التوقعات الرسمية لسوق العقار البريطانية تحدد هبوطا بنسبة 3% خلال العام الحالي

معدل الصفقات سيرتفع ولكن في المنازل الراقية

جانب من مدينة لندن التي تحتضن أغلى العقارات في العالم
TT

مضى وقت تخمينات خبراء العقار عن تحولات العام الجديد وحان موعد التوقعات الرسمية التي افتتحها هذا العام معهد مهندسي العقار المعتمدين في بريطانيا بتوقع هبوط في أسعار العقار البريطاني خلال عام 2012 تصل نسبته إلى ثلاثة في المائة. وهو بهذا يختصر حال السوق التي قال عنها البعض إن أسعارها قد تهبط قليلا أو ترتفع قليلا ولكنها لن تراوح مكانها كثيرا خلال العام الجاري. ويضيف المعهد في تقريره أن معدل الصفقات سوف يرتفع عما كان عليه خلال العام الماضي ولكن الأسعار لن تلحق بهذا الارتفاع وسوف تراوح مكانها.

ومع ذلك يعترف الخبير سايمون لامبرت أن هذه الأرقام التي تصلح لعناوين الصحف لا تدلي بكل الحقيقة وأن أحداث العام الماضي مثلا كان من شأنها أن تخفض أسعار العقار البريطاني بنسب كبيرة إلا أنها خالفت التوقعات وحافظت على مستواها. وهو يرى أن توقعات المعهد تحسب ما تم من صفقات وتراجع معدلات الأسعار وصفقات التمويل العقاري، ولكنها لا ترى الصورة الكاملة لعقارات يصعب بيعها وتزدحم بها سجلات شركات تسويق العقار. فهذه العقارات غير المباعة تزداد شهرا بعد شهر ولا يباع منها إلا من تضطر ظروفه للبيع مثل حالات العجز عن سداد القرض العقاري أو الطلاق، وهنا يتم بيع العقار فور خفض ثمنه.

وفي عام 2012، وكما هو متوقع، سوف تستمر لندن ومنطقة الجنوب الشرقي في قيادة الأسعار في السوق. وقد تصاعدت الأسعار في هذه الضواحي إلى درجة عدم قدرة الإنجليز على الشراء على رغم انخفاض أسعار الفائدة. أما في منطقة ميدلاندز والشمال فسوف تستمر الأسعار في التراجع على رغم انخفاض الأسعار فعلا في هذه المناطق بالمقارنة مع الجنوب الشرقي ولندن. ويحول دون تحرك السوق في هذه المناطق عدم الثقة في استقرار الوظائف مع صعوبة تدبير مبالغ كبيرة تستخدم كمقدم شراء لهذه العقارات.

وعلى المدى الأبعد، لا تتضح الصورة أيضا، حيث يقول خبراء مؤسسة «سي إي بي آر» إن أسعار العقار البريطاني سوف ترتفع بنسبة 15 في المائة خلال فترة خمس سنوات. وهذا يعني ارتفاعا سنويا بنسبة 2.8 في المائة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. وإذا تحققت هذه التوقعات فإن نسبة النمو سوف تكون أقل مما كانت عليه طوال عقد التسعينيات السابق.

ويرسم الاقتصادي دافيد كودرز صورة قاتمة للسنوات الخمس المقبلة بالقول إن تطور الوضع يشبه انهيار الأسواق ولكن ببطء شديد. وهو يعتقد أن فترة الانتعاش السابقة كانت تعكس سهولة الحصول على القروض العقارية، وهي فترة لن تتكرر قريبا في رأيه. وهو يشير إلى ما حدث في اليابان خلال العقدين الماضيين ويرجح أن يتكرر السيناريو نفسه في أوروبا خلال العقدين المقبلين.

