جاذبية شواطئ بروكلين تطغى على أحياء نيويورك

الأثرياء الروس حولوا بعض المساكن إلى قصور

TT

أول ما يجول بخاطر الدكتور جاك ريسنيك عندما يفكر في فصل الصيف هو «برايتون بيتش»، وهو الواجهة البحرية العريضة لبروكلين التي تقع إلى الجنوب مباشرة من خليج شيبشيد. ولد ريسنيك عام 1946 في مخيم للنازحين في ألمانيا، حيث تمكن والداه، وهما من يهود أوروبا الشرقية، من النجاة بحياتهما من الحرب العالمية الثانية عن طريق الاختباء. سافرت عائلة ريسنيك إلى الولايات المتحدة الأميركية عندما كان في الثالثة من عمره، وعاشت طيلة فترة بقائها في البلاد في الكثير من أحياء بروكلين، باستثناء بضع سنين عاشتها في بالتيمور. وتجتذب بروكلين منذ مدة الأثرياء الروس الذين يستثمرون بكثافة ويبنون القصور على شواطئها، خاصة «برايتون بيتش».

يعيش ريسنيك وزوجته فيشر، اللذان تزوجا في عام 2001، في شقة تتكون من ثلاث غرف نوم وتقع في شارع «ويست اند أفينيو». وخلال الأعوام التي قضياها معا، قام الزوجان بالسفر مرارا إلى أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. لكن التردد الكثير على المنازل الصيفية أثبت أنه باهظ التكلفة ومضيعة للوقت في آن واحد، غير أن ريسنيك يشعر كما لو أن هناك شيئا ما يدفعه نحو العودة إلى جنوب بروكلين.

يقوم الزوجان في بعض الأحيان باستقلال مترو الأنفاق إلى «برايتون بيتش»، حيث يقومان بالمشي على طول الممر. تقول فيشر «الأمر بالنسبة لي غريب نوعا ما، حيث إنني ولدت وتربيت في مانهاتن ولم أذهب طيلة حياتي إلى بروكلين». ومع ذلك، كانت فكرة شراء منزل يطل على البحر في بروكلين لقضاء العطلة الصيفية به تسيطر على عقل الزوجين. وفي خريف عام 2010 قام الزوجان بشراء شقة مكونة من حجرتي نوم في الطابق الخامس في شارع «كوربن بليس» مقابل 485.000 دولار. ويطل المبنى، الذي تم تشييده عام 1941، على الشاطئ مباشرة، ولا يفصل الباب الخلفي للمبنى عن الشاطئ سوى بضع خطوات قليلة.

وبالنسبة للدكتور ريسنيك فإن هذه التجربة تذكره بالأيام الخوالي، في حين أن زوجته فيشر - المعروفة بين أصدقائها باسم باربسي - لا تزال مندهشة من القرار الذي اتخذته هي وزوجها، وتقول «لم أكن أتخيل مطلقا أن أقوم بهذا بنفسي، لكن جاكي رجل بلا طموح اجتماعي، ولا يدرك إلى أي مدى سيكون تأثير هذه الخطوة، لكنه لا يهتم بذلك على أي حال».

وعلى الرغم من أن الزوجين يقضيان عطلة نهاية الأسبوع في تلك الشقة منذ الصيف الماضي، فإنهما لم يشرعا في تجديدها سوى خلال الربيع الحالي، حيث قاما بإزالة مشمع الأرضية القديم، وفتحا المطبخ وقاما بتجهيزه بكونترتوب من الغرانيت، كما قاما بتجديد بلاط الأرضية.

ويختلف الديكور الموجود في تلك الشقة اختلافا كبيرا عن الديكور الموجود في شقتهما في الجانب الغربي العلوي، حيث تكتسي الشقة بألوان أنيقة وتضم مفروشات فرنسية، وما زال المكان بانتظار اللمسات النهائية مثل اللوح الفنية وأرفف الكتب، لكن لون الجدران الأبيض النقي والمفروشات المتواضعة جعلا شقة بروكلين تبدو وكأنها مجرد كوخ على الشاطئ.

كل ما عليك هو أن تغمض عينيك وتأخذ نفسا عميقا، وسوف تشعر بأنك على الشاطئ في نيو إنغلاند، حيث يمكنك سماع هدير الأمواج واستنشاق الهواء المنعش. وحتى في الأيام شديدة الحرارة، يمكنك الاستمتاع بنسمات الهواء اللطيف التي تدخل إلى نوافذ الشقة المطلة على البحر. وعلاوة على ذلك، يدخل ضوء الشمس من النوافذ لكي يضيئها بشكل طبيعي رائع. وعن ذلك يقول ريسنيك «سوف تشعر براحة كبيرة بمجرد أن تدخل الشقة».

ولا تختلف هذه الشقة كثيرا عن الشقق المجاورة لها، حيث أصبح هذا المكان خلال العقود الأخيرة بمثابة قبلة للمهاجرين الروس الذين يقومون ببناء القصور التي تحتوي على سلالم حلزونية مذهبة. وفي هذا المكان الذي يصفه البعض باسم أوديسا الصغيرة يمكنك سماع اللغة الروسية في الشارع، وحتى مطاعم البيتزا مكتوب عليها كلمات باللغة السيريالية.

ويستمتع الزوجان بالمؤسسات المحلية المنتشرة مثل المحلات الروسية لبيع الخضراوات والفاكهة والمخابز وسلسلة المطاعم ذات الطابع العرقي. وخلال العام الماضي، احتفل الزوجان بعيد ميلادهما الخامس والستين في حفل ضم 60 صديقا من أصدقائهما في مطعم «تيتيانا» الروسي الشهير. وأقيم الحفل على ممشى خشبي على الشاطئ، مع عرض مسرحي وملابس مزينة بالريش والترتر. وقالت فيشر «كنا نشعر وكأننا في لاس فيغاس. إنه شيء غريب حقا».

ومع ذلك، يقضي الزوجان جل وقتهما في هدوء، حيث يقومان بممارسة السباحة أو الجلوس على الشاطئ. وفي المساء، يشاهدان العديد من الروس الذين يسحبون كلابهم ويتمشون على طول الممر، وهو ما يجعلك تشعر وكأنك في إحدى المدن الأوروبية أو الأميركية اللاتينية. وتعود الزوجان على ردود الفعل المهذبة، والمشكوك فيها في كثير من الأحيان، من قبل أصدقائهما.

وقالت فيشر «أول رد الفعل هو الإنكار. إنهم لا يقولون لنا (هل أنتما مجنونان؟)، لكنهم يقولون (لقد أصبحتما صاحبي مكان على شاطئ برايتون، وهو شيء رائع في حقيقة الأمر. ربما نبيع مكاننا وننتقل إلى هناك).. لكننا نعلم أنهم لن يقوموا بذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»