قصور تاريخية في بريطانيا تحول مشتريها إلى لوردات

بعضها يتيح لصاحبها حق التعدين والصيد

العقارات التاريخية توفر مزايا وحقوقا غير معهودة
TT

إذا كنت من هواة العقارات التاريخية، فإن بعض هذه التحف المعمارية تأتي بشروط وحقوق ملكية، وأحيانا بواجبات اجتماعية يتعين الالتزام بها. وبعض هذه القصور التاريخية تمنح أصحابها ألقابا حقيقية مثل «لورد» أو «بارون» وتمنحه حق فرض رسوم على صف السيارات في أرضه الخاصة أو حق المشاركة في الاحتفالات المحلية بصفته الرسمية. وهناك بعض الحقوق الغريبة التي نشأت في القرون الوسطى منها حق «بارون» اسكتلندي في شنق أو إغراق أي شخص يتعدى على أملاكه الخاصة، حتى ولو لم تثبت عليه جريمة السرقة. ولكن هذا الحق جرى إلغاؤه في القرن الثامن عشر، بعد 7 قرون من تطبيقه لأنه لم يعد يساير روح العصر والقانون الحديث الذي يعتمد على المحاكمات العادلة.

والصفة الغالبة بين هذه الحقوق هي أنها ترفع أسعار العقار، أحيانا، بنسب تصل إلى 30% من الثمن الأصلي. وفي بعض الأحيان تؤثر الحقوق على القيمة سلبيا إذا كانت تتيح للعامة حقوق السير في الأراضي المحيطة بالعقار، بحيث يفقد خصوصيته.

وهناك الكثير من قصص العقارات التاريخية في أوروبا وأميركا، تأتي ومعها حقوق متعددة. ومعظم هذه الحقوق تتعلق بالاستفادة من الأراضي المحيطة بالعقارات نفسها ووفق طبيعة النشاطات المحلية. فهناك حقوق الصيد في الأراضي التي تحيط بالعقار، وهناك أيضا حقوق تربية الماشية على هذه الأراضي أو حقوق الصيد من الأنهار التي تمر بالمقاطعات الخاصة.

وتمنح بعض المزارع القديمة حقوق تذوق المحاصيل المحلية لأصحاب العقارات الأرستقراطية في محيطها.

وتعد بريطانيا من أقدم الدول الأوروبية التي بدأ فيها تسجيل ملكيات العقار تاريخيا، وتشمل معظم العقود التاريخية حقوق ملكية تغطي العقار وما حوله من أراض. وبعض هذه الحقوق لم يعد له قيمة في العصر الحديث، مثل حق جمع الأخشاب من أجل التدفئة، أو حق التنقيب عن الفحم والمعادن في الأراضي المحيطة بالعقار، أو حتى حفر الأراضي لاستخدام التربة الخصبة.

وفي إيطاليا، دفع مستثمر بريطاني مبلغ 5 ملايين يورو في مزرعة إيطالية تاريخية تضم 13 فدانا من أخصب الأراضي الإيطالية وتتخصص في إنتاج أفخم أنواع الكروم. ويأتي ضمن صك العقار ترخيص من الحكومة الإيطالية بمنح الكروم المنتج من هذه المزرعة أعلى تصنيف بين أنواع الكروم الإيطالي. وبالطبع لا يجبر هذا الحق صاحب المزرعة على زراعة الكروم، وإنما يمنحه حق استخدام الترخيص لرفع قيمة المزرعة بنسبة 30% عما حولها من المزارع التي لا تحمل مثل هذا الترخيص القانوني.

وفي جزيرة مايوركا الإسبانية هناك الكثير من الحقوق التاريخية الملحقة بقصور الجزيرة ولكن الأجانب لا يعلمون عنها شيئا لأن هذه القصور تبقى في حيازة عائلات الجزيرة. وفي الأحوال النادرة التي يعرض فيها أحد القصور للبيع قد يكتشف المشتري أن له حق التعدين في الأراضي الملحقة بالعقار. وكانت مناجم الفحم تنتشر في الجزيرة حتى ثمانينات القرن الماضي حينما اضطرت إلى الإغلاق بسبب ارتفاع التكاليف وعدم توافقها مع شروط الأمان التي فرضها الاتحاد الأوروبي.

