المستثمرون يفضلون مكة المكرمة لإنشاءاتهم العقارية

جذبت معظم المشاريع الفندقية.. وسعر «الأمتار المقدسة» في ارتفاع متواصل

مناطق جديدة دخلت حيز الاستثمار الفندقي في العاصمة المقدسة
TT

دفعت العائدات المالية لإيرادات الفنادق في العاصمة المقدسة نحو اتساع دائرة الخريطة الفندقية للاستثمار وانتشارها عبر مناطق جديدة تدخل لأول مرة في قائمة الاستثمارات العقارية المتميزة.

وأدى اتساع الخريطة الفندقية الجديدة في مكة المكرمة إلى تحريك أسعار العقارات بشكل كبير لترتفع بنسبة 60 في المائة دفعة واحدة، في الـ3 سنوات الأخيرة نتيجة الاستثمار العقاري الأمثل والعائدات الفندقية المرتفعة.

وأوضح فاهد العدواني، أحد المستثمرين الفندقيين في منطقة النورية، شمال العاصمة المقدسة، لـ«الشرق الأوسط»، أن خط الحرم الفاصل بعثر الخريطة العقارية بالكامل، وسجل فارق السعر بين الأمتار المقدسة عن غيرها أكثر من 60 في المائة، وهي نسبة كبيرة، حيث سجلت مكة المكرمة إقبالا كبيرا ومتزايدا في الفترة الأخيرة، نظرا لارتباط تلك الجغرافيا المقدسة - على حد وصفه - بالأجر العظيم والكبير الذي سيجده المصلون في صلواتهم داخل نطاق الحرم المكي عن خارجه.

وقال العدواني: «يبلغ نصف قطر دائرة الحرم المكي 87552 كيلومترا من كل جهة من جهات مكة المكرمة، ومركز هذه الدائرة الكعبة المشرفة، وحدود هذا الحرم هي: شمالا من جهة المدينة المنورة المكان الذي يسمى التنعيم أو مسجد العمرة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو 7 كيلومترات، وغربا من جهة جدة عند المكان الذي يسمى العلمين أو الحديبية، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بـ18 كيلومترا، وشرقا من جهة نجد عند المكان الذي يسمى الجعرانة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام 14.5 كيلومتر تقريبا، وجنوبا من جهة عرفة عند نمرة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو 20 كيلومترا».

وبين الخبير الاستثماري أن معظم الهجرات السكانية إلى مكة المكرمة، هي من أجل الحصول على امتيازات دينية لا تحظى بها مدن سعودية أخرى، ناهيك بمرور العاصمة المقدسة بموسمين يتعاظم فيهما الأجر والثواب، وهما العمرة والحج، وكلاهما يحفز أعدادا كبيرة للنزوح، والقادم إلى مكة المكرمة، في حال سكن في خارج نطاق الحرم، فإن ذلك فعليا لا يعني انتقاله إلى مكة المكرمة، لذلك خرجت فكرة زيادة الأدوار بشكل عمودي.

وحول تلك الزيادة تحدث فيصل الشريف، صاحب مكتب عقار في «الحسينية» جنوب غربي العاصمة المقدسة، قائلا: «إن تشريع نظام الارتفاع في الأدوار العلوية سوف يعيد التوازن للسوق العقارية في مكة المكرمة، ويكبح جماح هذه الارتفاعات المتواصلة، التي انطلقت مع دق أول حجر في تلك المشاريع التنموية التي تنفذ في المنطقة المركزية للمسجد الحرام».

وأشار إلى أن تلك الارتفاعات بدأت قوية، ولم تتأثر بالعوامل الطبيعية؛ مثل كوارث السيول التي ضربت منطقة جدة المجاورة للعاصمة المقدسة، بل على العكس واصلت الارتفاع في الأسعار حتى هذا الوقت. وطالب كثير من الأهالي بالسماح لهم ببناء أدوار علوية، وذلك بهدف الاستثمار، أو استيعاب التوسع العائلي لديهم، لضمان البقاء داخل الأمتار المقدسة، لكونهم لا يستطيعون تحمل تبعات بناء مساكن جديدة وعلى أراض جديدة أخرى، وذلك للارتفاع الكبير في أسعار الأراضي، بينما يفضلون بناء أدوار إضافية في سكناهم، لا تكلفهم سوى اليسير من المال، تعينهم في احتوائهم، أو الاستثمار الأمثل، خصوصا أن هناك هجرة كبيرة من قبل مواطني مكة الذي كانوا يقطنون داخل المنطقة المركزية للمسجد الحرام.

