تركيا تبني أعلى برج في قلب الحي التجاري بإسطنبول

يخصص للشقق الفاخرة والمكاتب

TT

بدأت أعمال البناء والتشييد في برج «متروبول إسطنبول» الذي يقع في قلب الحي المالي بالعاصمة التجارية لتركيا التي تربط بين قارتي آسيا وأوروبا. وعلى الرغم من أن البرج يقع في حي اتاسهير الذي يتبع الجزء الآسيوي من المدينة، فإن الدعاية التركية تصوره على أنه سوف يكون أعلى برج في أوروبا يتخطى في ارتفاعه برج «شارد» في لندن الذي يمتد بارتفاع 310 أمتار ويحتل حاليا لقب أعلى برج في أوروبا. ولم تقرر بعد مجموعة الشركات العاملة على المشروع الهائل الارتفاع النهائي للبرج، وإن كان تصميمه يسمح بارتفاع يصل إلى 400 متر. ولكن البرج لن يطال ارتفاع «برج خليفة» في دبي الذي يصل إلى 829 مترا ويظل أعلى برج في العالم.

وسوف يخصص البرج للاستخدام المختلط بين الشقق الفاخرة والمكاتب، وتقول أكبر شركتين تركيتين في المشروع، «فارياب» و«جاب انسات»، إن البرج الجديد سوف يكون أحد معالم تركيا المعمارية ويعكس طموحات تركيا التي تتطلع لأن تصبح إحدى القوى الاقتصادية المؤثرة في العالم.

ويقع البرج في منطقة فقيرة نسبيا تشبه إلى حد كبير منطقة شرق لندن. ويتوسط البرج الحي المالي الجديد الذي أنشأته الحكومة التركية ومنحته العديد من الامتيازات لكي تنهض بحي اتاسهير. وشجعت الحكومة إقامة البرج في هذا الحي من أجل إبراز إمكانات الحي المالي الجديد في إسطنبول، خصوصا بعد دراسة جدوى من مؤسسة «ديلويت» لصالح هيئة البنوك التركية جاء فيها أن المتوقع أن تحقق إسطنبول مكانة مالية متقدمة قبل موسكو وأن تدخل في عداد أكبر خمسة مراكز مالية عالمية في عام 2035. وسوف تكون المراكز الأربعة الأخرى هي لندن ونيويورك وشنغهاي وطوكيو.

ويضيف البرج الجديد معلما آخر في أفق إسطنبول التي شهدت بناء 12 ناطحة سحاب فيها منذ عام 2000. وكانت معظم هذه الأبراج في القسم الأوروبي من المدينة، حول الحي المالي القديم المسمى «ليفينت». وتقدم شركة استشارية أسترالية دراسة حول تحصين البرج ضد الزلازل، حيث تقع إسطنبول على خط زلازل غير مستقر مع فرصة كبيرة لوقوع زلزال مدمر قبل عام 2030.

وسوف يكتمل المشروع في النصف الثاني من عام 2014 ويفتتح للاستخدام خلال عام 2015. ومن المتوقع أن يوفر المشروع وظائف مباشرة لنحو 1500 موظف وغير مباشرة لنحو 2500 آخرين. أما حي اتاسهير، فهو يوفر مساكن جديدة لنحو 80 ألفا من أصحاب المداخيل المالية العالية، في 18 ألف شقة معظمها يقع في أبراج سكنية.

وحتى هذا العام، كان أبرز عقار في إسطنبول على الجانب الأوروبي هو «ابهيل كورت» الذي اكتمل في عام 2005 بوصفه برجا مزدوجا مكونا من 31 طابقا يربط بينهما ممر قرب القمة. ولكن حي اتاسهير يوفر موقعا ممتازا من حيث القرب من طريق المطار والطريق السريع الذي يربط إسطنبول بأنقرة.

ويدفع الانتعاش العقاري في إسطنبول الزيادة المضطردة في عدد سكانها خلال العقود الثلاثة الماضية. وخلال هذه الفترة وحتى عام 2010 قفز تعداد المدينة من 2.7 مليون نسمة إلى 13 مليون نسمة بسبب هجرة الأتراك الدائمة من المناطق الفقيرة إلى المدن.

وبفضل النمو الاقتصادي المتواصل في تركيا الذي لم يتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية، زاد الطلب على نوعية أفضل من العقار تلبي مطالب الطبقات المتوسطة والثرية في تركيا. ويزداد الطلب في إسطنبول على العقارات الفاخرة الحديثة التي توفر مستويات متقدمة من الاتصالات ولوازم الحياة العصرية. ويفضل الأتراك السكن في البنايات الحديثة بدلا من البيوت التقليدية.