ولكن أصحاب المناجم التي حولوها إلى منتجعات وفنادق ما زال لديهم حق التعدين في مناطق هذه المشاريع مع إغفال الشروط الأوروبية التي لا تنطبق على الأراضي الخاصة. وهناك مزارع في مايوركا تمنح أصحابها حق الصيد لكل الحيوانات والطيور المتاحة في نطاق الأراضي الخاصة حولها. ولكن معظم شركات العقار في الجزيرة تؤكد أن العقارات التي تشمل حق الصيد نادرة جدا ولا تأتي إلى السوق إلا مرات معدودة كل جيل.

وفي الكثير من الدول الأوروبية كانت الحقوق القديمة حقا مكتسبا بحيث يمكن لمالك العقار أن يربي ما يشاء من خيول وحيوانات وطيور حول العقار. ولكن الأوضاع تغيرت مع الثورة الصناعية ونشأة المدن والقرى بحيث أصبحت المساكن متلاصقة وحقوق المنفعة محدودة. ولا تتيح العقارات الحديثة أحيانا حق صف السيارة أمام المنزل، مع ازدحام الشوارع. كما أن الكثير من القصور التاريخية أصبحت مشاعا للعامة بفضل قوانين حديثة تتيح البيئة الطبيعية للجميع.

وفي الكثير من القرى البريطانية تجري احتفالات محلية ببعض هذه الحقوق في مراسم تجري سنويا منها المشاركة في جني المحاصيل لقاء حصص معينة وحقوق تربية الحيوانات على المراعي الخضراء التي تحيط بالقرى. وفي قرية هانغرفورد التي تبعد عن لندن بمسافة 70 ميلا تشارك القرية في تربية ماشية على المراعي الخضراء وفقا لحقوقهم التاريخية ثم يتقاسمون اللحوم في نهاية كل موسم في مراسم تشبه إلى حد كبير عيد الأضحى في دول المشرق.

وبالإضافة إلى الحقوق المرتبطة بالعقارات، هناك جوانب جذابة أخرى في العقارات التاريخية منها أسلوب المعمار القديم الذي أثبت جدارته عبر القرون. ويمكن تحديث هذه القصور التاريخية من الداخل بأحدث وسائل الراحة، ولكن بشرط الحفاظ على هيكلها العام لأنها في الغالب تكون مصنفة ضمن التراث الذي يمنع هدمه. وأحيانا تكون صيانة هذه العقارات مكلفة، مما يدفع بعض الملاك أحيانا إلى بيع الألقاب المصاحبة للعقار من أجل الإنفاق على الصيانة. ويحق لمشتري اللقب أن يتمتع بكافة المزايا التاريخية الذي يتيحها حمل اللقب بما في ذلك فرض الرسوم المحلية على العبور أو صف السيارات.

وهناك شركات متخصصة في بيع وشراء الألقاب القديمة منها جمعية مانوريال البريطانية التي تشرف على هذه المبيعات وتقول: إن بعضها يعود على أصحاب الألقاب بأرباح طائلة. أحد الألقاب التي بيعت مؤخرا تتيح لحاملها استغلال الموارد التعدينية في الأراضي التي تخضع للقب. ويقوم حامل اللقب الآن باستغلال الكثير من المناجم في منطقة كمبريا الغنية بالمعادن. حامل لقب آخر له حق استغلال الأراضي قام بتركيب طواحين توربينية لتوليد الكهرباء تدر عليه دخلا سنويا عاليا.

وليست كل العقارات التاريخية باهظة الثمن، فهناك عقار صغير مكون من 3 غرف تعرضه شركة «راسل مارشال» العقارية بسعر يقارب 400 ألف إسترليني (نحو 600 ألف دولار) في منطقة هانغرفورد يتيح لمشتريه حق صيد الطيور من المراعي القريبة على حافة القرية. وتقول الشركة البائعة إن المشتري يجد نفسه مندمجا في تقاليد قروية عريقة بالإضافة إلى الاستفادة من عقار يطل على مشاهد طبيعية خلابة.

