الأولمبياد يحول عقارات لندن إلى منجم ذهب

الإيجارات ترتفع 500% وعائد عقار واحد يصل إلى 75 ألف إسترليني

المنشآت الأولمبية في لندن تقترب من الاكتمال
TT

أكدت شركات عقار بريطانية أن إيجارات لندن ارتفعت 5 أضعاف بسبب توقعات زيارة نصف مليون مشاهد للألعاب الأولمبية التي تقام في لندن هذا الصيف. ومن المتوقع أن يحضر إلى لندن الكثير من مشاهير السينما العالمية الذين يطلبون عقارات من نوعية خاصة، ودفع هذا بعض أصحاب هذه العقارات إلى طلب أسعار خيالية في إيجار عقاراتهم تفوق أحيانا قيمتها السوقية.

إحدى الحالات الشهيرة، عقار يملكه لاعب الكرة البريطاني سول كامبل في منطقة تشيلسي والمعروض للإيجار بسعر 75 ألف إسترليني في الأسبوع، وهو يعد حاليا أغلى عقار معروض للإيجار في لندن. ويعود الطلب إلى الأعداد الهائلة القادمة إلى لندن من 200 دولة حول العالم للمشاركة في المهرجان الرياضي العالمي.

ووصفت جيما سكوت، خبير العقارات في شركة «نايت فرانك» العقارية، وضع سوق لندن في الفترة الحالية بأنه يزيد في الإثارة ألف مرة عما تشهده منطقة ويمبلدون سنويا أثناء انعقاد دورة التنس الشهيرة في المنطقة في شهر يونيو (حزيران) من كل عام، وأضافت أنها لم تشهد مثل هذا الوضع الاستثنائي من قبل، وهي فرصة ثمينة لمن يملك عقارا لندنيا فاخرا أن يستفيد من فرصة قدوم الكثير من المشاهير إلى لندن من الذين يريدون عقارا في وسط البلد تكون إجراءات الأمن فيه جيدة، وتطرح بورصة النجوم في لندن أسماء الكثير من الأسماء الشهيرة التي سوف تحضر إلى لندن لمشاهدة أحداث الأولمبياد والمشاركة في دعم وتشجيع فرق بلادهم ولكن من دون تأكيد فعلي على حضور أي منهم. وحتى أندية لندن الخاصة بالأعضاء فقط قررت إلغاء هذا الشرط خلال الأولمبياد للاستفادة من الزوار الأثرياء والمشاهير.

ويصف خبراء شركة «نايت فرانك» عقار سول كامبل بأنه يقع على مساحة 7 آلاف قدم مربع ومكون من 5 طوابق يربط بينها مصعد ويحتوي على قاعة سينما وقاعد جيمنيزيوم وحمام سباحة و7 غرف نوم ونفق تحت الأرض يصل إلى منزل صغير لإقامة طاقم الخدمة. ويقع العقار على نهر التيمس في موقع متوسط جيد المواصلات وقريب من كافة منافذ التسوق والمطاعم في المنطقة، وهو يوفر مزيجا فريدا من منزل كلاسيكي يدخل ضمن قائمة التراث البريطاني وتجهيز حديث بأعلى المعايير، ولن يغادر سول كامبل لندن خلال الألعاب الأولمبية وإنما ينتقل إلى عقار صغير في لندن أيضا يتابع منه الأحداث الرياضية.

وتقول مصادر من شركة «غلينتري إنترناشيونال» العقارية إنها تلقت استفسارا من مستأجر أميركي يريد عقارا فاخرا في وسط لندن أثناء فترة الأولمبياد للإيجار لمدة 3 أشهر بميزانية تبلغ مليون إسترليني، وهي ميزانية تزيد 4 أضعاف عن المعدل العادي المطلوب لإيجار عقار فاخر في لندن لهذه الفترة. وحتى خارج لندن يمكن الاستفادة من بعض العقارات ذات الموقع الخاص. فهناك يخت على النهر بالقرب من مدينة وندسور التي ستقام فيها مسابقات التجديف النهري. وتصل قيمة الإيجار الأسبوعي لهذا اليخت نحو 8500 إسترليني خلال فترة المسابقات.

