الكوبيون يعيدون بناء سوق العقارات بعد فتح التملك الحر

وسط إقبال أجنبي كثيف على شراء شقق هافانا

جانب من عقارات هافانا
TT

تعلم الأستاذة الجامعية أنها جديرة بالحصول على شقة صغيرة في موقع متميز في هافانا القديمة، تقدم إليها من الحكومة بإيجار زهيد للغاية.

لكنها وهي تعرض الشقة الصغيرة المكونة من غرفتين على أحد الضيوف سألته «هل تريد شراءها؟».

منذ بداية الثورة في أواخر الخمسينات كان تبادل المنازل، الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها للسكان تغيير محل إقامتهم. فكل العقارات مملوكة للحكومة وكان بيعها بشكل شخصي محظورا. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي تم تعديل القانون، ليمنح السكان الحق في شراء العقارات، مع قصر ملكيتهم على منزل واحد في المدينة وآخر في منطقة ريفية أو ساحلية لقضاء العطلات.

ومنذ تغيير قوانين الإسكان ارتفعت معدلات بيع العقارات، وأوردت صحيفة «غرانما»، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي في مارس (آذار) تقريرا عن إجراء 2.730 عملية بيع في الربع الأول من العام الحالي إضافة إلى تسجيل 10.660 تحويلا ماليا لتقنيين الإجراءات السابقة. وتميل الأسعار في كوبا إلى الانخفاض قليلا، عنها في أماكن أخرى في جزر الكاريبي، على الرغم من توقعات البائعين في بعض الأحيان الحصول على أموال إضافية غير مسجلة لتجنب الضرائب. وعادة ما تبدأ أسعار الشقق الأساسية بـ15.000 بيزو قابل للتحويل (ما يوازي 15.000 دولار) لكنها غالبا ما تكون ذات نوعية رديئة وفي أماكن غير مرغوب فيها.

فالشقق السكنية المكونة من غرفة واحدة التي تحتاج إلى إعادة تجديدها عادة ما تبدأ أسعارها من 30.000 بيزو. وتتكلف الشقق الأكثر ملائمة للعيش، التي تحتوي على غرفة أو اثنتين 50.000 بيزو، والمنزل المكون من ثلاث إلى أربع غرف يبدأ سعره من 80.000 بيزو، بناء على مكانه. وتقدم أحياء المدينة في هافانا مثل فيدادو، وهافانا القديمة، وضواحي ميرامار، وبلايا، معايير أكثر للراحة من المناطق الأكثر فقرا مثل سنترو، هافانا، وتشيرو.

بيد أن المشترين يشكون من عدم وجود مقاييس للأسعار، فيقول مالك مطعم شعبي، طلب - مثله مثل كثيرين ممن أجريت معهم مقابلات - عدم ذكر اسمه خشية التعرض للعقاب من الحكومة: «لم يكن لدينا سوق للعقارات في كوبا من قبل، لذا لا أحد يعلم قيمة المنازل الحقيقية. ربما تزور منزلين متطابقين وتواجه بسعرين مختلفين».

وأشار إلى أن بعض مالكي المنازل يطلبون الحصول على ثمن المنازل باليورو أو الدولار وأن هناك بعض التقييمات غير الواقعية بشأن قيمة ممتلكاتهم، الأمر الذي يواجهه هو وأصدقاؤه خلال محاولتهم العثور على مبنى في فيدادو يمكن تحويله إلى شقق سكنية.

من ناحية أخرى لا تزال الشركات الخاصة تواجه قيودا كبيرة، كما يجني العمال راتبا شهريا يوازي 20 بيزو قابل للتحويل شهريا، حددته الحكومة، ولذا فحتى العقارات الرخيصة بعيدة عن متناول كثيرين. أما من يقومون بالشراء فعادة ما يستخدمون الأموال التي تلقوها بصورة شرعية من أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم خارج البلاد.

ويستطيع الأجانب المقيمون بشكل دائم في كوبا شراء العقارات مثل باقي المواطنين، لكنهم عادة ما يواجهون بأسعار أعلى، في الوقت الذي يلتزم فيه الأجانب الذين لا يعيشون على الجزيرة بشقق معينة. ويجب عليهم أيضا أن يستخدموا شركات مسجلة لعمليات الشراء، على الرغم من أن هذه العمليات لا تخضع لمعيار الضريبة التي تقدر بنسبة 4 في المائة على العقارات السكنية.

يسمح لجميع المشترين الأجانب بامتلاك سيارة واحدة لكل عقار وبإمكانهم استيراد حاوية شحن محملة بالبضائع والأثاث للاستخدام الشخصي خالية من الرسوم.

إتاحة منازل العطلات الشبيهة بالمنتجعات أمام الأجانب، كان متوقعا منذ تقنين الحكومة ملكية الأراضي المستأجرة للشركات الأجنبية نهاية العام الماضي. وكانت شركات التطوير العقاري تعمل في كثير من المشاريع مدعومة من مستثمرين كنديين وأوروبيين، على الرغم من عدم حصولها بعد على إذن بالبدء في عمليات الإنشاء.