وساهمت السياحة أيضا في تحسين مستويات الدخل والمعيشة في تركيا وبالتالي زيادة الطلب على العقار الفاخر. وسجلت تركيا في عام 2009 رقم 30 مليون سائح سوف يتضاعفون بنهاية العقد الحالي. وساهم عدم الاستقرار السياسي الحالي في بعض الدول العربية في شمال أفريقيا على زيادة نسب السياح في تركيا. وتقول إحصاءات وزارة السياحة التركية إن عدد السياح من المملكة العربية السعودية والكويت زاد بنسبة 75 في المائة هذا العام.

ويقول خبير العقار التركي المقيم في لندن كاميرون ديغينز إن تركيا بدأت للمرة الأولى في اجتذاب كبار الأثرياء العرب الذين كانوا حتى وقت قريب يركزون أنظارهم على المدن الغربية فقط. أما الآن، فإن إسطنبول تجذب الانتباه وتوفر القصور العثمانية لأثرياء عرب، وهي قصور تقع على خليج البوسفور وتتكلف ما بين 20 و30 مليون دولار.

وتقوم الشركات العاملة في مشروع «برج إسطنبول» الجديد بتسويقه عاليا، وتأمل في جذب شركات ومستثمرين من جميع أنحاء العالم لشراء حصص تصل إلى 40 في المائة من المساحات السكنية في البرج الجديد. وتقول شركة «فارياب» إن لها مشروعات أخرى في المنطقة وإنها نجحت في جذب مستثمرين أجانب لها من 20 دولة، منهم مستثمرون كبار من روسيا.

وتشمل خطط مشروع البرج الجديد إقامة مكاتب تجارية وشقق ذات خدمات متميزة وفندق و«سكاي لوبي» ومنطقة تسوق مساحتها 750 مترا. وتقام بجوار البرج عمارة سكنية تابعة يصل ارتفاعها إلى 40 مترا. وتصل المساحة الإجمالية للمشروع إلى نحو 750 ألف متر مربع، تباع بأسعار تبدأ من ثلاثة آلاف دولار للمتر الواحد. ولكن كل هذه التوقعات تعتمد على العديد من العوامل غير المعروفة بعد مثل استمرار نجاح إسطنبول في جذب الاستثمار الأجنبي وتوفير التمويل اللازم للمشروع.

ويرى مراقبون دوليون أن هناك العديد من العوامل الإيجابية والسلبية للاستثمار في إسطنبول. من العوامل الإيجابية موقع المدينة الاستراتيجي وتاريخها الحافل وآثارها الأخاذة التي تجتمع في مواقع متقاربة يمكن التجول بينها على الأقدام في غضون يوم واحد. أيضا تتمتع إسطنبول بمناخ معتدل ودافئ معظم شهور العام مما يجعلها جذابة خصوصا للمستثمرين من أوروبا الباردة. أما السلبيات بالنسبة لـ«برج متروبول إسطنبول» فهي الشراء في الجانب الهامشي من المدينة بناء على وعد تطوير هذا الحي في المستقبل، والشراء في مدينة مزدحمة بمستويات عالية من الضوضاء، وهو أمر لا يحبذه معظم المشترين لعقارات ثانية بغرض الإقامة فيها. هناك أيضا مسألة عضوية تركيا المعلقة في الاتحاد الأوروبي، حيث زاد الغموض بشأن هذه العضوية منذ بداية أزمة اليورو.

ومن المتوقع أن يبلغ ثمن الشقة المكونة من خمس غرف نوم في الطوابق العليا من «برج متروبول إسطنبول» نحو المليون ونصف المليون دولار. أما متوسط سعر الشقق في حي اتاسهير، فهو يبلغ نحو 150 ألف دولار لشقة صغيرة من غرفتين عمرها عشر سنوات.

ويبدو أن إسطنبول تحوز اهتمام رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي ولد ونشأ في إسطنبول وكان يتولى منصب عمدة المدينة قبل وصوله إلى رئاسة الوزراء. فهو ينوي بناء مطار ثالث وجسر جديد ويخطط لتوسيع شبكة المترو، كما يدعو لاستضافة أوليمبياد 2020 في المدينة. وهو يدرس أيضا مشروع قناة موازية لمضيق البوسفور تخصص لمرور ناقلات النفط. ويتكلف مشروع القناة وحده مبلغ 30 مليار دولار.