وعلى الساحل الجنوبي بالقرب من مدينة ويموث التي تقام فيها مسابقات الزوارق الشراعية توجد قلعة بنسلفانيا التي يعود تاريخها إلى القرن 18، وهي تقع في منطقة بورتلاند ومتاحة للإيجار لزائر ثري. وبنى هذه القلعة حفيد ويليام بن الذي أسس ولاية بنسلفانيا الأميركية. وهي تضم 9 غرف نوم وحمام سباحة ومهبط طائرة هليكوبتر. وهي الموقع نفسه الذي خطط فيه زعماء مثل تشرشل وأيزنهاور وديغول خطط الإنزال البري لتحرير أوروبا من النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي تصلح لإقامة كبار الزوار الذين يمكن لهم التنقل بالطائرة المروحية بين لندن والساحل الجنوبي مع إتاحة المزايا البحرية خلال فترة الصيف.

ولا يقتصر الطلب العقاري خلال فترة الدورة الأولمبية على قمة سوق العقار وإنما ينتشر إلى كافة القطاعات أيضا وتساهم الكثير من مواقع العقار الإلكترونية في مساعدة زوار لندن على إيجاد العقارات الملائمة لميزانياتهم خلال فترة الصيف المقبل.

وان هايد بارك وقد تكون هذه فرصة جيدة للأثرياء الغائبين عن عقاراتهم اللندنية للاستفادة من الفرصة الفريدة لتأجيرها أثناء فترة الأولمبياد المقبلة. من هؤلاء ملاك عقار «وان هايد بارك» الشهير حيث تشير بيانات المجلس المحلي إلى أن 3 شقق فقط في المجمع السكني تتمتع بالإقامة الدائمة لمشتريها بينما تعود 82 شقة أخرى لمشترين أجانب لا يقيمون في عقاراتهم. وتوضح فواتير المجلس المحلي الفارق في قيمة الضرائب لأن غير المقيمين لهم تخفيض خاص يتمتعون به. وبالإضافة إلى غير المقيمين هناك 49 شقة أخرى مسجلة على أنها عقار ثان وتستفيد أيضا من خفض نسبته 10%. وهناك 6 شقق إضافية بيعت ولكنها ما زالت شاغرة. وتبقى 27 شقة غير مباعة بعد في المشروع الذي تكلف 1.2 مليار إسترليني.

وهاجم عضو مجلس بلدية ويستمنستر (من حزب العمال) بول ديمولدنبرغ المشروع قائلا: إنه بعد سنوات من الازدحام المروري في المنطقة بسبب أعمال البناء ومليار إسترليني تلقاها مطورو المشروع من المشترين، فإن النتيجة النهائية لمشروع وان هايد بارك هو أن 3 شقق فقط مسكونة والبقية تبقى شاغرة وكأنها مدينة أشباح. وقال: إن هذا المبنى لا يساهم بشيء لقطاع الأعمال المحلي ولا لاقتصاد لندن. ويقول منتقدو المشروع إنه مثال لبذخ وطمع فترة الطفرة العقارية، لأنه يحتوي على أغلى شقة في لندن بلغ ثمنها 136 مليون إسترليني.

ولكن متحدثا من مجلس ويستمنستر قال: إن المشروع الجديد ما زال في طور التمهيد لاستقبال سكانه الذين يقومون بأعمال التشطيب والديكورات الداخلية التي تلائمهم، وأضاف أن بعض هؤلاء المشترين هم من رجال الأعمال والمسؤولين الدوليين الذين لا يقيمون في لندن طوال أيام العام وأن ذلك هو الأمر المطبق أيضا في العقارات الفاخرة التي تقع في مناطق لندن الأخرى.

وتمثل هذه العقارات الشاغرة في «وان هايد بارك» وغيره من المشروعات الفاخرة فرصة مثالية للاستفادة من زوار لندن من المشاهير لاستضافتهم. وقد تضيف إقامة نجوم مشاهير في عقار معين ولو لفترة وجيزة من الزمن إلى قيمة هذا العقار.

