شركات العقارات الآسيوية تراهن على سوق الإسكان الأسترالية

أنشأت آلاف الشقق والبنايات وتنتظر تحسن الاقتصاد

TT

تعكف شركات تنمية عقارية آسيوية، من بينها «فرازر آند نيف» المحدودة (إف إن إن) و«إس بي سيتيا بي إتش دي» (إس بي إس بي)، على إنشاء عدد هائل من الوحدات السكنية في أستراليا، مراهنة على سوق نحيت فيها الشركات المحلية جانبا بسبب التمويل المحدود. وذلك وفقا لتقرير عقاري نشرته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية.

وتقوم شركة «فرازرز بروبرتي أستراليا»، فرع من ثالث أكبر شركة تنمية عقارية في سنغافورة، بتنفيذ مشروع يضم 2000 وحدة سكنية بتكلفة ملياري دولار أسترالي (2.1 مليار دولار أميركي)، في سيدني بالتعاون مع شركة «سيكيسوي هاوس» المحدودة (1928) اليابانية الكائنة في ملبورن، وتعكف شركة «إس بي سيتيا» الماليزية على تنفيذ مشروع «فالتون لين» الذي يضم برجين، بينما تقوم شركة «فار إيست كونسورتيوم إنترناشيونال» المحدودة بإنشاء مجمع «آبر ويست سايد» السكني المفترض أن يضم 2600 شقة.

وتتولى شركات من خارج أستراليا مهمة إنشاء نحو 13000 وحدة سكنية، أو نسبة 32 في المائة من الوحدات التي خطط لها أو تم إنشاؤها بالفعل، وهي نسبة تمثل رقما قياسيا، بحسب شركة الوساطة العقارية «سي بي آر إيه غروب» ومدعومة برأسمال من دولها الأم. وتتحرك تلك الشركات بشكل أعمق في السوق، حتى مع هبوط الأسعار، سعيا للتفوق على شركات التنمية العقارية المحلية، التي عوقتها مطالب جهات الإقراض باستثمارات أسهم أعلى قيمة ووجوب بيع مزيد من الوحدات قبل بدء عملية البناء.

وقال كيفن ستانلي، المدير التنفيذي لقسم الأبحاث الدولية بمجموعة «سي بي آر إي» الكائنة في سيدني: «لا يزال هناك طلب من شاغلي الوحدات السكنية على تلك الوحدات، وفي حال عجز شركات التنمية العقارية المحلية عن تلبية هذا الطلب، فسيكون ذلك بمثابة فرصة لشركات التنمية العقارية الأجنبية». وأضاف: «الشركات الأجنبية تعمل بشكل مسيطر وحدها، وكثير منها تنفذ عمليات هنا، مما يشير إلى أن تلك المجموعات ترغب في أن تستقر هنا على المدى الطويل». وتضطلع الشركات الآسيوية بمسؤولية أكثر من 90 في المائة من الشقق التي يتم إنشاؤها من قبل شركات أجنبية، حسب ما تشير مجموعة «سي بي آر إيه». وتقوم الشركات السنغافورية بتنفيذ 37 في المائة من المشاريع الأجنبية، تليها هونغ كونغ بنسبة 20 في المائة، وماليزيا بنسبة 12 في المائة، بحسب شركة الوساطة العقارية.

لقد أصبحت أسعار الوحدات السكنية أفضل من أسعار المنازل القائمة بذاتها مع تراجع سوق العقارات في أستراليا خلال العام الماضي. هبطت أسعار العقارات بنسبة 2.5 في المائة بالمدن الثماني الرئيسية في شهر مارس (آذار) قبل عام، وهي نسبة تقل عن قيمة الانخفاض في أسعار المساكن التي بلغت 4.7 في المائة، بحسب شركة الأبحاث «آر بي داتا» الكائنة في بريسبان. وهبطت التصاريح الخاصة بإنشاء الوحدات السكنية وعمليات التجديد بنسبة 16 في المائة في فبراير (شباط) عن الشهر الماضي، بينما هبطت تصاريح البناء الخاصة بالمنازل القائمة بذاتها بنسبة 3.4 في المائة، حسب ما ورد في تقرير مكتب الإحصاءات الأسترالي يوم 2 أبريل (نيسان).

ويمثل الانخفاض في عدد تصاريح بناء الشقق جزئيا نتيجة لصعوبة الحصول على تمويل في أعقاب الأزمة المالية الدولية، حسب ما أفاد به المجلس الوطني لمراقبة العرض والطلب على المساكن التابعة للحكومة في تقريره عن حالة العرض الصادر في ديسمبر (كانون الأول). ومع زيادة عدد المنازل التي يقطنها شخص واحد والأسر التي ليس لديها أطفال، من المتوقع أن يتجاوز الطلب على الوحدات السكنية الطلب على المنازل القائمة بذاتها، بحسب التقرير.

