جدل حول تباين أسعار العقارات في السعودية وتوقعات بحدوث تصحيح تدريجي

«غلوبل» الكويتية: المناخ الاقتصادي السعودي يشجع على نمو قطاع العقار

تضارب التوقعات حول توجه الأسعار في السوق العقارية بالسعودية خلال الفترة المقبلة
TT

تباينت آراء خبراء العقار والمختصين حول مستقبل القطاع في السعودية، وذلك مع تزايد الطروحات عن انخفاضه وعودته إلى أسعاره الطبيعية، وذلك في ظل الدعم الحكومي لمشاريع الإسكان ودعم صندوق التنمية العقاري بنحو 80 مليار ريال (21.3 مليار دولار).

ويرى المتفاعلون مع انخفاض القطاع في التسهيلات التي قدمتها الحكومة من خلال القرارات الملكية والمتضمنة رفع قيمة القروض والسماح للبنوك بتقديمها وإعفاء المواطنين من شرط الأرض للحصول على قرض، إضافة إلى مشاريع تطوير العشوائيات وتعافي سوق الأسهم وتوجه بعض المستثمرين لها أسبابا دافعة لعودة أسعار العقارات إلى الوضع الطبيعي بشكل تدريجي، وهي التي شهدت في الفترة الأخيرة ارتفاعا مهولا، خصوصا في أطراف المدن.

ومن أبرز المؤيدين لهذه الآراء عبد الله الأحمري رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية في محافظة جدة (غرب السعودية)، والذي توقع أن تعود العقارات إلى أسعارها الحقيقية تدريجيا، في ظل الدعم الحكومي لحل مشكلة الإسكان وتسهيل إجراءات الدعم والقروض في البنوك ومشاريع تطوير العشوائيات.

ويرى رئيس اللجنة العقارية ذلك في التنامي الواضح للأبراج السكنية في المدن السعودية، والتصريح من قبل الأمانات للمخططات التي تستوعب المباني فوق الثلاثة طوابق، والتي تستوعب عددا أكبر من السكان وتغير نظرة المجتمع السعودي حول السكن فيها، مشيرا إلى أن ذلك قد يستغرق الفترة من 5 إلى 8 سنوات. من جانبه يرى منصور أبو رياش، رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن السوق العقارية تمر بفترة تصحيح، خاصة في المخططات الطرفية خارج المدن وتواكب الاقتصاد الحالي، في حين لا يزال الوضع العقاري داخل المدن كما هو عليه، مستدركا القول «لا ينطبق ذلك على العاصمة المقدسة والمدينة المنورة فهي مدن لها طبيعة خاصة ولا تخضع لأي معايير».

وعن تأثير سوق الأسهم وصف أبو رياش سوق الأسهم بالهش، والتي لا يمكن لها التأثير على سوق العقار، وتوقع فترة التصحيح في السوق العقارية إلى ما يقارب السنتين، إلا أنه استدرك بأن هناك عوامل أخرى تجعل من العقار الابن البار ومن أبرزها التنامي في عدد السكان والطلب المتزايد الذي لا يتوقف عند حد معين من المشاريع.

وفي الجانب الآخر يؤكد العقاري عبد الله البلوي أن كل ما يتردد من انخفاض في سوق العقار هو آمر غير صحيح، ولا يتوقع أي انخفاض في أسعاره، فالطلب أكبر من العرض ولا يتوازى مع العقارات الموجودة والمطروحة لحل الأزمة.

من جانبه يصف خالد جمجوم عضو اللجنة العقارية بغرفة جدة الصورة بأنها تتأرجح بين مدرستين مختلفتين، فئة تذهب إلى أن طرح انخفاض العقار غير صحيح بحكم أن الطلبات كبيرة جدا مقارنة بالعرض اليوم، وقبل انتهاء المشاريع، فيما ترى الفئة الأخرى أن الوضع المستقبلي قد يشهد انخفاضا إلا أنها تنتظر المنتج، والذي قد لا يلائم سكن البعض فهناك فئات تحب أشكالا وطرازات معينة من السكن لا تلائم الفئة الأخرى.

