور المشروع الفنزويلي المولد، المشترين بدفع نسبة 90 في المائة من سعر الشراء مقدما قبل اكتمال البناء، وذلك خلافا لمعظم المطورين في الولايات المتحدة، حيث تعد هذه الطريقة في الشراء نموذجا ماليا مألوفا بالنسبة لمعظم المشترين من اللاتينيين).

وقال ستيفن ماينور، وهو شريك في شركة «في آر بيزنس بروكورز أوف كورال غابلز»، والتي تقع في ولاية فلوريدا، إن الكثير من زبائنه من الفنزويليين يقومون بشراء منازل في الأحياء الراقية، بالإضافة إلى قيامهم بالاستثمار في الشركات الصغيرة أو في محافظ من الشقق السكنية ذات الأسعار المعتدلة، وذلك من أجل توفير مصدر دخل وتلبية متطلبات الحصول على التأشيرة الأميركية كمستثمرين.

وقد قدم كل من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي مقترحا، في محاولة لتنشيط سوق الإسكان في الولايات المتحدة، ينص على أنه في ظل ظروف معينة يتم منح تأشيرات سكنية لمدة ثلاث سنوات للأجانب الذين يستثمرون ما لا يقل عن 500 ألف دولار في العقارات السكنية.

وقد صرح بيكيه بأنه إذا ما تم تنفيذ هذا المقترح فإنه سيؤدي إلى «حل مشكلة الإسكان في ولاية فلوريدا، حيث يمكن أن نتوقع تضاعف المبيعات عشر مرات أكثر مما هي عليه الآن». ومن المتوقع أن يتم القيام بتغييرات أخرى لتحسين أوضاع سوق العقارات في ميامي، حيث من المقرر أن يناقش مشرعا ولاية فلوريدا مسألة إقرار تشريع جديد يحمل اسم «منتجع الوجهة»، وهو تشريع من شأنه أن يسمح بوجود كازينوهات القمار في المجمعات السكنية الكبرى، مثل مجمع «منتجعات ميامي العالمية»، والذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، والتابع لشركة «جينتنغ غروب» الماليزية، حيث يقع هذا المجمع على مساحة 30 فدانا (12 هكتارا)، بامتداد خليج بيسكين، وسيتكون من 1000 وحدة سكنية، نظرا لأنه مصمم للزوار الآسيويين والأوروبيين والأميركيين اللاتينيين.وقد أعادت شركة «سواير بروبيراتيز» العقارية، التي يقع مقرها في هونغ كونغ، والتي تمارس نشاطها في ميامي منذ السبعينات، عندما بدأت في تطوير أبراج «بريكل كي» السكنية الراقية، إطلاق مشروع «بريكل سيتي سنتر» مؤخرا، وهو المشروع الذي كان قد ألغي في عام 2008، حيث يعد هذا المشروع العقاري التسوقي المتعدد الأغراض، والذي يشبه مشروع «باسفيك بلايس» الذي أقامته شركة «سواير» في هونغ كونغ، والذي سيتكلف بناؤه 700 مليون دولار، واحدا من أكبر المشاريع العقارية المطورة المزمع القيام بها والتي تحتوي على مجموعة من الشقق السكنية.

وقد بدأ الوكلاء العقاريون المحليون في التساؤل عما إذا كان مشترو الوحدات السكنية من الآسيويين سيتأخرون في شراء الوحدات السكنية التي سيقوم المطورون بتنفيذها، حيث إنه في حين أن عدد المشترين الآسيويين لا يزال صغيرا، فإن منظمة التسويق السياحي الرسمية في ولاية فلوريدا قد أعلنت أن الصين تعتبر «منطقة ذات أهمية»، مشيرة إلى أن عدد الزوار القادمين من الصين وهونغ كونغ قد ارتفع بنسبة 59 في المائة بين عامي 2009 و2010.

* خدمة «نيويورك تايمز»