تونس: الجاذبية تعود لسوق العقارات

وسط تدفق المستثمرين والسياح

عاد السياح وعادت الحركة للعقارات الفاخرة في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

انعكست الأخبار الشائعة حول إقبال الأجانب على شراء العقارات والأراضي في تونس بعد الثورة، على أسعار العقارات التي شهدت تضاعفا عدة مرات، مما جعل البحث عن قطعة أرض جاهزة للبناء أو شقة قابلة للكراء أو مسكن جاهز للاستقرار، أمرا يكاد يكون صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا في بعض المواقع السياحية ذات الصيت، على غرار نابل والحمامات وسوسة وبنزرت. ويرى متابعون لسوق العقارات التونسية أن الأمر عادي للغاية ويهدئون من روع بعض الدعوات المطالبة بكبح جماح المستثمرين العقاريين، ويفسرون الإقبال الهائل على العقارات بأن استثمار المال في هذه النوعية من الأنشطة الاقتصادية يصنف ضمن الاستثمار الآمن الذي لا تتهدده كثير من المخاطر مقارنة بأنشطة أخرى تأثرت بالأحداث التي تلت الثورة التونسية.

وفي هذا المجال يقول غازي المهيري (صاحب مكتب عقاري) إن مجال السمسرة العقارية في أحسن أحوالها، وهو لا يتأثر كثيرا بالشائعات المرتبطة بخطورة تملك الأجانب للعقارات. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن سوق العقارات من أهم الأنشطة المشغلة في تونس، خاصة من أصحاب الكفاءات المهنية والمهارات المختلفة من حدادة ونجارة وبناء وغيرها، وهي تنشط الاقتصاد الوطني وتبعث الروح في كثير من المجالات القريبة من الأنشطة العقارية. إلا أنه مع ذلك دعا السلطات التونسية إلى ضرورة الاحتفاظ بسلطتها على الرصيد العقاري من الأراضي الصالحة للبناء في ظل السماح القانوني للأجانب بحرية امتلاك العقارات، ويرى أن التفويت في الرصيد العقاري (حسب رأيه) يضر بمصلحة التونسيين العاديين، ويجعل الأسعار تحلق في الأعلى، مما يجعلها نادرة، وهو ما ينعكس سلبا على أسعار العقارات البيضاء، ويلحق أضرارا بعد مدة بالعائلات المتوسطة الأحوال.

وبشأن العراقيل والمشكلات التي تعاني منها سوق العقارات في الوقت الحالي، قال المهيري إن كثيرا من القوانين المنظمة للنشاط العقاري في تونس في حاجة ماسة للمراجعة، من بينها اشتراط مبلغ 150 ألف دينار تونسي (100 ألف دولار أميركي) لتأسيس شركة عقارية، فهذا المبلغ (حسب رأيه) زهيد للغاية مما ضاعف عدد المؤسسات الناشطة في المجال العقاري وضاعف المنافسة على اقتناء الأراضي الصالحة للبناء، ودعا إلى الترفيع في هذا المبلغ الذي تم التغافل عنه طوال 22 سنة.

ويعتبر المهيري أن المنافسة على اقتناء الأراضي ستخلف لاحقا انحسارا كبيرا في أرصدتها، وهو ما سيؤثر بالضرورة على أسعارها التي باتت مرتفعة في معظم المناطق القريبة من المدن التونسية أو التي تقع على سواحل البحر وستتجه إلى مزيد من الارتفاع خلال السنوات المقبلة.

وتأثرت سوق العقارات التونسية بتزايد الإقبال على الشقق الجاهزة، وهو ما ضاعف أسعارها، إذ إن المتر المربع الجاهز لا يقل سعره حسب الخبراء في هذا المجال عن 1200 دينار تونسي (نحو 850 دولارا أميركيا) في معظم المدن التونسية. وتعرف السوق ارتفاعا ملحوظا على مستوى سعر الشقق الجاهزة جراء تدفق مئات الآلاف من العائلات الليبية (نحو 500 ألف ليبي حسب بعض الدوائر الإحصائية معظمهم في العاصمة والمدن الكبرى) التي استقرت في مدن تونس الكبرى وضواحيها، وتتراوح الأسعار بين 1200 دينار تونسي كحد أدنى وأكثر من ثلاثة آلاف دينار (نحو ألفي دولار أميركي)، في بعض المواقع الذائعة الصيت على غرار الضاحية الشمالية للعاصمة (قمرت على سبيل المثال).

وفي هذا السياق، ذكر عادل بن حسن، والي (محافظ) تونس العاصمة، أن الولاية (المحافظة) أسندت 48 ترخيصا لامتلاك عقارات من قبل رؤوس أموال أجنبية، وأن 66 ملفا لا تزال قيد الدرس، وذلك منذ بداية سنة 2012. وأشار إلى الإقبال الهائل على المضاربة في عقارات الضاحية الشمالية للعاصمة الواقعة على ضفاف البحر، ويحتل الليبيون المرتبة الأولى في طلبات امتلاك العقارات والاستقرار في تونس، ويأتي بعدهم الجزائريون ثم يأتي الفرنسيون في مرتبة ثالثة إلى جانب احتلال بعض الشركات السعودية المهتمة بسوق العقارات التونسية مرتبة مهمة في هذا المجال.

وفي تونس، لا يمكن للأجانب امتلاك العقارات إلا بعد موافقة الوالي (المحافظ) ويتطلب الأمر مجموعة كبيرة من الشروط القانونية، من بينها التقدم بوثائق تبقى ضرورية، مثل عرض البيع وشهادة الملكية للعقار موضوع البيع أو الشراء وبراءة ذمة الأطراف المتعاقدة من الأداءات الدولية وبراءة ذمة العقار من معاليم البلديات التونسية ورسم عقاري ونظير مثال هندسي.

وتؤدي وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسية اختبارا لتقدير قيمة العقار مقارنة بالسعر المقترح وأسعار السوق، بالإضافة إلى تدخل لجنة مختصة من قبل وزارة الداخلية للتثبت في سيرة مقتني الأرض وسجله الشخصي (تخوفات من ظاهرة تبييض الأموال). وتمكن القوانين التونسية كل أجنبي مهما كانت جنسيته من اقتناء العقارات شرط الحصول على موافقة الوالي (المحافظ).

وتعول السلطات التونسية على قطاع العقارات لاستعادة جزء مهم من النمو الاقتصادي خلال الفترة المقبلة؛ فقد قدم المجال العقاري استثمارات في حدود 14 في المائة من مجموع الاستثمارات التونسية، كما مكن سنة 2010 من توفير ما لا يقل عن 12.6 في المائة من القيمة المضافة الجملية وهو ما جعل القطاع ذا وزن اقتصادي من غير المقبول التخلي عنه خلال مرحلة موسومة بالتذبذب في اتخاذ القرار بالاستثمار في مجالات استثمارية أخرى، في حين أن سوق العقارات تعرف انتعاشتها القصوى.