مواجهة وممانعة وتصف شركات العقار في السوق الموقف الحالي بأنه مواجهة وممانعة بين البائعين والمشترين. فالبائعون يرفضون خفض أسعارهم، والمشترون يرفضون دفع أسعار يعتقدون أنها مبالغ فيها. والصفقات التي تتحرك في أسواق اليوم هي تلك العقارات المرغوب فيها من حيث الموقع والنوعية أو تلك التي يخفض فيها البائعون السعر بنسبة كبيرة. وهم يقولون إن إحصاءات البنوك عن الصفقات التي جرت وأسعارها وإحصاءات مكتب التسجيل العقاري لا تعني الكثير لأنها لا تعكس واقع السوق، خصوصا فيما يتعلق بالعقارات التي لا تجد من يشتريها. وما لم يصل بائعو العقار إلى نتيجة أن عقاراتهم لن تباع بأسعار باهظة في سوق هابطة، فإن انتظارهم لعقد صفقات لبيع عقاراتهم قد يطول.

وما زالت العوامل الضاغطة على الأسعار فعالة في أسواق اليوم وأهمها عدم وجود السيولة المصرفية لإقراض مستثمري العقار وإلغاء صفقات سداد أسعار الفائدة وحدها التي كانت سائدة في عصر الطفرة وبالطبع الوضع الاقتصادي العام في بريطانيا المتأثر بأزمة الجيران في منطقة اليورو. وتتحفظ البنوك كثيرا في الوقت الحاضر في تسهيل الاقتراض العقاري، مما يضع ضغوطا سلبية على الأسواق. ومن المتوقع أن يظهر تأثير خفض الإنفاق الحكومي البريطاني هذا العام على فقدان الوظائف الحكومية والعامة وعلى إيراد الشركات التي ترتبط أعمالها بالقطاع الحكومي.

هناك أيضا تكاليف الانتقال من عقار لآخر والتي تؤثر سلبيا على اتخاذ قرار الانتقال. فالعائلة التي تود الانتقال إلى عقار ثمنه ربع مليون استرليني عليها أن تدفع ضريبة دمغة قدرها 7500 استرليني بالإضافة إلى تكاليف الإجراءات القانونية وشركة بيع العقار التي تضاعف هذا المبلغ. وعلاوة على ذلك فهناك نسبة 25 في المائة من مقدم الثمن مطلوبة قبل الانتقال إلى العقار التالي.

وتنقسم بريطانيا حاليا إلى مناطق عقارية بعضها في الوسط والشمال لم يعد يرى آثرا للثقة بعد انهيار عام 2008، وبعضها الآخر في الجنوب وفي لندن عاود النمو مرة أخرى منذ بدايات عام 2010. ولكن حتى في المناطق المنتعشة تبدو موجة النمو وكأنها انتهت في نهاية عام 2011. ويبدأ هذا العام والآراء مختلفة على التوجهات.

ولكن الأوضاع الحالية تنعكس أيضا على البنوك التي تقرض فقط هؤلاء الذين يتمتعون بدرجة ملاءة عالية، وتوفر لهم التمويل بسهولة وبتكلفة أقل تاريخيا من أي وقت مضى. وتبدو المرحلة الحالية وكأنها أفضل فترة للاقتراض وشراء العقار حتى ولو كانت القناعة السائدة هي أن أسعار العقار ما زال أمامها مرحلة تراجع أخرى. وتوفر البنوك أفضل الشروط لهؤلاء الذين يملكون نسبة 25 في المائة من الثمن، ويليهم هؤلاء الذين يوفرون نسبة 15% في المائة بحد أدنى. وإذا استمر تراجع أسعار العقار خلال العام وسهلت البنوك شروط إقراضها فالمؤكد أن الطلب سوف يعود على العقارات لتبدأ فترة انتعاش أخرى. ولكن توقيت حدوث مثل هذا السيناريو مستبعد حتى الآن وإذا حدث قد لا يكون خلال عام 2012.