وأضاف جمجوم: «من ناحية التصحيح فالجميع يطالب بالتصحيح وهو متوقع في الأراضي الطرفية، التي تفتقد للخدمات وهنا نطالب الأمانات وخصوصا أمانة جدة باستصدار قرار بمنع التصريح في البيع لأي من المخططات السكنية إلا بعد استيفاء كافة الخدمات».

وكان خبراء العقار والإسكان في السعودية توقعوا إبان صدور القرارات الملكية أن يسهم القراران الملكيان القاضيان ببناء 500 ألف وحدة سكنية بجميع المناطق السعودية وتخصيص مبلغ 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار)، وقرار رفع الحد الأعلى للقرض من الصندوق العقاري إلى 500 ألف ريال (133.3 ألف دولار) في انتهاء أزمة المساكن في السعودية بشكل كامل خلال 3 سنوات.

كما توقع الخبراء انخفاض أسعار العقارات والإيجارات في الوحدات السكنية إلى أكثر من 30%، وانخفاض نسب السعوديين المستأجرين إلى 20%.

وبحسب الدكتور عبد الله المغلوث، الباحث والخبير العقاري عضو اللجنة العقارية بالغرفة الصناعية والتجارية بالرياض في وقت سابق، فإن القرارات جاءت تتويجا من الملك وتلمسه حاجة المواطنين وسد احتياجهم للمساكن في ظل تزايد النمو السكاني.

وأضاف المغلوث أن القرارات ستسهم بشكل كبير في تراجع الأسعار في السوق العقارية إلى المعقول خلال السنتين المقبلتين بواقع 30%، متوقعا ألا يكون بعد هذه الفترة أي ضغط على الإيجارات للوحدات السكنية، الأمر الذي سيسهم في انخفاض أسعار إيجاراتها في ظل زيادة المعروض.

وبين أن قرار رفع الحد الأعلى للقرض من الصندوق العقاري إلى 500 ألف ريال (133.3 ألف دولار) سيسهم هو الآخر في دفع عجلة البناء والنمو بعد الارتفاع في أسعار البناء والمقاولات وسيسهم أيضا في خفض قوائم الانتظار وسيسهم في دفع نحو 25 ألف قرض هذا العام.

إلى ذلك أشار تقرير عقاري صدر من شركة بيت الاستثمار العالمي «غلوبل» أن العوامل الاقتصادية تعتبر هي الأقوى في السعودية نظرا لما تحظى به من ملامح سكانية جذابة، وهو ما يوفر لها سيناريو أفضل على المدى الطويل مقارنة بمثيلتها في الإمارات والكويت، حيث يشكل المواطنون السعوديون 73% من مجموع السكان في مقابل 32% فقط في الكويت و18%% في الإمارات مما يشير إلى حدوث نمو طبيعي مطرد في فئة العقارات السكنية على المدى الطويل.

وذكر التقرير أن نسبة السكان دون سن الثلاثين عاما تشكل نحو 60% من مجموع السكان السعوديين بالمقارنة مع 54% في الكويت و46% في الإمارات، علاوة على ذلك، تمتلك السعودية أكثر بنية سكانية توازنا من ناحية الجنس إذ يشكل عدد سكانها الذكور من الوافدين 18% من مجموع السكان في مقابل 44% في الكويت، و69% في الإمارات.

وأضاف التقرير الذي عنون بـ«قطاع العقار السعودي» أن المملكة شهدت أبطأ معدل مركب لنمو السكان على مستوى الدول الثلاث السالفة الذكر خلال الأعوام الخمسة الماضية، إذ سجلت نموا بنسبة 2.1% في مقابل 3.2% في الكويت، و6.8% في الإمارات، وما زال النمو المطرد يمثل ميزة أساسية من مميزات الملامح السكانية السعودية نظرا لأنها طبيعية ولقدرتها على الحفاظ على اتجاه النمو.