ويمر قطاع العقار التركي حاليا بمرحلة انتعاش ولكن وتيرة الانتعاش تتباطأ. وليس من المتوقع أن تنتهي هذه الموجة بصدمة كساد مفاجئة كما حدث في الدول الغربية، ولكن بمرحلة هبوط متدرج. وكانت تركيا قد مرت بأزمتها المالية في عام 2001 وتبعت ذلك موجة إصلاح للبنوك تمكنت معها تركيا من تخطي الأزمة المالية التي عمت الدول الغربية من دون الحاجة إلى عمليات إنقاذ للبنوك. وتبدو البنوك التركية حاليا في أفضل حالاتها مع استقرار ملحوظ لعملتها، الليرة.

ورغم توقعات الهبوط في نسبة النمو الاقتصادي، فإن المشروعات العقارية في المدينة تزداد بلا هوادة وفي كل القطاعات. وتبدو الإيجارات مستقرة وبعضها يتجه إلى الصعود. ويتوقع بعض المتعاملين في العقار في المدينة أن تزيد الإيجارات في العام المقبل نظرا لنقص العقارات الجيدة في المدينة، خصوصا عقارات المكاتب.

وتبدو أنظار مطوري العقار مركزة على الجانب الآسيوي من المدينة لوجود إمكانات التطوير، بينما يبدو أن الجانب الأوروبي قد وصل إلى حد التشبع. ومع ذلك، فإن أبرز المشروعات العقارية التي اكتملت هذا العام كان برج «سافاير» على الجانب الأوروبي من المدينة. وهو يعد حاليا أعلى مبنى عقاري في المدينة بارتفاع 54 طابقا. وكان أردوغان قد افتتح برج «سافاير» في شهر مارس (آذار) الماضي. وتهدف الحكومة التركية لوضع إسطنبول على الخارطة الدولية بوصفها أحد أكبر المراكز المالية في العالم بحلول عام 2023، وهو العام الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية الحديثة في تركيا. وتساهم الحكومة أيضا في الجهد العقاري في المدينة بترميم مشروع «قصر العدل»، وهو أحد المباني التاريخية في المدينة، وتبلغ مساحته نصف مساحة البنتاغون ويعد من أكبر المنشآت في تركيا.

وهناك بعض الغيوم التي تحجب التفاؤل في نسب النمو في المستقبل، منها ارتفاع أسعار الفائدة نسبيا، وإن كانت بعض المشروعات الجديدة توفر فرص تمويل بأقل من سعر الفائدة السائد، وتغيير في قانون ضرائب القيمة على بيع العقار، وكانت مستحقات هذه الضرائب تقتصر على أول خمس سنوات من شراء العقار، ولكن التعديلات الجديدة سوف تؤدي إلى فرضها بلا حد زمني أقصى.

ويمتد تاريخ إسطنبول إلى ما قبل الإمبراطورية الرومانية، وظلت عاصمة شرقية للرومان باسم القسطنطينية، ثم عاصمة الإمبراطورية العثمانية حتى عام 1923 حينما فقدت لقب العاصمة لأنقرة، وتتحول بعد ذلك إلى أكبر مدينة تجارية ومالية في تركيا. وهي تقع في مركز التقاء أوروبا بالشرق الأوسط، وتتطلع لأن تكون جسرا بين المنطقتين. وتتخذ بعض الشركات منها مقرا للانطلاق إلى منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا في المستقبل، خصوصا في قطاعات العقار والاستثمار والخدمات الصحية. وهناك العديد من الشركات التي تتخذ من المدنية مقرا إقليميا لها، على أساس أنها سوف تكون مفتاح الاستثمار في سوريا والعراق في المستقبل. من هذه الشركات «مايكروسوفت» و«كوكاكولا» و«جنرال إلكتريك» عبر فرع خدماتها الصحية.

وتوفر إسطنبول ربع الدخل القومي التركي، وتعمل الحكومة التركية على دعم إسطنبول بصفتها مركز جذب استثماري إقليميا عبر تسهيل السفر وإلغاء التأشيرات مع معظم الدول المحيطة سواء في الشرق الأوسط أو في آسيا، ودعم شبكة طيران مباشر من إسطنبول إلى معظم الدول الإقليمية بحيث لا يزيد زمن الطيران على أربع ساعات. وتستفيد المدينة أيضا من عمق السوق المحلية التي تضم 70 مليون نسمة.

ورغم الازدحام وخطر الزلازل، فإن إسطنبول تعيش طموحات التوسع والمنافسة العالمية عقارية واقتصاديا وماليا. وقد نجحت في ذلك عبر عشرين قرنا من الزمان، ويبدو أن نجاحها سوف يستمر في المستقبل رغم المخاطر المحيطة بها.