وتتألف نحو ربع الأسر الأسترالية من أفراد يعيشون بمفردهم، أسرع المجموعات نموا، حسب ما ذكر المركز البحثي «غراتان إنستيتيوت» الكائن في ملبورن في تقرير أصدره الشهر الماضي. وحتى مع هبوط أسعار المساكن، يشهد الطلب على العقارات المعروضة للتأجير ارتفاعا، مع عزوف المشترين المحتملين عن الشراء وسط مخاوف من تباطؤ نمو سوق الإسكان. حققت الشقق في المدن الثماني الرئيسية عائدات تأجير بلغت نسبتها 4.8 في المائة في مارس، وهو ما يمثل ارتفاعا عن نسبة عائدات التأجير المنخفضة التي بلغت 4.4 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2010، بحسب شركة الأبحاث «آر بي داتا». ويعرف عائد التأجير بأنه إجمالي الدخل السنوي العائد من التأجير كنسبة من سعر الشراء. وقد هبطت نسبة العقارات الشاغرة المعروضة للتأجير بنسبة 0.1 في المائة لتصل إلى 1.7 في المائة في فبراير (شباط) عن يناير (كانون الثاني)، حسب ما تشير أرقام شركة «إس كيو إم ريسرش».

ولدى شركة «فرازرز بروبرتي أستراليا» خطط لمشاريع تنمية عقارية قيمتها 3.5 مليار دولار أسترالي، من بينها مشروع «سنترال بارك» الذي يضم 11 بناية في وسط سيدني، حسب ما أشار الرئيس التنفيذي غاي باهور في أكتوبر (تشرين الأول). ومن المتوقع أن توفر شركة التنمية العقارية مساحة أراضي قدرها 255.000 قدم مربع (2.7 مليون قدم مربع)، تضم متاجر ومكاتب، في موقع كينت بروري السابق في ضاحية تشيبيندال الداخلية.

وفي سيدني، حيث تنفذ شركة «فرازرز» نسبة 80 في المائة من المشاريع، ارتفعت الأسعار بنسبة 1.1 في المائة خلال الثلاثة أشهر التي انتهت في 31 مارس، بينما لم يطرأ على متوسط الأسعار بالمدن الثماني الرئيسية أي تغيير، بحسب شركة «آر بي داتا». ويعيش نحو ربع سكان سيدني في وحدات سكنية، مقابل نسبة 13 في المائة في ملبورن، و7.1 في المائة في بيرث، و8.4 في المائة في أديلايد، وفقا لمكتب الإحصاءات.

واتفقت شركة «فرازرز» وشريكتها شركة «سيكيسوي هاوس أستراليا» في أكتوبر (تشرين الأول) على الحصول على قرض مشترك قيمته 550 مليون دولار أسترالي من مجموعة «أستراليا آند نيوزيلاند بانكينغ غروب» المحدودة، و«بنك أوف توكيو ميتسوبيشي يو إف جيه» المحدود، لتمويل مشروع «سنترال بارك». كانت شركة «فرازرز» تمول عملية التطوير داخليا، بدعم من شركتها الأم. واقتحمت شركة «إس بي سيتيا»، التي تتخذ من كوالالمبور مقرا لها، أستراليا في عام 2010، بشراء موقع «فولتون لين» وسط ملبورن برأسمال من ماليزيا، حسب ما ذكر تشونغ كاي واي، الرئيس التنفيذي الأسترالي للشركة، في محادثة هاتفية مع وكالة «بلومبيرغ».

قال تشونغ من ملبورن: «هدف سيتيا هو توسيع قاعدة دخلنا، لذلك بحثنا عن مواقع قريبة من الجامعات ومراكز التسوق، تشهد نموا سكانيا قويا». وأضاف: «نحن نرغب في نهاية الأمر في التعامل مع بنوك أسترالية. إنهم يطرقون أبوابنا». ولقد أصبحت البنوك الأسترالية أكثر تشددا في شروطها الخاصة بمنح القروض لشركات التنمية العقارية، حيث عادة ما تطالب ببيع إجمالي الوحدات قبل البناء وأن تكون نسبة الودائع 30 في المائة من قيمة المشروع، بحسب روس غريفيثز، مدير الائتمان ببنك «كومون ويلث أوف أستراليا». غير أنه لا يزال هناك ميل إلى زيادة حجم القروض، على حد قوله.

وقال غريفيثز في مؤتمر عقد بسيدني في مارس: «إذا كان هناك طلب على العقار وكانت قيمته المالية مناسبة، فستكون هناك أموال متاحة». وأضاف غريفيثز: «بالطبع ثمة تطويرات جارية، من قبل شركات تنمية عقارية معروفة جيدا لنا، بسجل تتبع ومؤشرات لما قبل البيع».

