الأزمة المالية «تقلب» معادلة سوق العقار البريطاني

على غرار أوروبا.. التأجير يتجه ليكون النمط السائد بدل التملك

مساكن معروضة للإيجار في لندن («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تسعى الحكومة البريطانية إلى دعم قطاع بناء المساكن في المملكة المتحدة، الذي يشهد تراجعا ملحوظا، وبينما تعرف سوق العقار البريطاني عموما تباطؤا، يدور نقاش محتدم في البلاد حول «هوس» البريطانيين بتملك المساكن. ويبلغ هوس البريطانيين، وخصوصا الإنجليز، إلى درجة تحول مسألة امتلاك منزل مسألة متعلقة بالحياة والموت ومتجذرة في هوية الفرد الإنجليزي مع تكرار مقولة: «إن منزل الإنجليزي هو قلعته». مع أن هذه المقولة وهذه «المسلّمة» بضرورة تملك الإنجليزي لمنزله اهتزت كثيرا بعد أزمة الرهن العقاري العالمية، التي انفجرت في 2008، وما زال ارتدادها محسوسا في السوق العقارية.

يعترف البريطانيون أن الاهتمام بالعقارات أصبح أشبه بهوس يتحكم بالشعور الجمعي في المملكة المتحدة، وأن مقولة «مسكن الإنجليزي هو قلعته» أخذت أبعادا أكبر. ولا يكاد يمر يوم تقريبا حتى يصدر في بريطانيا تقرير، بل تقارير، عن قطاع العقار في المملكة المتحدة. وأصبح الاطلاع على أوضاع العقارات في بريطانيا يتصدر الأولويات بالنسبة للغالبية العظمى للمواطنين البريطانيين، كما أنه يتصدر مواضيع النقاش بينهم، وأصبح حتى يفوق الحديث والاهتمام بتوقعات الأحوال الجوية، التي وبسبب تقلباتها الكثيرة في الجزر البريطانية تدفع المقيم فيها دائما ليكون على اطلاع على توقعاتها.

ويعتبر تملك المساكن من الأشياء المقدسة في بريطانيا على خلاف الجيران في أوروبا مثلا، وخصوصا في دولتين كبيرتين مثل فرنسا وألمانيا، حيث السائد هو التأجير، وليس هناك «هوس» كبير بالتملك. غير أن الأزمة المالية العالمية، التي تفجرت في 2008 وفجرت الفقاعة العقارية في بريطانيا، خلطت الكثير من الأرقام في معادلة سوق العقار البريطاني وفي مقدمتها مسألة تملك المساكن.

ويعتبر قطاع المشترين لأول مرة عربة دفع مهمة لسوق العقارات والبريطانية ولسلسلة تملك المساكن، لكن القطاع الذي يركز على الشباب يواجه صعوبات كبيرة، خصوصا مع تشديد البنوك معايير الإقراض العقاري بعد أزمة الائتمان في عامي 2007 و2008 التي بدأت عندما بدأ التخلف عن سداد قروض منحت للأكثر فقرا في الولايات المتحدة لشراء مساكن. ورغم بعض الانفراج في هذا الجانب مع تخفيف البنوك لتشددها وتخفيض قسط الرهن العقاري المطلوب من المشترين الأولين حتى 5% من قيمة المسكن في بعض الأحيان بدلا من الـ25% المطلوبة من قبل، فإن الوضع ما زال صعبا بالنسبة للمشترين لأول مرة.

وفي هذا السياق أكد استطلاع أجراه مؤخرا بنك «هاليفاكس»، الذي يعتبر من أبرز البنوك العقارية في بريطانيا، أن نصف السكان في بريطانيا يعتقدون أن الأسواق العقارية في المملكة المتحدة ستكون أسواقا للإيجار، وأن جيلا من الشباب لن يكون بمقدوره تملك العقار.. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن 77 في المائة من الذين لم يشتروا عقارهم حتى الآن لا يزالون يتمنون شراء عقارهم الخاص بهم، ولكن 64 في المائة قالوا إنهم لا يعتقدون أنهم سيتمكنون من ذلك أبدا. وكشف الاستطلاع أن 46 في المائة من الشباب في المملكة المتحدة، الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والأربعين، يعتقدون أن بريطانيا أصبحت مشابهة عقاريا لأوروبا أو البلدان الأوروبية الأخرى، حيث الإيجار هو الشيء الطبيعي الذي يلجئ الناس إلى السكن، وأن بريطانيا ستصبح بلدا يكون الإيجار هو الاتجاه السائد خلال العقد المقبل.

ولا تزال نسبة كبيرة من الشباب أو المشترين للمرة الأولى، وبنسب لا تقل عن 85 في المائة، يعتقدون أن إحجام البنوك عن منح القروض وفرض شروط تعجيزية، وخصوصا ضرورة الدفعة الأولى التي لا تقل في المتوسط عن 30 ألف جنيه إسترليني (45 ألف دولار تقريبا)، عقبة رئيسية، إن لم يكن من المستحيل تجاوزها.

وبحسب الاستطلاع يسلم نحو 61 في المائة من الشباب البريطاني بأنهم لن يحاولوا الحصول على قرض أو توفير المبلغ المطلوب لدخول سوق العقار، بسبب تشدد البنوك في منح قروض.