والسؤال الذي يطرحه الآن كل مستثمر في العقار هو: هل من الملائم اتخاذ قرار الشراء في الوقت الحاضر أم تأجيل هذا القرار؟ والجواب يعتمد على الفترة التي ينبغي فيها على المشتري الاحتفاظ بالعقار وعما إذا كان مخصصا للإقامة أم للاستثمار. على المشتري أيضا أن يعتبر مسألة أسعار الفائدة التي تعد في أدنى معدلاتها الآن وعما إذا كان قادرا على استيعاب أي زيادة مستقبلية قد تؤثر على ميزانيته. وكلما كان الشراء للمدى البعيد كان ذلك أفضل حيث إنه ليس من المستبعد أن تتراجع الأسعار وبنسب تصل إلى 10 في المائة خلال العامين المقبلين. ولا بد أن يكون المشتري سعيدا بعقاره الجديد لأنه قد يجد نفسه مضطرا للبقاء فيه لمدة خمس سنوات.

نهاية الرخاء وباستعراض الماضي القريب نجد أن حفل العقار البريطاني انتهى فجأة في عام 2008، بعد فترة انتعاش استمرت عقدا كاملا، وجاء انهيار السوق بعد تراجع البنوك عن سياسة الإقراض السهل. واستمر التراجع أثناء عام 2008 وتواصل خلال عام 2009. وكانت فترة التراجع في عام 2008 أسوأ من كل توقعات الفترة. وكان أحد التوقعات من بنك هاليفاكس يشير إلى أن قطاع العقار البريطاني فقد في عام واحد أكثر مما فقده القطاع في الأزمة السابقة في بداية عقد التسعينات، والتي استغرقت ست سنوات. فخلال الأزمة الأولى فقد العقار البريطاني نسبة 13.2 في المائة من قيمته بينما فقد في عام 2008 نسبة 18.9 في المائة من قيمته قبل الانهيار.

وبلغ حد الكساد أن المعهد البريطاني لمهندسي العقار قال في تقرير له عن تلك الفترة إن شركات العقار لم تكن تبيع أكثر من عقار واحد في المتوسط لكل شركة أسبوعيا طوال فترة الكساد. وساد الاعتراف حينذاك بأن الأسواق كانت تشهد فقاعة عقارية غير مسبوقة. وكان سبب انفجار الفقاعة هو الأزمة الائتمانية. فقد انفجرت أزمة القروض الأميركية الرديئة «صب برايم» في صيف 2007 ومع مرور الشهور تراجع سوق توريق القروض العقارية الرخيصة وتقلص إلى حد الاندثار بعد نفاد سيولته.

وقال تقرير من وزارة الخزانة البريطانية أشرف عليه اللورد كروسبي، عرف التقرير وقتها باسمه، إن نسبة ثلثي القروض العقارية في بريطانيا كان يتم تمويلها بأسلوب التوريق قبل عام 2007. وارتفع حجم القروض بهذا النوع من التمويل من 13 مليار استرليني في عام 2000 إلى 257 مليارا في عام 2007. وخلال عام 2007 توقف هذا السوق على نحو مفاجئ، وتسبب هذا في انهيار بنك نورزن روك البريطاني ومتاعب بنوك أخرى كانت تعتمد على تمويل قروض تمويل العقار الاستثماري لأغراض التأجير. وفي عام 2008 جرى تأميم بنك نورثرن روك البريطاني بينما انهار بنك بير ستيمز الأميركي الذي تأكد مع انهياره وصول موجة الكساد.

وساد الذعر قطاع البنوك خوفا من خسائر الديون المتعثرة وخفضت بنسب كبيرة إقراضها العقاري، وبدأت حلقة مفرغة من تراجع الأسعار وصعوبة التمويل ما زالت فاعلة حتى الآن. وأوضحت الأزمة مدى أهمية الإقراض العقاري في انتعاش الأسواق، فمعظم المشترين لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء العقارات من دون الاقتراض، ولذلك هم يتأثرون بتكلفة هذه القروض ومدى إتاحة البنوك لها. وتزامن انخفاض أسعار العقار في نهاية 2008 مع خفض البنوك لعمليات الإقراض العقاري بعد فقدانها سوق التوريق التي كانت توفر نسبة الثلثين من التمويل اللازم للقروض. وساد الرعب البنوك البريطانية وهي تشاهد موجة الكساد والانهيارات الأميركية تنطلق في طريقها إلى بريطانيا.

