سوق العقار اللبناني: مستقبل غامض بعد فورة أسعار تجاوزت 400%

الشقق الصغيرة تنتعش على حساب الشقق الفخمة الواسعة

بيروت أكثر المدن جذبا للاستثمارات العقارية رغم متاعب الربيع العربي
TT

تتجه سوق العقارات في لبنان نحو مرحلة من الاستقرار والتصحيح الجزئي من دون أن يعني ذلك تراجعا في الأسعار التي سجلت في السنوات الخمس الماضية ارتفاعا تجاوزت نسبته 400% بالنسبة للأراضي في العاصمة بيروت وضواحيها. ويجمع الخبراء الماليون والاقتصاديون على أن الفورة العقارية غير المسبوقة التي شهدها القطاع العقاري تتجه نحو الركود في العام الحالي مع استقرار الأسعار وتراجع العمليات العقارية وفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة مؤخرا.

وإذا كان الواقع العقاري يتسم بالجمود والهدوء فإن ذلك لا يعني زوال الطلب، بل تراجع وتيرته، ضمن معايير مختلفة، كما أن ربحية المطورين العقاريين لا تزال قوية، مما ينزع عن السوق العقارية أي احتمالات لانهيار في الأسعار أو أزمة على غرار دول أخرى مجاورة. ويؤكد خبراء عقاريون أن المطورين في مجال الشقق الفخمة التي تتجاوز مساحتها ألف متر مربع لم يسجلوا أي مبيعات جديدة منذ مطلع العام، ذلك أن الطلب تراجع بشكل ملحوظ، بينما ارتأى أصحاب مثل هذه العقارات، خصوصا الخليجيين منهم، البيع لتحقيق الأرباح.

في المقابل شدد المطورون العقاريون في بيروت على أن الأسعار مستمرة بالارتفاع بنسبة 10% خلال عام 2012، لكن بالنسبة للشقق الصغيرة والمتوسطة؛ نظرا للطلب المتزايد عليها من قبل اللبنانيين المقيمين والمغتربين أولا والوافدين السوريين والعراقيين إلى بيروت خلال الأشهر الأخيرة ثانيا بعد اندلاع الأزمة في سوريا.

وبحسب تقرير صادر عن مصرف ستاندرد تشارترد، فإن قطاع العقارات سيبقى يمثل المحفز الأساسي للنمو في لبنان، مثلما كان الأمر عليه خلال السنوات الماضية، لكنه سيشهد نوعا من الاعتدال في النشاطات المسجلة في المرحلة المقبلة. وفي الإحصاءات الصادرة عن المديرية العامة للشؤون العقارية، فقد تراجعت البيوع العقارية في عام 2011 بنسبة 17%، في الوقت الذي ارتفعت فيه حصة قطاع العقار من التسليفات المصرفية، التي تجاوزت 3 مليارات دولار في العام الماضي. وبحسب خبراء في التخمين العقاري، فإن سعر العقار في لبنان وصل إلى القمة، لكن الجمود في الدورة الاقتصادية وتأرجح الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان واحتدام الأزمة في سوريا، بررت جمود الاستثمارات العقارية بعدما طغى العرض على الطلب، مما شكل ظاهرة لم يكن القطاع العقاري يتوقعها، مما يرسم علامات استفهام حول مستقبل قطاع العقار في لبنان.

ويشير الخبراء إلى أن أسعار العقارات لم تتأثر انخفاضا أو ارتفاعا في مناطق الدرجة الأولى، أي العاصمة والمناطق الساحلية أو الواجهات البحرية، في حين أن أسعار الأراضي في المناطق الداخلية شهدت انخفاضا بنسب متفاوتة، ومن دون أن ينسحب ذلك على أسعار الشقق. وكشف رئيس قسم الأبحاث والدراسات الاقتصادية في بنك بيبلوس، الدكتور نسيب غبريل، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الوضع العقاري في لبنان يتجه نحو فقاعة منذ عام 2010؛ إذ اعتبر أن ارتفاع الأسعار على نحو غير مسبوق حدث بسبب المضاربة العقارية؛ لأن المستثمرين يشترون العقارات بهدف إعادة البيع وتحقيق الأرباح انطلاقا من معادلة ارتفاع الأسعار بنسب تتراوح بين 20 و30% سنويا اعتبارا من عام 2006. ونفى غبريل أن يكون الطلب الحالي على العقارات حقيقيا، مشيرا إلى وجود تضخم في أسعار القطاع العقاري. وأضاف أنه بالمقارنة بين حركة القطاع في لبنان وفي سائر دول المنطقة ووفق مؤشرات التقييم العقاري فإن لبنان أغلى من المدن العربية في الشرق الأوسط. ولفت غبريل إلى تراجع الطلب في العام الماضي على الشقق الكبيرة والفخمة، كما أن أسعارها بدأت بالجمود وفق آخر الإحصاءات في هذا المجال، في الوقت الذي يسجَّل فيه طلب متزايد على الشقق الصغيرة، علما بأن هذا الطلب محلي بنسبة مرتفعة. وقد أدى هذا الطلب إلى ارتفاع أسعار الشقق الصغيرة وإلى تركيز الاستثمارات العقارية الجديدة على بناء الأبراج السكنية التي تحوي شققا لا تتجاوز مساحتها 150 مترا. ولفت إلى أنه في ظل هبوط أسعار العقارات في دول المنطقة، فإن الأسعار في لبنان تتجه نحو التضخم، لكن من دون أن يعني ذلك تراجع الأسعار في المستقبل، بل في أسوأ الأحوال فإنها ستستقر كما هو الحال اليوم بفعل العوامل السياسية وأوضاع المنطقة المتوترة إقليميا.

