الصين تؤسس 100 مدينة خلال الـ 15 عاما المقبلة

المدن الآسيوية تقدم أفضل فرص النمو العقاري في العالم

فورة إنشاءات تجتاح المدن الصينية («الشرق الأوسط»)
TT

أكد أحدث تقرير دولي من مؤسسة «نايت فرانك» العقارية أن نمو أسواق العقار في أكبر المدن الآسيوية يسير الآن بوتيرة أقل مما كان عليه من قبل بسبب تراجع الطلب والقوة الشرائية من المستثمرين المحليين والدوليين. كما يتراجع الطلب أيضا على قطاع المكاتب بسبب غياب الثقة وعدم وضوح الرؤية في توجهات الاستثمار الدولي. ولكن قطاع المنافذ التجارية ما زال منتعشا، وبوجه عام ما زالت المدن الآسيوية تقدم أفضل فرص النمو العقاري في العالم. ومع ذلك تقدم المدن الآسيوية بالمقارنة مع أوروبا وأميركا أفضل فرص النمو والعوائد في مجالات الاستثمار العقاري.

من ناحيتها، تحاول الصين تهدئة الأوضاع بفرض دفع مقدم يبلغ 50 في المائة من ثمن العقارات لدى شراء عقارات استثمارية، وذلك خوفا من فقاعة في الأسعار. ويدفع الأسواق الآسيوية في المرحلة الحالية موجة إعادة هيكلة ناتجة عن تحول الكثير من المجتمعات الآسيوية إلى مجتمعات مدنية بعيدا عن الريف. وفي الصين مثلا ما زالت المدن تتوسع بشكل هائل ويبحث فيها 17 مليون مواطن جديد سنويا عن مساكن وخدمات. ومن المتوقع أن تتوسع شنغهاي لكي تكون أكبر حجما من طوكيو في غضون عشر سنوات.

وفي الهند ساهمت عدة عوامل في توسع أسواق العقار، منها إزالة العراقيل أمام الاستثمار الأجنبي وفتح الأسواق فيها وتسهيل تمويل البنوك المحلية للاستثمار العقاري. وحتى في الأسواق الناضجة مثل اليابان التي ينتقل فيها الاقتصاد من التصنيع إلى المعلومات، فإن الطلب يزداد فيها على مساحات المكاتب. وبعد 17 عاما من أزمتها العقارية تبدو طوكيو في عجلة من أمرها لتطوير قطاعات كاملة من العقار فيها. وهناك عشرات المشاريع التي تبدأ في مرحلة البناء خلال العام المقبل في الأحياء المالية من طوكيو.

ويقبل المستثمرون الدوليون حاليا على بعض قطاعات العقار الآسيوية التي تقدم لهم فرص نمو غير متاحة في أي مكان آخر في العالم. ويدخل الأسواق الآسيوية بقوة كل من صناديق الاستثمار الأوروبية وصناديق المعاشات الأسترالية ومستثمرون أشخاص من أميركا. وتتحدث الأسواق الآسيوية عن أن آخر موجة استثمار تأتي إليها من الخارج كانت من الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين.

وفي أوروبا بشكل خاص هناك شهية عالية للأسواق الآسيوية من أجل تنويع مصادر الاستثمار والاستفادة من فرص النمو العالية. وهي بالتأكيد أسواق تقدم فرصا جيدة للمستثمر الكويتي ولكن مع الأخذ في الاعتبار عدة مخاطر قد لا تكون ظاهرة للعيان في الوقت الحاضر.. فهناك الكثير من عمليات الشراء قصير المدى من أجل تحقيق مكاسب سريعة في موجة مضاربة تهدد بعودة فقاعات سعرية صغيرة في الأسواق بدأت تنكشف بالفعل في موجة تصحيح سادت في بعض الأسواق الآسيوية. أيضا تنعدم الشفافية في بعض الأسواق الآسيوية بحيث يكون من الصعب إجراء البحث الدقيق اللازم قبل الاستثمار. وبالطبع ينفي وكلاء العقار في المنطقة وجود فقاعة أسعار ويؤكدون أن الطلب حقيقي وأن الأسعار سوف تواصل الصعود.

