المستثمرون يطلبون الأمن أولا في عقاراتهم اللندنية

التكلفة تتخطى أحيانا نصف مليون إسترليني

العقار الفاخر يتطلب حماية أمنية باهظة التكاليف
TT

إحدى أهم المزايا التي تتمتع بها لندن كمركز عقاري عالمي هو درجة الأمن العالية فيها واستقرارها المالي. ولكن قدوم العديد من المستثمرين الدوليين من شرق أوروبا والشرق الأوسط إليها في العامين الماضيين، جلب معه مطالب أمنية جديدة للعقارات الفاخرة التي يقيم بها هؤلاء. ويرتفع هذه الأيام الطلب على رجال القوات الخاصة السابقين للعمل كحراس شخصيين، مع أحدث تقنيات الحماية المتاحة في الأسواق التي يطبق بعضها في عقارات سكنية للمرة الأولى.

وتبدو نقطة البداية في وجود معظم العقارات الفاخرة وراء أسوار حماية خارجية تعزلها عن الأحياء المجاورة، كما تصطف الأشجار في الواجهة لتحجب الرؤية البعيدة سواء لأغراض التلصص أو التصوير. وفي الداخل ينتشر الحراس وأدوات الحراسة التي قد ترى بالعين مثل الميكروفونات المخبأة في مواقع سرية ولوحات الضغط التي تنذر بالخطر إذا ما خطا عليها إنسان أو حيوان. وهي جميعا تفرض نطاق حماية أوليا قبل دخول العقار. وفي الداخل ترتبط كافة المنافذ بأجهزة إنذار ويمكن الضغط على أزرار الإنذار من أي غرفة في أي وقت، بالإضافة إلى وجود مخابئ عازلة غير مرئية، وغرف حماية معزولة عن العالم الخارجي، وخزائن لا تقهر للمجوهرات والأغراض الثمينة. وتوجه معظم وسائل الحماية لأغلى المقتنيات على الإطلاق، وهي الزوجة والأبناء.

أحد المستشارين المتخصصين في مجال الحماية، وهو أندرو الينوس من شركة «سانفوردز» يقول إن الحماية هي أهم المطالب في الوقت الحاضر، يجب أن تكون متكاملة تماما للأثرياء الروس الذين يدققون في كافة التفاصيل بداية من الزجاج المضاد للرصاص وحتى مخارج طوارئ للعقارات التي يشترونها. ويضيف أن أحد المنازل التي باعها بنجاح إلى أحد هؤلاء الأثرياء به طابق علوي يمكن عزله تماما وتأمينه في حالة اختراق الأمن في الطابق الأرضي. ومثل هذا الترتيب قد يتكلف نحو نصف مليون إسترليني لتنفيذه.

وتأتي غرف الطوارئ التي توفر مصادر هواء مضمونة من خارج العقار كإحدى الإضافات الضرورية في العقارات الفاخرة. ويتم استخدام التقنيات الحديثة التي كانت حتى وقت قريب تقتصر فقط على أجهزة الاستخبارات، مثل أدوات التحقق من الشخصية عبر حدقة العين أو إمكانية التعرف على السيارات من أرقامها.

ويقول نيكولاس كاندي، مطور العقار الشهير «وان هايد بارك» إن أحدث التجهيزات في مجال الأمان تشمل حوائط تنزلق في كل الاتجاهات وبزوايا لإخفاء خزائن أو غرف طوارئ. كما تشمل بعض العقارات أيضا أرضيات خفية تغطي أماكن سرية لتخزين الأغراض. وأضاف أنه قام بتصميم خزائن على شكل كتب وشاشات تلفزيونية يمكن إزاحتها للكشف على لوحات فنية أصلية. أما في مجالات حماية المداخل فهناك أنظمة توفر ست طبقات من الحماية. وأحيانا تكون الإجراءات البسيطة هي الأكثر فعالية في الحماية مثل أجهزة الاستشعار التي تحيط بالأعمال الفنية.

وبالإضافة إلى أدوات تأمين العقار، من المهم اختيار الحراسة بدقة. وفي بريطانيا يعد الجيش البريطاني وأعضاء القوات الخاصة السابقون من أفضل مصادر الأمن. وتقول كاميلا ديل من شركة «بلاك بريك» العقارية إنها لاحظت زيادة مطالب الأمن من المشترين الأثرياء في الآونة الأخيرة وإنها زادت من تعاون شركتها مع العديد من شركات الأمن التي توفر خدمات متنوعة في هذا المجال. وتضيف أن مطالب الأثرياء تتراوح بين مجرد طلب تركيب خزنة في العقار إلى مطالب معقدة تشمل عمليات المراقبة للمنطقة المحيطة بالعقار.