وحتى الوقت الراهن على الأقل، لا تزال ثروة هافانا من العقارات التاريخية المتداعية التي تعود إلى القرن السابع عشر وتضم مزيجا انتقائيا من الحقبة الاستعمارية الإسبانية وعقارات تعود إلى حقبة العشرينات والخمسينات من القرن الماضي عصية على المشترين الأجانب، على الرغم من إمكانية الحصول على عقود لترميمها لاستغلالها في أغراض تجارية بإذن من الحكومة.

هناك إجماع عام في كوبا على أن العثور على عقارات يشكل صعوبة بالنسبة للجميع، ويجب أن يتم شفاهة، فالتعامل عبر سماسرة العقارات أو الإعلان عن العقار للبيع يعتبر مخالفا للقانون، على الرغم من إعلان الجميع عن عقاراتهم للبيع تحت أسماء مستعارة على مواقع الإنترنت مثل «ريفوليكو» أو يضعون لافته «للبيع» خارج منزلهم.

ويقول صاحب المطعم إن اللافتات بدأت في الظهور قبل خمسة أو ستة أشهر. وهي الآن منتشرة في كل مكان. إنه تغيير كبير بالنسبة للأفراد الذين نشأوا على الاعتقاد بأن كل العقارات يجب أن تكون خاضعة للمشاركة وأن الملكية الخاصة أمر خاطئ.

ويشير أحد وكلاء العقارات في هافانا، يمثل مستثمرين كوبيين ودوليين - لكن لأن طبيعة عمله غير قانونية فهو يعمل فقط من خلال توصيات شخصية - إلى أن المشترين الوافدين من الخارج غير المقيمين ينبغي أن يتوقعوا أن يدفعوا أقل عن 125.000 بيزو قابل للتحويل لشقة بغرفة واحدة تبلغ مساحتها 65 مترا مربعا أو 700 قدم مربع، في مبنى جيد، يحتوى على حمام سباحة عام وصالة ألعاب رياضية. ويقول المالك الأوروبي لشقة مكونة من أربع غرف في مبنى الأطلسي، على قطاع «ماليكون» الشهير على شاطئ البحر، إن شقته معروضة للبيع، على الرغم من أنها غير معروضة بشكل رسمي في السوق، بحسب الوكيل. تضم الشقة شرفة علوية خاصة بحمام سباحة، وقال الوكيل إنه يبحث عن عروض لشرائها بـ3.7 مليون بيزو قابل للتحويل. يعتبر الأجانب عماد سوق العقارات في كوبا، فتقول مستشارة تصميم، كوبية المولد تعيش عائلتها في هافانا، إنها قضت العشرين عاما الماضية تعمل في بريطانيا وأنتيغوا بإذن من الحكومة، وقد قررت الآن شراء أول منزل لها في كوبا.

وقالت: «أنا أشتري عقارا في هافانا ليكون استثمارا ومقرا للإجازات». على الرغم من رغبتها في عدم الإفصاح عن نفسها أو المبلغ التي تود أن تنفقه، قالت إنها ترى إمكانية امتلاك شقتها الخاصة. وقالت: «أنا أدرس إيجارها على المدى الطويل إلى مستأجر مناسب، مثل أجنبي يعمل في شركة أجنبية في كوبا».

وأشارت أيضا إلى أنها تقدر ما تمثله خطوة الملكية الخاصة الكبيرة بالنسبة للسكان الكوبيين، مشيرة إلى أنهم اعتادوا المجازفة بخسارة منازلهم إذا ما اكتشفت الحكومة أنهم يتبادلون السكن أو يقدمون أموالا بصورة غير شرعية إلى المحامين أو السماسرة.

لا يزال السوق حديثا للغاية بحيث يصعب التنبؤ معه بالأسعار المستقبلية. لكن جوني كونسيدين، مديرة التسويق في شركة إسنتشيا إكبريتنسيز، وكيل شركة سياحية كوبية يؤجر الفيلات الخاصة، قال إنه يعتقد أن احتمالات الإيجارات تمثل عاملا أساسيا في الاستثمار الجيد في العقارات الكوبية.

وقال: «هناك قصور في الفنادق الراقية في كوبا، والإيجارات في السابق كانت مقيدة من قبل الحكومة بحد أقصى غرفتين في منزل خاص يعيش فيه المالك. الآن هناك فرصة لاستئجار منزل راق بما في ذلك فيلا كاملة».

يشهد قطاع السياحة في كوبا ارتفاعا، حيث بلغ معدل السائحين 1.24 مليون زائر تم تسجيلهم في الربع الأول من عام 2012. وتصل العائدات على الشقق المكونة من غرفة واحدة من 50 إلى 100 بيزو قابل للتحويل في الليلة، اعتمادا على الموقع وحالة العقار. وقال كونسيدن إن «العقارات الفاخرة التي تضم حمام سباحة وموقعا يطل على الماء وغرفتي نوم أو أكثر قد تتراوح أسعارها ما بين 400 إلى 1.400 بيزو قابل للتحويل في الليلة».

لكن على الرغم من أن السوق الكوبية تبدو منفتحة، لا يشعر كثيرون بالثقة بشأن التغييرات، ويقول صاحب المطعم: «اليوم يمكننا شراء وبيع العقارات، لكن كثيرا من الأفراد لا يزالون يشعرون بغياب الأمن في تملك العقارات. فالقوانين في كوبا قد تتغير من يوم إلى آخر».

* خدمة «نيويورك تايمز»