وما يميز الأسواق الآسيوية أنها قائمة على وجود طلب محلي حقيقي وليس فقط على الاستثمار الأجنبي. وعندما تنفذ شركات أجنبية مشاريع كبيرة في الصين أو في مدن آسيوية سرعان ما يتحول الجهد من تصميم مشاريع محدودة إلى بناء مدن كاملة. وتشرح شركة عقار ألمانية أنها كانت بصدد تصميم ميناء حاويات في شنغهاي في الصين، ولكنها توسعت رويدا في المشروع حتى وجدت نفسها تبني مدينة حول الميناء تتسع لنحو 800 ألف نسمة. وبلغ من سرعة النمو المدني الآسيوي أن مدنا آسيوية كاملة نشأت في السنوات العشر الأخيرة. وفي الصين يعيش الآن نحو ثلث التعداد البالغ 1.3 مليار إنسان داخل المدن، وهي نسبة سوف تصل إلى النصف بحلول عام 2020.

وفي الصين تقول الإحصاءات الرسمية إن مائة مدينة جديدة سوف يتم تأسيسها خلال الـ15 عاما المقبلة، لكي تستوعب الهجرة المستمرة من الريف إلى المدن سعيا وراء الاستفادة من النمو الاقتصادي. وتعتبر الصين حاليا رابع أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، ولكن قياسا بالقوة الشرائية الناتجة عن الناتج المحلي، يعتبر الاقتصاد الصيني هو الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة.

وفي عام 2009 بلغ الناتج الصيني المحلي للفرد مبلغ 1800 دولار، وهو ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عشر سنوات فقط. ويستمر نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات ما زالت تعتبر هي الأعلى في العالم على الرغم من توقعات البنك الدولي بتراجعها.

وبينما ينمو الاقتصاد يزداد الطلب على العقار بأنواعه من مساكن ومكاتب ومصانع. وتعتبر الصين حاليا من أكبر أسواق العقار التي يرصدها المستثمرون الأجانب. وتعتبر السوق المفضلة حتى الآن للاستثمار الأجنبي في الصين هي الشريط الساحلي الشرقي الذي يمتد جنوبا من شنغهاي. ومن المتوقع أن يرتفع الاهتمام العقاري في الصين خصوصا بعد الموافقة البرلمانية فيها على مبدأ الملكية الفردية للعقار، التي تدخل الآن عداد الوضع القانوني بعد عشرات السنين من التردد بين الحكم الشيوعي واقتصاد السوق.

ويرتفع الطلب من الشركات متعددة الجنسيات التي تنافس بقوة لتأسيس مواطئ قدم لها في السوق الصينية سواء بغرض الاستثمار المحلي أو لاتخاذ الصين قاعدة تصنيع للصادرات.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة زاد الطلب العقاري في الصين بنحو 3.5 في المائة سنويا، كما ارتفعت الإيجارات بنسبة 7 في المائة. وتتوقع شركة «لاسال» العقارية من مقرها في لندن أن يزداد تنافس صناديق الاستثمار على الاستثمار العقاري في الصين ضمن سعيها الدائم لتحديد فرص الاستثمار المجدية ومحدودة المخاطر.

ولكن السوق الصينية تتحمل أيضا بعض الأخطار حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط لمنع عمليات المضاربة على العقار في أسواقها. وتفرض الصين حاليا ضريبة قيمة مضافة على عمليات بيع العقار السريعة بعد الشراء، كما تراقب الصفقات الكبيرة حتى تضبط أي عمليات تلاعب في الأسواق قبل استفحالها. وتشرف إدارات من الحكومة المركزية على مجالس التسجيل في الأقاليم الصينية المختلفة حتى تتأكد من اتباع القوانين والنظم الجديدة.

ولا تؤثر هذه الإجراءات على المستثمرين الجادين الذين ينظرون إلى المدى البعيد في استثمارهم في السوق الصينية.

وتنافس أسواق كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان الزخم العقاري الصيني بعوائد إيجارية أعلى، وإن كانت على حساب نسب نمو أقل في رأس المال المستثمر. وهناك رغبة قوية من جهة المستثمرين في رفع نسب الاستثمار العقاري في الأسواق الآسيوية. وكشف إحصاء أن ثلاثة أرباع مستثمري العقار في أوروبا يريدون زيادة حصة محافظهم الاستثمارية في آسيا، مقابل 5 في المائة يرغبون في المحافظة على حجمها الحالي.

وشمل الإحصاء 143 مصرفا وشركة تأمين وصندوق معاشات قال معظمها إن الرغبة في زيادة الاستثمار الآسيوي تعود إلى الحاجة لتنويع المخاطر ولأن العوائد الأعلى من آسيا تبدو أفضل منها في أي موقع آخر. ويقارن هؤلاء المستثمرون عوائد العقار الآسيوي بعوائد السندات، وهم يطمحون إلى زيادة الاستثمار العقاري الآسيوي إلى حصة لا تقل عن 23 في المائة من مجمل المحافظ الاستثمارية.