بالمقارنة، تواجه شركات التنمية العقارية الأصغر حجما «متطلبات إضافية خاصة بالضمانات وما قبل الالتزام أكثر صرامة» منها في الأعوام السابقة، حسب ما أشار بنك الاحتياط الأسترالي في تقرير الاستقرار المالي الذي أصدره في 28 مارس. وتواجه شركات التنمية العقارية في أستراليا تكلفة اقتراض أعلى من نظيراتها الآسيوية، فبلغت تكلفة دين «مجموعة أسترلاند» العقارية في 31 ديسمبر (كانون الأول) 8.1 في المائة، و«مجموعة ميرفاك» 7.4 في المائة، أما «مجموعة فينبار» المحدودة ومقرها بيرث فبلغت تكلفة دينها في 30 يونيو (حزيران) 6 في المائة، بحسب بيانات الشركات. وقالت شركة «فريزر آند نيف» إن تكلفة الاقتراض الخاصة بها عن العام المنتهي في 30 سبتمبر بلغت 3.23 في المائة. وبرغم رفض تتشونغ تقديم بيانات حول تكلفة اقتراض شركة «إس بي سيتيا» في ماليزيا، أشار إلى أنها كانت أكثر انخفاضا من الشركات الأسترالية.

وقد أبقى البنك المركزي الأسترالي على معدل سعر الفائدة قصيرة الأجل عند 4.2 في المائة خلال الاجتماعات الثلاثة الماضية، بينما حددت في سنغافورة أمس معدل الفائدة على القروض بين المصارف أجل ثلاثة أشهر بـ0.40 في المائة، في حين بلغ المعدل القياسي في ماليزيا على القروض أجل 5 أشهر 3 في المائة، في الوقت الذي حافظت فيه هيئة سوق المال في هونغ كونغ، التي لا تملك سياسة معدل فائدة مستقلة نظرا لارتباط العملة المحلية بالدولار، على معدل فائدة الإقراض عند أدنى مستوى قياسي لها منذ ديسمبر عام 2008 بلغ 0.5 في المائة.

ويقول أندرو هارفي، الخبير الاقتصادي في اتحاد صناعة الإسكان في سيدني: «شركات التنمية العقارية، خاصة تلك التي تعمل في مجال الوحدات متوسطة الكثافة، لديها مشكلات حقيقية في التمويل، حتى مع البيع المسبق. كما سيمثل دخول المجموعات الدولية مشكلة أخرى في بيئة صعبة بالفعل».

وأوضح تتشونغ أن شركة «إس بي سيتيا» عادت إلى الوطن للترويج لأول برج لها بفولتون لان في يوليو الماضي، حيث باعت 70 في المائة من المبنى المكون في 28 طابقا والمؤلف من 291 وحدة سكنية. وكان الكثير من المشترين من المستثمرين الراغبين في الحصول على عائدات من الإيجارات أو لإقامة أبنائهم أثناء الدراسة الجامعية. وقد باعت الشركة، التي بدأت الشهر الماضي في البيع المسبق للشقق في برجها الثاني، الذي يتألف من 45 طابقا، حتى الآن أكثر من ثلث الوحدات البالغة 487 وحدة سكنية في ماليزيا وأستراليا، وتخطط لتدشين حملة بيع في سنغافورة وماليزيا ومناطق أخرى من آسيا، بحسب تتشونغ. وكانت شركة «إس بي سيتيا» قد اشترت قطعة ثانية من الأرض جنوب يارا - ضاحية في ملبورن مطلة على النهر تبلغ مساحتها 5 كيلومترات (3.1 ميل) جنوب شرقي وسط المدينة، لتطويرها لتبدأ التسويق لها في سبتمبر. وشروط الإقراض صعبة على نحو خاص للتطوير السكني في ملبورن يقوده في ذلك المخاوف من زيادة المعروض، بحسب «آر بي إيه» الشهر الماضي. وقد شهدت ملبورن، التي تنفذ شركات أجنبية 42 في المائة من المشاريع السكنية بها، بحسب «سي بي آر إي»، انخفاضا في الأسعار فاق المتوسط الوطني.

فقد تراجعت أسعار الوحدات السكنية في ملبورن في مارس 5.4 في المائة عن العام السابق، مقارنة بمتوسط انخفاض وصل إلى 4.4 في المائة في المدن الأسترالية الكبرى، بحسب «آر بي». في الوقت ذاته، ارتفع عدد المنازل المعروضة للبيع في ملبورن بنسبة 23 في المائة في مارس مقارنة بالعام السابق، بحسب إحصاءات شركة «إس كيو إم ريسيرش». وقال ديفيد لوسون، مدير مركز الاستقرار الاقتصادي، الذي شارك في تأسيسه ستيفن كين، مؤلف كتاب «فضح الاقتصاد»: «إن بعض الشركات الدولية نهلت من جاذبية المضاربة في العقارات الأسترالية رغم انخفاض الأسعار».

وأضاف: «في الوقت الراهن يسعى المستثمرون حول العالم خلف أي سوق بها مكاسب محتملة، وأنه لا تزال هناك مجموعات تروج لسوق العقارات الأسترالية على الرغم من أدائها السيئ في الآونة الأخيرة، ومن ثم فإن المستثمرين سيجدون أنفسهم تحت ضغوط متزايدة خلال الشهور القادمة».