السعودية: «الشراء الاستباقي» يرفع أسعار العقارات والتداولات في أحياء شمال جدة

أسعار الأراضي تبدأ من 66 ألف دولار وتصل إلى 1.3 مليون دولار

أسهم عدد من المشاريع في رفع التداولات بأحياء في شمال جدة بالمنطقة الغربية من السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

بات من المتعارف عليه في سوق العقارات السعودية تفاوت الأسعار من منطقة لأخرى بحسب الموقع الجغرافي وتوافر الخدمات، بالإضافة إلى عدد من العوامل التي تصعد من حجم الطلب، والتي تميزها بزيادة سعرها عن باقي المناطق والمخططات الأخرى.

وتشهد اتجاهات أسواق العقارات في محافظة شمال جدة تقلبات وتغيرات من حيث العرض والطلب؛ مما جعل هناك إقبالا ملحوظا على بعض المناطق التي لم يكن للمستثمرين والملاك أي اتجاه نحو البناء فيها، إما لبعدها عن المحافظة وإما لعدم توافر الخدمات فيها.

ومنطقة خليج سلمان (شمال جدة) أصبحت محط أنظار المستثمرين من داخل المحافظة وخارجها بعد أن كانت في وقت سابق أراضي قاحلة، حيث بدأت عملية «الشراء الاستباقي» لقطع الأراضي في بعض المخططات والاحتفاظ بها، لحين دخول الخدمات وتشييد بعض المنشآت الحكومية المرتقبة التي ستخلق زيادة في الحركة السكانية في المنطقة.

وتبعد منطقة خليج سلمان عن محافظة جدة قرابة 30 إلى 40 كيلومترا وتضم العديد من المخططات والمناطق، كجوهرة العروس والفيروز، بمساحات كبيرة وواسعة يصل بعض مخططاتها إلى نحو 4 آلاف قطعة يبلغ متوسط مساحاتها 900 متر مربع. وقال عبد الله سعد العتيبي، أحد ملاك مكاتب العقار في منطقة خليج سلمان: «إن الإقبال على الشراء سبق وجود الخدمات بوقت كبير، ولذلك فإن هناك عمليات بناء وتشييد دون دخول الكهرباء والخدمات الأخرى مما جعل البعض يقيم استراحات للنزهة في أوقات الإجازات إلى حين اكتمال البنية التحتية ودخول الخدمات إليها».

وأضاف العتيبي: «العديد من العوامل بطبيعة الحال رفعت أسعار العقار في المنطقة، خصوصا أن محافظة جدة تشهد نقلة نوعية من حيث زيادة الأماكن السياحية، حيث إن منطقة خليج سلمان تشهد بناء مستشفيات وبناء مدينة المملكة التي تحتوي على أعلى برج في العالم، إضافة إلى وجود كلية إدارة الأعمال التي تدعم المنطقة بالكثافة السكانية».

وبين العتيبي أن «هناك تفاوتا في الأسعار من مخطط لآخر بنسب بسيطة، فهناك على سبيل المثال أراض في مخطط الفيروز بمنطقة خليج سلمان غرب طريق المدينة النازل بعد جسور ذهبان ما بين 650 ألف ريال (173 ألف دولار) بمساحة بين 600 و900 متر مربع، وتصل إلى نحو 5 ملايين ريال (1.33 مليون دولار) بمساحة تبلغ أكثر من 2000 متر مربع». وزاد: «هنا أيضا مخطط (جوهرة العروس) شرق طريق المدينة وغرب البحر الأحمر تتكون من نحو 42 مخططا بمساحات تبدأ من 600 متر مربع إلى أكثر من 900 متر مربع تتفاوت أسعارها ما بين 250 ألف ريال (66.6 ألف دولار) وتصل إلى مليوني ريال (533 ألف دولار)، كذلك هناك بعض المناطق في منطقة خليج سلمان في مخططات أخرى تتفاوت ما بين 360 ألف ريال (96 ألف دولار) وتصل إلى 4 ملايين ريال (1.67 مليون دولار)».

واستطرد: «إن أغلبية العروض الموجودة في الوقت الحالي لا تتوافق مع الطلب الكبير، فهناك أسعار يغلب على الكثير من المشترين دفعها لامتلاك قطعة أرض، في حين أن هناك عروضا قليلة يقوم أصحابها بالاحتفاظ بها على أمل ما ستشهده المنطقة وما يجاورها من خدمات ومشاريع قد ترفع أسعارها، ومن ثم بيعها بمبلغ يزيد بنسبة قد تتجاوز الـ70 في المائة من سعرها السابق». وطالب العتيبي بسرعة دخول الخدمات من كهرباء وطرق وإنارة وصرف صحي لما تشهده المنطقة من تصاعد سكاني دون وجود أي خدمات تسهم في نهضة عمرانية شمال المحافظة.

في المقابل يرى خبراء العقارات أن أصحاب المخططات والأراضي المغالين في الأسعار سيخضعون لخفضها في القريب العاجل بناء على عدد من المعطيات، أولها أن السعودية تتجه لتوفير مساكن ميسرة لكل مواطن من خلال مشاريع الإسكان، سواء عن طريق الميسر لذوي الدخل المحدود أو عن طريق صندوق التنمية العقارية أو مشاريع خادم الحرمين للإسكان التي أمر بها مؤخرا. وأشار تركي الجهني، خبير العقارات في محافظة جدة، إلى أن مشكلة الارتفاعات الحالية تكمن مع المضاربين والمحتكرين، حيث إن السوق تعتبر في الوقت الحالي سوقا صناعة، والمرحلة الحالية والمقبلة هي مرحلة العقارات السكنية، فمن الطبيعي أن يخضع المحتكرون إلى البيع مقابل طلبات حكومية على الإسكان.