ولا توجد في القرن الحادي والعشرين أي مزايا مماثلة مصاحبة لملكية العقارات، على رغم المحاولات الذكية التي يقوم بها بين الحين والآخر الكثير من أصحاب العقارات. إحدى المحاولات الفاشلة كانت قضايا في مدن أميركية قريبة من مطارات حاول أصحاب العقار فيها المطالبة بحقوق «جوية» فوق عقاراتهم بحيث تدفع لهم شركات الطيران حقوق عبور جوي على أراضيهم. ولكن المحاولة فشلت في المحاكم الأميركية. وكذلك فشلت بعض محاولات أصحاب عقارات تطل على بحيرات أو أنهار لفرض حقوق مائية.

وتبقى العقارات ذات الحقوق التاريخية نادرة ولا تصل إلى الأسواق أحيانا إلا مرة كل عقد من الزمان وهي تضيف إلى قيمة العقار وإلى «بريستيج» مالك العقار، وهو حق مكتسب من قيمة العقار نفسه.

الحقوق العصرية تختلف فكرة حقوق الملكية الحديثة عن تلك التاريخية، حيث تتعلق بضمان عدم تعدي الغير على هذه الملكية أو منافعها أو تغيير مناخ البيئة المحلية من دون الحصول على تراخيص قانونية. فمالك العقار يحق له أن يعترض على مشروع يسد عليه ضوء الشمس أو يؤثر سلبيا على قيمة عقاره. كما أن الملكية لم تعد تقتصر على الأشخاص وإنما تشمل الشركات والمؤسسات، وأحيانا عدة أشخاص لكل منهم حصة في العقار. كما أن الحقوق تنقسم بين حقوق الملكية وحقوق المنفعة القانونية سواء بالإيجار أو بالحق القانوني.

ولكن أحدث تطور لفكرة الملكية في القرن الحادي والعشرين كان في المنتجعات الفاخرة التي تباع للأثرياء حول العالم. فالمشتري يحق له أحيانا عضوية أندية أرستقراطية تقتصر على الأثرياء الذين يملكون حصصا في المنتجعات نفسها. وهي عضوية تتيح لهم استخدام مزايا خاصة بهم في المنتجعات وأحيانا في منتجعات أخرى تملكها الشركة نفسها.

المستثمر البريطاني بيتر دي سافاري يمتلك الكثير من الاستثمارات الفاخرة في منتجعات داخل وخارج بريطانيا. وهو يعرض بعضها للبيع بشرط أن يكون المشتري عضوا في النادي الخاص الذي يمتلكه. وتتيح عضوية نادي دي سافاري الاستمتاع بمزايا كافة المنتجعات في أي مكان في العالم.

من المزايا الحديث أيضا أن الاستثمار العقاري في بعض الدول يمنح المستثمر حق الإقامة في هذه الدول. وتتيح هذه المزايا بعض دول البحر الكاريبي وجزر السيشل وبعض جزر القنال الإنجليزي. وتعلن شركات العقار في هذه الدول على المزايا المصاحبة للملكية كنوع من الدعاية الدولية لها. هناك أيضا حافز الإعفاء الضريبي مثلما الحال في بعض دول الخليج وهي ميزة نوعية للملكية العقارية في هذه الدول.

وفي الأحوال الصعبة التي تمر بها أسواق العقار في الوقت الحاضر تقدم بعض الشركات الكثير من الحوافز المالية والنوعية التي تصاحب ملكية العقار. من هذه الحوافز تقديم سيارة جديدة مجانا مع كل عقار مباع، وتوفير مقدم العقار مجانا كحافز، وضمان تأجير العقار لسنة أو عدة سنوات بعائد ثابت يصل أحيانا إلى 10% من قيمة العقار سنويا. ولكن قيمة ملكية العقار في كل الأحوال تعتمد على مدى الضمان القانوني للحقوق في الدولة التي يقع فيها العقار، بحيث يمكن للمالك الحفاظ على حقوقه حتى في غيابه عن العقار لفترات طويلة.

من ناحية أخرى، تتأثر العقارات المصنفة ضمن التراث سلبيا بهذا التصنيف لأن المشتري لا يستطيع تغيير هيكلها العام، ويؤثر هذا أحيانا على كفاءة استغلال العقار وتوفير استهلاكه للطاقة.