وعلى عكس الإمارات التي شهدت انخفاضا بنسبة 4.4% في معدل النمو السكاني خلال عام 2009، والكويت التي سجلت انخفاضا بلغ 0.3%، شهدت السعودية نموا في معدل السكان الأجانب والمواطنين السعوديين في الفترة ما بين عام 2005 وعام 2009.

وسجل الاقتصاد السعودي أرقام نمو أكثر ارتفاعا خلال الفترة ما بين عام 2008 وعام 2011، إذ بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.9% في مقابل 2.4% في الكويت، و1.6% في الإمارات. ولفت التقرير إلى أن السعودية حافظت على معدل النمو القوي في عرض النقود فئة «إم 2»، ليبلغ 13% في عام 2011 مقابل 6% في الكويت، و10% في الإمارات. وتراوح معدل نمو التضخم الربع سنوي في الإمارات ما بين نسبة سلبية بلغت 0.5% و2% (0.1% سنوي خلال الربع الثالث من عام 2011) نظرا لاتجاه مكونات العقارات السكنية إلى الانخفاض مما يعكس ضغوط الانخفاض التي تعرض لها القطاع في الفترة ما بين عام 2009 وعام 2011. وسجلت السعودية والكويت ارتفاعا في أرقام التضخم بلغ 5% و5.6% على التوالي على أساس سنوي خلال الربع الثالث من عام 2011.

وتؤكد «غلوبل» أن المناخ الاقتصادي السعودي يشجع على نمو قطاع العقار، كما سيواصل الإنفاق الحكومي المباشر وقروض الإسكان التي يقدمها صندوق التنمية العقارية في دفع عجلة النشاط في سوق العقار في المدى القصير إلى المتوسط، إلا أن العقبات الكبرى التي تعترض سبيل نمو قطاع العقار السعودي، الذي يعاني نقصا في المعروض من العقارات، تتعلق بالقصور التشريعي والهيكلي، إضافة إلى عدم القدرة على تحمل التكاليف العقارية.

حافظت السعودية على مركزها في صدارة دول المنطقة من ناحية تدفقات الاستثمار الأجنبي الواردة، كما وجهت غالبية هذه التدفقات الواردة إلى قطاع الصناعات البتروكيماوية.

علاوة على ذلك، تصدرت السعودية قائمة دول المنطقة من ناحية سهولة ممارسة الأعمال. وأخذ ترتيب السعودية في تلك القائمة في التقدم، لتنتقل من المركز الثالث والعشرين في عام 2007 إلى المركز العاشر في عام 2011 مما يشير إلى أن بيئتها أصبحت مواتية أكثر لممارسة الأعمال التجارية، لذا أصبحت الإمارات والسعودية في وضع أفضل يؤهلهما إلى اجتذاب أعمال تجارية جديدة مما سيكون له أثر إيجابي على العقارات المكتبية التي تواجه فائضا في المعروض في الدول الثلاث، وهو ما سيخلق بدوره مزيدا من الطلب على العقارات السكنية ويؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، الذي يعد اتجاها يتوقع أن يتحقق قريبا في السعودية في ضوء الرؤية المستقبلية بتزايد الاستقرار الاقتصادي.

ويؤكد التقرير أن أداء أسواق العقارات السكنية في الرياض وجدة ما زال قويا، حيث واصلت أسعار بيع الوحدات السكنية الجاهزة للانتقال إليها وأسعار الأراضي، اتجاهها نحو الصعود خلال عام 2011 في كل من الرياض وجدة مدفوعة بالنقص الشديد في المعروض منها، إضافة إلى عدم القدرة على تحمل التكاليف العقارية. وارتفعت أسعار الفيللات والشقق السكنية بنسبة تراوحت بين 8% و10% في الرياض في حين شهدت جدة ارتفاعا أكبر في حدود 13 إلى 15%.