وبخلاف هذا السباق المحموم على إيجار العقارات في لندن أثناء فترة الأولمبياد، فقد شهدت السنوات الأخيرة فترة استثمارات عقارية موجهة إلى استقبال المهرجان الرياضي المتوقع وهي استثمارات يشارك فيها الاستثمار الأجنبي أيضا بقوة.

ويؤكد هذا التوجه خبير العقار في شركة «نايت فرانك» جون كيندي الذي أشار إلى أن نصف الاستفسارات الأجنبية عن الاستثمار في شرق لندن يأتي من الصين، والسبب هو أن هؤلاء المستثمرين يعرفون بالخبرة كيفية تحول السوق العقارية بفضل الدورة الأولمبية ويستفيدون من تجربتهم أثناء استضافة بكين الدورة الأولمبية السابقة.

وتؤكد تقارير أخرى من شركة «سافيل» أن 35% من المستثمرين في المشاريع العقارية الجديدة في لندن، سواء في شرق المدينة أو في مناطق أخرى، هم من الصينيين. ويأتي الصينيون إلى لندن لعدة أسباب أهمها توقع ارتفاع الأسعار مع الدورة الأولمبية ولأن العملة الصينية «اليوان» تتمتع بسعر صرف جيد إزاء العملات الحرة الغربية، وأيضا بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لتضييق مجال المضاربات على العقارات الصينية الأمر الذي دفع بالاستثمار العقاري الصيني للخروج عبر الحدود. وخلال العامين الماضيين ارتفع سعر صرف اليوان مقابل الإسترليني بنحو 32%. ويركز الصينيون في استثماراتهم على كل من بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وهونغ كونغ.

وفي شرق لندن المتاخمة لمنشآت الدورة الأولمبية، ما زالت المنطقة تعاني في الوقت الحاضر من فجوة أسعار تبلغ نحو 20% بالمقارنة مع متوسط أسعار غرب لندن. وينصح الباحث في شركة «سافيل» لوسيان كوك بأن الاستراتيجية المضمونة هي في اختيار التوقيت الجيد للبيع. فالبيع قبيل انعقاد الدورة هذا الصيف وقبل وصول دفعات العقار الجديد إلى المنطقة، يمكن أن يحقق أرباحا. والبديل هو الشراء والانتظار حتى يتم استيعاب كافة العقارات والمشاريع الجديدة التي يجري العمل فيها حاليا. ولكن لا يجب الانتظار طويلا بعد الدورة الأولمبية لأن التأثير بعيد المدى غير معروف بعد.

وتشير أبحاث قامت بها شركة «نايت فرانك» أيضا إلى أن 42% من كافة العقارات الجديدة في لندن تقام في منطقة شرق لندن ولها علاقة بالدورة الأولمبية حيث تراهن شركات العقار على تأثير هذه الدورة في تشجيع الأسعار والمبيعات. وتترجم هذه النسبة إلى نحو 76 ألف عقار سكني. هذا بالإضافة إلى 130 ألف ترخيص عقاري بالبناء صدرت في المنطقة حتى الآن. وقد لا يتم بناء بعض هذه الوحدات نظرا للوضع المالي المتدهور وصعوبة الحصول على التمويل اللازم.

ويشير تشارلي هارت من شركة «نايت فرانك» إلى أن منطقة ستراتفورد تعتبر نقطة أولمبية ساخنة لأنها في مركز الحدث، أما المناطق البعيدة نسبيا فإن التأثير الإيجابي فيها قد يكون هامشيا. وتستقبل هذه المدينة «الحديقة الأولمبية» والقرية الأولمبية التي ستضم آلاف العقارات الشعبية التي تباع بعد ذلك لأهل المنطقة.