وتشهد لندن ارتفاعا ملحوظا في توفير أدوات الأمن الظاهرة التي تشمل عقارات معزولة خلف بوابات إلكترونية مع جراجات تحت أرضية لحفظ السيارات، وكاميرات مراقبة وحراس. وفي عقار مثل «وان هايد بارك» يمكن لأصحاب العقارات صف سياراتهم تحت الأرض عن طريق استخدام مصعد خاص بالسيارات. وهذا يعني تأمين السيارات أيضا في كل الأوقات. ويعتقد خبراء الأمن أن هذا الأسلوب يخفض كثيرا من خطر الخطف أيضا.

ويؤكد دومنيك غريس رئيس قطاع التطوير في شركة «سافيلز» العقارية أن إحدى فوائد شراء العقارات الجديدة قدرة المالك الجديد على تحديد مطالبه مقدما بحيث يمكن إدخالها في التصميم. فالمشتري يمكنه أن يحدد موقع الخزنة في العقار بحيث تتم تقوية الأرضية في المساحة التي توجد عليها الخزنة. ومن أمثلة هذه العقارات مشروع «كينوود بليس» في منطقة هامستيد الذي يوفر أحدث أنظمة الأمان مع نظام اتصال داخلي بالفيديو وأبواب فولاذية وأنظمة إنذار موصلة بمكتب «كونسيرغ».

ويعود هذا الطلب المتزايد على أنظمة الأمن عالية الكفاءة من المشترين الأثرياء إلى أن معظم المشترين في القطاع الفاخر يأتون من مناطق تعاني من التقلبات السياسية مثل شرق أوروبا وروسيا. ويضاف إلى هؤلاء أيضا مشترون من الشرق الأوسط يعتبرون الأمن في مقدمة الأولويات في قطاع العقارات الفاخرة.

وتضيف كاميلا ديل أن بعض المشترين يأتون إلى لندن من أسواق ناشئة تحتاج إلى مثل هذه الإجراءات لانعدام الأمن فيها، ويحاول المشترون تطبيق نفس إجراءات الأمن التي تعودوا عليها في بلادهم في مدن عالمية مثل لندن حيث الأخطار أقل من بلدانهم. وقد تعني هذه الإجراءات مجرد الاستعانة بحارس شخصي أو سائق أو المزيد من إجراءات الحماية.

وشهدت لندن في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في الشركات التي تقدم خدمات الأمن، كما زاد أيضا الإقبال على استخراج تصاريح العمل في مجالات «الحراسة الشخصية» وتسمى في عرف صناعة الأمن (Close Protection) من 1992 رخصة في عام 2004 إلى 6220 رخصة في العام الماضي. ويعني هذا الطلب وجود المزيد من المقيمين في لندن من شرق أوروبا والشرق الأوسط.

ويقول الوكيل العقاري غاري هيرشام إن معظم عقارات لندن التي تزيد في مساحتها على 10 آلاف قدم مربع تحتوي على غرف أمن يمكنها مراقبة عشرات الكاميرات، بينما يحتوي بعضها أيضا على غرف طوارئ ومخابئ آمنة، بعضها يختفي وراء رفوف كتب في مكتبة المنزل أو مرايا متحركة في غرف النوم.

وتمتد مخاوف الأمن في لندن إلى أبعد من الحراسة الشخصية إلى تأمين العقار نفسه خصوصا في حالات ترك العقار شاغرا لفترات طويلة من الوقت مما يزيد من أخطار السرقة أو احتلال العقار. ولذلك فمن المهم ترك العقار تحت الحراسة الدائمة حتى في حالات غياب أصحاب العقار عنه.

من الجوانب الأمنية الأخرى التي يزداد الطلب عليها في الآونة الأخيرة إمكانية مراقبة العقارات عن بعد من أصحاب العقار عبر الإنترنت من أي مكان في العالم. وطلب مالك عقار سوبر في لندن من شركة الأمن أن توفر له توصيل الفيديو إلى يخته في البحر الكاريبي حتى يمكنه مشاهدة العقار وقتما أراد. وتقول الخبيرة الأمنية هيتا شاه من شركة «ريسدنس كوليكشن» إن مسألة تأمين العقارات في القطاعين الفاخر والسوبر لم تعد مسألة اختيارية وإنما حتمية. فالمشترون في هذا القطاع يقضون وقتا طويلا بعيدا عن عقاراتهم ويرغبون في تأمينها في كل الأوقات.

وتعمل شركات متخصصة في الوقت الحاضر في تأمين عقارات لندن من خطر الاحتلال، خصوصا من عصابات تأتي من شرق أوروبا وتستغل ثغرات في القانون البريطاني من أجل ابتزاز أصحاب العقارات الفاخرة باحتلالها أثناء غيابهم. أحد خبراء الحماية في هذا المجال، كريس هارتلي يقول إن شركته تستخدم أعضاء الجيش والشرطة البريطانية السابقين وإنها تتوسع في نشاطها في القطاع العقاري الذي يضم عقارات من فئة 50 مليون إسترليني وهبوطا حتى فئة خمسة ملايين إسترليني.