وتصاعدت معدلات الفائدة وتراجع معدل الإقراض العقاري البريطاني بنسبة 49 في المائة إلى نصف مليون قرض في عام 2008، وهو أقل رقم منذ عام 1974، وأقل بنسبة الثلث من عدد قروض عام 1991 وهو الحد الأدنى خلال الكساد السابق في التسعينيات.

وعلى الرغم من تراجع أسعار العقار البريطاني في السنوات الأخيرة فإن حلم ملكية العقار ما زال يراود الأغلبية من البريطانيين، الذين يعتبرون الفترة الحالية فرصة شراء جيدة ولا يهتمون كثيرا بتوقعات المزيد من التراجع خلال هذا العام. وهناك اعتراف بين المشترين بأن العقارات العائلية في المناطق الراقية ما زالت نادرة وتحافظ على قيمتها مهما كانت أحوال السوق.

وهناك من يعتقد أن تراجع أسعار العقار له فوائد اقتصادية على أساس أنه يشجع القادمين إلى السوق للمرة الأولى، ويسهل عمليات بيع وشراء العقار ويجعل من القيم العقارية أصولا مستقرة بدلا من دورات الكساد والطفرة التي تتوالي عليه في الوقت الحاضر.

صعوبة التمويل تشجع على الاستثمار بغرض التأجير

* أفرز التجمد الحالي في توفير القروض العقارية للمشترين الجدد عن نتائج غير متوقعة في سوق العقار البريطاني، حيث ساهم في تشجيع موجة شراء عقارية من المستثمرين الذين يدخلون السوق سعيا وراء العوائد الإيجارية. ورفعت هذه الفئة نصيبها من سوق العقار البريطاني في العام الأخير إلى نسبة 19 في المائة من حجم السوق. ويستفيد هؤلاء المستثمرون من ندرة التمويل العقاري الذي أزاح من السوق فئة المشترين الجدد، وأيضا تراجع نشاط البناء العقاري الجديد إلى أدنى نسبة له في بريطانيا منذ عام 1923. وساهمت هذه العوامل بدورها في رفع القيم الإيجارية.

وتقول يولاند بارنز من شركة سافيلز إن القطاع الوحيد الذي ينمو في سوق العقار البريطاني في الوقت الحاضر هو قطاع الإيجار، وهو قطاع تعتقد أنه تبلور كثيرا في السنوات الخمس الأخيرة وعكس التغيرات التي وقعت في السوق. ففي البداية كان الاستثمار في العقار هو في الأساس بغرض تحقيق فوائد رأسمالية في قيمة العقار، وتحول هذا النشاط إلى مضاربة انتهت بانهيار السوق. أما الآن فإن العائد الإيجاري وليس قيمة العقار هو الذي يحرك السوق. ويستفيد المستثمر من التمويل الرخيص المتاح، طالما أن لديه مقدما يعادل ربع قيمة العقار.

وفي المرتبة الثانية من النشاط يأتي دور المستثمر الأجنبي في بريطانيا وهو يشتري العقارات نقدا استنادا إلى صعوبة التمويل المحلي وعدم وجود مشاريع عقارية جديدة في السوق.

ويقول تيم هيات رئيس هيئة مؤجري العقار البريطانية إن أحد العوامل الفاعلة أيضا كان دخول العديد مجال تأجير العقار بالصدفة بعد فشلهم في بيع عقاراتهم التي اشتروها سعيا وراء ارتفاع ثمنها. وعند تراجع الأسعار وجد هؤلاء أن الحل الأفضل هو تأجير العقارات بدلا من بيعها. وهو يتوقع أن تمتلك هذه الفئة نحو 6.6 مليون عقار بحلول عام 2021.