وعلق الشريف على تفضيل السكان للمناطق التي يتعاظم فيها الأجر، بأنه مطلب طبيعي ويؤثر بشكل مباشر في انخفاض بقية المخططات التي لا تحمل سمة داخل الحرم، على الرغم من جنوح كثير من المستثمرين إليها، وهي تلعب بالتأكيد دورا كبيرا في سد احتياجات ذوي الدخل المحدود، حيث تلعب أسعار الأمتار خارج نطاق الحرم دورا متوازنا.

وزاد الشريف: «بحسب التقديرات الأخيرة فإن حجم الاستثمار في مكة المكرمة ازداد إلى 750 مليار ريال (200 مليار دولار)، وهو رقم مرشح للارتفاع بازدياد حجم الأعمال والاستثمارات التي يعلن عنها بين الحين والآخر، والتي تطرح بشكل دوري ولا تتأثر بمواسم العقار، لدرجة أن مكة المكرمة من أفضل المدن السعودية في التداول العقاري طوال السنة».

وقال الشريف إنه خلال الفترة الماضية تم طرح عدد من المشاريع العقارية في مكة المكرمة منها جبل خندمة الواقع على الناحية الشرقية من الحرم المكي الشريف، ومشروع جبل عمر، بالإضافة إلى مشروع الشامية الذي يعتبر أكبر المشاريع العقارية والإنشائية، والذي يقع شمال الحرم المكي الشريف.. كل هذه تقع داخل الحرم المكي، وتسببت في رفع أسعار العقارات بدرجات كبيرة.

من جهته، أكد الدكتور فعد العيسى، أحد الممولين العقاريين في العاصمة المقدسة أن ظاهرة تباين أسعار الأمتار المقدسة عن غيرها هي ظاهرة حقيقية وموجودة، وتظهر ملامحها جلية في لعبة الأرقام والحسابات، من وإلى المنطقة المركزية، من خلال اختلاف أبعادها وأنماطها وجغرافيتها، لأن الفارق كبير بالنسبة للحدود الشرعية، وهذه الحدود أوجدها الله سبحانه وتعالى، من خلال أنبيائه على امتداد التاريخ، لكن باختلاف الأزمان تباينت أسعار الأمتار العقارية المقدسة بشكل واضح وجلي.

وأضاف العيسى، أنه بطبيعة الحال فإن التوسع العمراني داخل المدينتين المقدستين جعل المساحة بأكملها الآن مشغولة، فميزة أفضلية الصلاة في مكة المكرمة والمقدرة بمائة ألف صلاة، والمدينة المنورة تقدر الصلاة فيها بألف صلاة، بينما عندما يتم البعد عن منطقة الحرمين الشريفين يكون أجر الصلاة مثل أجر بالصلاة العادية أسوة بأي مكان في العالم.. هذه الميزة من الأسباب التي دعت إلى ارتفاع أسعار المناطق المجاورة للحرمين الشريفين بشكل كبير وملحوظ، وهذا أمر إيجابي للمنطقة، وإيجابي لسكان المنطقة، لأن عقاراتهم أصبحت مميزة، وذات دخل كبير، بسبب وجودها داخل محيط الحرمين الشريفين، وهذا أمر اقتصادي جيد، لا سيما أن المساحة التي يتم التحدث عنها هي مساحة كبيرة وضخمة.

من جهته، قال منصور السعيد، أحد المطورين العقاريين إن الحدود الشرعية داخل الحرم لا تقدر بثمن، والسبب ديني بحت، كون الصلاة فيها بأكثر من 100 ألف صلاة، وهذا ما ميزها عن غيرها من المناطق الأخرى، وتسبب بالتالي في ارتفاع سعر المتر الواحد فيها. أما في ما يتعلق بالمنطقة المركزية للحرم فهذه تقدر فيها العقارات بحسب قربها وبعدها عن الطرق الرئيسية في المنطقة المركزية، بالإضافة إلى نسب البناء فيها، فكلما كانت نسب البناء عالية كانت أسعارها عالية جدا.

وأضاف أن الحدود الشرعية لمكة المكرمة تتمثل في مدخل نجد من ناحية الشرق من مكة، ومدخل الشميسي من ناحية الغرب، والجهة الجنوبية من مدخل الحسينية، والجنوب الشرقي من جهة الطائف، ومنطقة التنعيم من جهة المدينة.

وعن التبادل التجاري العقاري داخل الأمتار المقدسة مقارنة بخارجها قال السعيد: «هناك فارق ملموس في كل الأحوال، لكن هناك مخططات خارج الأمتار المقدسة بينما لو اكتملت من جميع النواحي التي تسمح بالسكن فسوف تكون ذات قيمة عقارية كبيرة، لكنها في كل الأحوال لا تقارن بأسعار الأمتار المقدسة».