ويهتم أصحاب العقارات في القطاع الفاخر بتأمين محتويات هذه العقارات أثناء غيابهم بتخزينها في غرف آمنة داخل العقار نفسه وتعزيز الحراسة عليها. ويعتقد الخبير العقاري تريفور ابرامسون أن عقارات هذا القطاع يجب أن تحتوي على غرف أمن وطوارئ خاصة بها، وهو ينصح أصحاب العقارات في هذا القطاع بتركيب مثل هذه الغرف وإلا فإنهم سوف يجدون صعوبة في بيعها فيما بعد. وهو يضيف أن بعض المشترين في هذا القطاع يفضلون عقارات تحميها كاميرات الأشعة تحت الحمراء من داخل العقار وخارجه بالإضافة إلى حماية من حراس متخصصين على مدار الساعة. وتضاف هذه الإجراءات في العادة إلى نظام إنذار يرتبط مباشرة بالشرطة البريطانية.

وتنتشر في حدائق هذه العقارات أنظمة مراقبة ودوريات حراسة بالكلاب أو أنظمة تصدر أصوات كلاب لردع أي محاولة دخول إلى الحدائق. ويمكن للحراس التحدث مع أي شخص عن بعد عبر أدوات تحذير لاسلكية، وإذا لم يرتدع الشخص المتعدي على العقار يتم استدعاء الشرطة. ويعتقد معظم الأثرياء أن الشرطة وحدها لا تكفي لحماية العقار ولذلك يلجأون إلى هذه الإجراءات الإضافية.

ولا تقتصر إجراءات الأمن على عقارات لندن بل تمتد إلى القصور الريفية أيضا. ويشير فيليب ايدل من شركة «سافيلز» إلى طلب متزايد من أصحاب القصور الريفية على فرق أمن لإجراء مسح ميداني على قصورهم وفحص كافة المداخل من أجل تأمينها ضد الاختراق. كما يرغب بعض أصحاب العقارات أيضا في مسح العقار وتنظيفه من أي أدوات تجسس أو كاميرات أو ميكروفونات مزروعة فيه. وتعكس هذه الإجراءات في العادة مدى قيمة المقتنيات التي يحتفظ بها صاحب العقار في عقاره سواء كانت لوحات فنية أو أغراض ثمينة أخرى.

وربما كانت مفارقة أن عقارات الأثرياء لا تشيع الدفء العائلي الذي توفره العقارات العادية التي لا تحتاج إلى حراسة. ولكن مثلما أن الفخامة تأتي بتكلفة كبيرة، كذلك تحتاج الفخامة إلى حراسة قد لا تقل في تكاليفها عن تكاليف العقار نفسه.

الطلب يزداد على عقارات القطاع السوبر في لندن > قالت شركات عقار لندنية إن الطلب على العقارات التي يزيد ثمنها على عشرة ملايين إسترليني زاد بنسب ملحوظة منذ بداية هذا العام بعد تأكيد حي المال أن الاقتصاد البريطاني لن يعود إلى موجة كساد ثانية. وقال تيم ريان رئيس فرع كنسغنتون في شركة «نايت فرانك» العقارية إن لندن شهدت منذ بداية هذا العام المزيد من الاستفسارات التي أسفرت عن عقد الكثير من الصفقات.

ويضيف بحث ميداني من شركة «سافيلز» العقارية أن عقارات قيمتها 1.1 مليار إسترليني في القطاع الذي تزيد فيه الأسعار عن عشرة ملايين إسترليني بيعت خلال التسعة أشهر الأخيرة في لندن. وأشار تقرير الشركة أيضا إلى تأثير موجة الشراء الأجنبية على رفع معدلات الأسعار في لندن.

ولاحظت بعض شركات العقار اللندنية زيادة الإقبال على القصور الريفية البريطانية هذا العام بعد ارتفاع عقارات لندن إلى معدلات قياسية. وزاد هذا الطلب من أسعار القصور الريفية، كما زادت صعوبة الحصول على المواصفات التي يطلبها عملاء هذا القطاع. وأشارت العديد من شركات شراء العقار إلى أنها تجد مطالب المشترين صعبة التحقيق في الكثير من الأحيان. فمنهم من يطلب شراء عقارات مجاورة لبقية أفراد الأسرة، مثل الآباء أو الأقارب، ومنهم من يلتزم بمعايير معينة مثل اشتراط حمامات سباحة بمساحات كبيرة أو تجديد شامل لداخل العقار بكافة المعايير الحديثة.

ويخشى أصحاب القصور الريفية ظاهرة احتلال العقارات من المشردين. وأحيانا يتم هذا الاحتلال أثناء إجراءات الشراء، وفي هذه الحالات يتم اللجوء إلى المحكمة أو الاستعانة بالشرطة. وبدأت العديد من الدول الغربية في التشدد في معاقبة مرتكبي مخالفات احتلال العقار وإصدار قوانين تتيح سجن هؤلاء، خصوصا بعد انتشار الظاهرة من فئات المهاجرين غير الشرعيين.