وعن الفورة العقارية التي تحدث عنها لاحظ أنها طبيعية بسبب الارتفاع السريع والكبير في أسعار العقار، الذي تجاوزت نسبته 100%، لكنه كشف عن أن القطاع اللبناني لن يشهد ما سجله القطاع العقاري في دول العالم، بل سيشهد تباطؤا في بعض المجالات. وعن مشروع الضريبة على الأرباح العقارية وتأثيره على السوق، التي سترد في مشروع موازنة عام 2012، اعتبر الدكتور غبريل أنها لن تتخطى 20%، بينما تصل في أوروبا إلى 40 و50%، وهي بالتالي ستؤدي إلى تأثير محدود. لكن مدير مؤسسة «رامكو» للاستشارات العقارية، رجا مكارم، رأى أن القلق من أن يؤدي الحراك في السوق العقارية إلى فقاعة ما غير مبرر؛ لأن السبب الأساسي للقلق هو غياب أو انعدام الطلب. وأكد أن ما من مؤشرات على حصول هذا الأمر. وبالعودة إلى الوقائع الميدانية لاحظ مكارم أن السوق تخضع لقاعدة العرض والطلب التي تحدد الأسعار مع الأخذ بالاعتبار أن المساحات المتاحة للبناء انحسرت على نحو هائل. وبالتالي فإن التباطؤ في ظل مناعة الأسعار دفع بالمطورين إلى التفاعل مع الواقع الجديد والتوجه عبر سوق فاعلة من خلال استبدال الاستثمارات في المشاريع العقارية الضخمة بالاستثمار في شقق اقتصادية صغيرة تجاري حاجات العصر. ولفت إلى أن المستثمرين يدركون حقيقة مفادها أن قيمة العقار في زيادة مطردة على الرغم من ذبذبة التطورات الإقليمية، مما يستبعد أي هبوط سريع للأسعار بعد الهدوء الحذر؛ إذ لا رابطة تلازم أكيدة بين الهدوء والهبوط. وعن مستقبل سوق العقار وتأثير الأسعار على الاستثمار في لبنان، قال مكارم إن مشهد السوق تبدل في الأشهر الماضية نتيجة الأحداث والثورات التي عصفت ببعض الدول العربية، لكن هذا الاستقرار مرهون بالأوضاع الإقليمية، كما أن الأسعار قد تعود إلى الارتفاع؛ لأن الأحداث السياسية في المنطقة، خصوصا في سوريا، تجعل من لبنان الأكثر أمانا للاستثمارات؛ حيث إن بعض المستثمرين الذين كانوا في مصر واضطروا للانتقال إلى لندن يزمعون التوجه إلى بيروت لدراسة إمكان الاستثمار فيها. وأضاف أن السوق العقارية اللبنانية تبدو من أكثر الأسواق تطورا في الشرق الأوسط، وذلك بسبب شفافية الإطار القانوني الذي يحمي حقوق ملكية العقار، والمتانة والسيولة اللتين يتمتع بهما النظام المالي؛ إذ إن القطاع المالي في لبنان هو أحد أكثر القطاعات تحررا وتقدما في المنطقة. كذلك فإن اقتصاد السوق الحرة والتقاليد التجارية المتسمة بسهولة التعامل يرحبان بالاستثمارات الأجنبية من دون قيود على الدفع والحوالات. كذلك طور لبنان إطارا قانونيا يحمي العقارات الخاصة ويمنح اللبنانيين والمستثمرين الأجانب حقوقا متساوية. ولفت إلى أن التوسع الاقتصادي عزز النمو السكاني الذي يفوق حاليا السكن المتاح المعروض، كما أن الطلب المتزايد على السكن يزيد من بدل الإيجار، الذي يعتبر حاليا الأعلى في المنطقة، علما بأن بيروت حلت في المركز العاشر لأغلى مدن العالم بالنسبة لبدل الإيجارات. وأوضح أن الإيجار المرتفع يجذب المستثمرين الذين يبحثون عن دخل جيد، مما يعزز نسبة مبيعات الشقق؛ إذ زاد حجم المبيعات في لبنان في النصف الأول من عام 2010 بنسبة 73% بناء على الأرقام التي أعلنها بنك «عودة» حول نمو قطاع الاستثمار العقاري.