وإذا كانت هذه هي آراء شركات العقار التي ربما لديها مصلحة في تشجيع بيع وشراء العقار والحث على الاستثمار، فماذا عن جهات تنظيم وإدارة ليس لها مصلحة مباشرة في أسواق العقار. يقول مدير التخطيط في المعهد الملكي لمهندسي العقار جيريمي إيدج: إن استضافة لندن للدورة الأولمبية لن تنعكس بالضرورة إيجابيا على أسعار العقار في لندن في المدى الطويل، ولكنه يعترف بأن المناطق القريبة من الحدث سوف ترتفع سعريا بكل تأكيد. ويضيف إيدج أن نقطة الجاذبية العقارية في لندن سوف تتحرك باتجاه الشرق، وسوف تتغير ملامح منطقة شرق لندن خصوصا لو وفرت معيشة جيدة للسكان الجدد الذين يستقرون فيها بعد الدورة الأولمبية. وهو يريد أن يرى المزيد من الاستثمار في البنية التحتية والمواصلات في المنطقة ويدعو الحكومة لأن تساهم في ذلك الجهد أيضا بتوجيه استثمارات القطاع الخاص شرقا.

بغض النظر عن تحولات أسعار العقار التي تخضع لعوامل العرض والطلب وحالة السوق، فإن المنشآت الأولمبية التي تقام الآن في شرق لندن سوف تنعكس إيجابيا على أحوال المنطقة معيشيا واقتصاديا، فالمنطقة الأولمبية تقام على أراض قاحلة كانت مقرا لمصانع ومخازن مهجورة في شرق العاصمة. وتقام «الحديقة الأولمبية» على مساحة 2.5 كيلومتر مربع لتكون أكبر حديقة داخل مدينة من نوعها تقام في أوروبا منذ القرن التاسع عشر. وتضم القرية الأولمبية 2800 منزل جديد نصفها على الأقل منازل شعبية ذات أسعار منخفضة. كما تتحسن وسائل المواصلات من وإلى المنطقة بعد إنفاق ملايين الجنيهات على مشاريع المواصلات العامة.

وسوف تقام الدورة الأولمبية بين 27 يوليو (تموز) إلى 12 أغسطس (آب) 2012. وكانت بريطانيا قد استضافت دورتين أولمبيتين في الماضي في عامي 1908 و1948. وسوف تكون لندن هي أول مدينة تستضيف الأولمبياد الحديث 3 مرات. وكانت الولايات المتحدة استضافت دورات أكثر من بريطانيا ولكن في مدن متفرقة.

وتشارك هيئة السياحة البريطانية في التسويق للحدث الأولمبي وتعتقد متحدثة من الهيئة هي جاكلين فرنش أن الاستفادة السياحية سوف تعم أيضا على قطاع الفنادق والعقارات في جميع أنحاء لندن حيث يستفيد أصحاب العقارات من الطلب الهائل على الإقامة في لندن خلال فترة انعقاد الدورة الأولمبية. وتريد الهيئة أن تشجع سياحة المؤتمرات أثناء فترة الدورة الأولمبية لرغبتها في جذب رجال الأعمال إلى لندن خلال هذه الفترة.

تقرير عقاري آخر صادر من بنك باركليز كشف عن صورة مختلطة في شرق لندن ما بين مناطق زادت زيادة ملحوظة في الشهور الأخيرة ومناطق أخرى لم تتحرك الأسعار فيها إلا بنسب ضئيلة. ولكن البحث يستنتج مع ذلك أن المستقبل سوف يوفر فرصة جيدة لعقارات شرق لندن لكي تتحسن وترتفع بنفس النسب التي تعم على بقية أنحاء العاصمة. ويرى التقرير أن السبب الأكبر في استمرار هذا التحسن بعد انقضاء فترة الدورة الأولمبية هو تحسن البنية التحتية والمنشآت الأولمبية التي سوف تفيد المجتمع المحلي في المنطقة. ويخشى التقرير من قرار حكومي بخصم مبلغ 27 مليون إسترليني من ميزانية اللجنة المشرفة على التجهيزات الأولمبية، بسبب إجراءات التقشف الحكومي، ولكنه يقول: إن القرار لن يكون مؤثرا في عمليات البناء، خصوصا أن الميزانية الإجمالية للمنشآت الأولمبية تبلغ 9.3 مليار إسترليني.