وأضاف خبير العقارات أنه «في حالة فرض رسوم على الأراضي التي لم يتم تطويرها فإن أسعار تلك الأراضي ستشهد انخفاضا شديدا ولن تجد من يشتريها، لذلك فإن تطبيق نظام الرسوم أمر لا بد أن يطبق في أسرع وقت». وبين أن «السعودية تعاني من عجز في الوحدات السكنية يبلغ مليون وحدة ويتزايد بواقع 200 ألف وحدة سنويا، وأن نسبة ملاك المساكن نحو 30 في المائة، وتعد النسبة الأدنى بين دول الخليج، لذلك فإن التوسع الحالي في بعض المدن سيحقق رفع نسب الإسكان مع ضرورة وجود البنية التحتية والخدمات لكل مخطط ينشأ».

وأشار الجهني إلى وجود مضاربات في شمال المحافظة من خلال البيع والشراء في المخططات صاحبها ارتفاع في أسعار الأراضي منذ إعلان توقيع عقود بناء برج المملكة، مما يوحي بتغيير خريطة جدة ويحدث ارتفاعا غير مسبوق في أسعار عقارات الشمال، لا سيما أن البرج يعد حدثا عالميا كونه أعلى برج في العالم، فهذا سوف يجعل بوصلة العقار تتجه بكل قوة إلى مخططات الشمال.

وأوضح الجهني أن «المشروع يضم برجا و4 فنادق مما يسهم في ارتفاع الحركة العقارية والاقتصادية والسياحية في منطقة البرج وما حولها، وستكون هي جدة الجديدة».

من جهته، أوضح خالد الغامدي، رئيس طائفة العقاريين في جدة، أنه من المتوقع أن تشهد السوق تحسنا وزيادة في الطلب، فالمؤشرات الداعمة لتلبية طلبات المساكن من قبل الحكومة والشركات العقارية تعطي مؤشرا جيدا لنزول الأسعار التي لا تزال في الوقت الراهن مرتفعة عن أسعارها الطبيعية.

وأضاف الغامدي: «لكي نرتقي بالمخططات ونوجه السكان من داخل المدن إلى خارجها وحولها في المخططات يتطلب الأمر من الأمانة والكهرباء ووزارة التربية والتعليم إدخال الخدمات في المناطق الخارجة عن النطاق العمراني لتسهيل تملك الأراضي والعمران السريع حتى لا تكون هناك أزمة».

وكانت إمارة منطقة مكة المكرمة العام الماضي قد أعلنت عن استعادة نحو 280 مليون متر مربع من الأراضي المعتدى عليها في مدينة جدة، التي تقدر قيمتها بما يقارب 80 مليار ريال، ونتيجة لذلك فقد تم البدء في وضع أساسات العديد من المشاريع في المحافظة وتسليم العديد من المواقع للجهات الحكومية المختصة، حيث تم تسليم مواقع لوزارة الإسكان، من بينها موقع شمال عسفان، وموقع أبو جعالة، وموقع جنوب جدة، والعديد من المواقع الأخرى التي تم تخصيصها لمشاريع الإسكان.

وحول دعم القطاع العقاري وانعكاساته على الأسعار، قال عبد الواحد المشايخي، أحد أصحاب الشركات العقارية: «ليس هناك من شك أن الميزانية التي أعلنتها الدولة مؤخرا ستضخ في المزيد من الاستثمارات النوعية والمتنوعة لتأسيس بنية تحتية تدعم الاقتصاد الكلي من شأنها الإسهام في تنوع الطلبات العقارية، فهناك 440 مليار ريال لدعم صناديق التمويل السعودية، ومن بينها صندوق التنمية العقارية، وبنك التسليف والادخار، وصندوق التنمية الزراعي، وصندوق الاستثمارات العامة، وذلك في مجمله يواكب تحديات النمو السكاني والمستقبل والاستعداد له بناء على خطط اقتصادية محكمة».

وزاد: «الدراسات تقدر احتياج السعودية لبناء 1.65 مليون مسكن جديد حتى عام 2015، الأمر الذي يحتاج من شركات التطوير العقاري الخاصة والحكومية بناء نحو 275 ألف وحدة سنويا حتى ذلك العام». وأضاف المشايخي: «لا شك أن منطقة خليج سلمان تعد حاليا محل أنظار الكثير من المستثمرين، خصوصا أن محافظة جدة بدأت تتجه شمالا بشكل واضح، إضافة إلى أن هناك عددا من المشاريع الحالية والمستقبلية ستخلق ملامح جديدة في شمال المحافظة، بالإضافة إلى بعض المشاريع التي تحدها من جهات أخرى تعكس زيادة النشاط العقاري، الأمر الذي جعل البعض متمسكا بعدد من قطع الأراضي التي يرى أنها ستكون مربحة بعد حين».

يذكر أن منطقة شمال جدة (خليج سلمان)، شهدت قبل إعلان البرج تدشين العديد من المشاريع الكبيرة مثل المستشفى، وحديقة الملك عبد الله ومشروع سكن ذوي الدخل المحدود الذي وضع حجر الأساس له الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، كما شهدت بعض المخططات فيها تنفيذ مشاريع البنية التحتية من الصرف الصحي والكهرباء، وهذا دليل على أنها ستكون جدة الجديدة.