وتشير خريطة العوائد العقارية الدولية إلى أن الأسواق الآسيوية تقع في المقدمة حاليا بنسبة متوقعة هذا العام تصل إلى 7 في المائة في المتوسط، وتليها أسواق شرق أوروبا بنسبة 6.6 في المائة، ثم الدول الإسكندنافية بنسبة 5.3 في المائة.

ويعم الانتعاش المدن الآسيوية بسبب نشاطها الاقتصادي الذي ما زال يسجل معدلات نمو أعلى من مناطق أخرى في العالم. وفي الوقت الذي تعاني فيه البورصات الغربية من مخاوف انعكاسات أزمة اليورو، تزحف شركات الاستثمار العقاري إلى أنحاء آسيا سعيا وراء الصفقات الكبيرة من ناحية، وأعلى معدلات الأرباح من ناحية أخرى. وهي فرصة تبدو أيضا سانحة للمستثمر العربي لو أراد أن يغامر باتجاه الشرق الآسيوي عقاريا.

وكانت إحصاءات البنك المركزي الصيني عن فترة النصف الأخير من العام الماضي قد أظهرت أن عمليات بيع العقار زادت بنسبة كبيرة عما كانت عليه في عام 2010. كما زاد الاستثمار العقاري في الصين خلال الفترة نفسها بنحو 11.6 في المائة أيضا، على الرغم من أن الحكومة الصينية ما زالت تمارس سياسة متقشفة بالنسبة للتمويل العقاري تتبعها منذ العام الماضي. وتشير الإحصاءات الصينية إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة 1 في المائة في 70 مدينة صينية خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي وحده.

وليس من المتوقع أن تهدأ الأسعار الصينية في المدى المنظور، بل إنها تتوجه إلى زيادة بنسبة 20 في المائة من الآن وحتى نهاية عام 2015 وفقا لتقديرات القسم الاقتصادي في بنك «يو بي إس». وتتوافق المؤشرات نفسها مع تقديرات من جهات أخرى من بينها شركة استشارية اسمها «ستانلي إنفستمنت منجمنت». ويخشى اقتصاديون في سنغافورة أن تقبل الحكومة الصينية على إجراءات غير مدروسة في محاولاتها لتهدئة أسواق العقار التي يبدو أنها تخالف السائد في قطاعات الصين الاقتصادية الأخرى.

وتختلف مؤسسة «مودي» لتقدير الملاءة في نظرتها إلى السوق الصينية، حيث تقول في أحدث تقاريرها إن نمو الأسعار العقارية في الصين ما زال تحت السيطرة وإن زيادة الأسعار الحالية ناتجة عن زيادة الثقة والسيولة الفائضة في السوق. وتعتقد المؤسسة أنه على السلطات الصينية أن توجه المزيد من الاهتمام للبورصة وليس إلى أسواق العقار التي تبدو في حال جيدة. وتضيف شركة «لاسال» العقارية أن سوق الصين تعاني من ندرة فرص الاستثمار البديلة عن العقار، مما أدى إلى زيادة الانتعاش العقاري غير المتوقع.

ويشكو عمدة مدينة شنغهاي هان زينغ من أن أسعار العقار في المدينة بلغت آفاقا غير معهودة قد تضر بقطاع الإسكان فيها. وهو يطالب الحكومة باتخاذ بعض الإجراءات لتهدئة السوق ومنع موجة أخرى من التضخم. وقرر زينغ زيادة تخصيص الأراضي لقطاع البناء مع اشتراط بناء وحدات اقتصادية لخدمة الطبقة المتوسطة لمساعدة الأسر محدودة الدخل.

وتعترف نائبة رئيس بنك الصين، هيسيو لينغ، بأن هناك خطرا بظهور فقاعة عقارية، وتقول إن الظروف الحالية تشير إلى زيادة الطلب غير المبرر بسبب السيولة وتراجع فائدة البنوك وانعدام فرص الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وتوجه الأموال إلى القطاع العقاري. ولكن ليس من المتوقع أن تخفف الحكومة الصينية من قيود التمويل العقاري في المدى المنظور، وهي تراقب عن كثب أوضاع السوق في المرحلة الحالية وترى أن قيودها كافية لضبط السوق.

وتقول إحصاءات تقرير «نايت فرانك» إن بعض العوامل تحجم المزيد من الانتعاش في الأسواق الآسيوية، أهمها قيود التمويل والإقراض، والتي تضع ضغوطا على مستوى الطلب في الأسواق. وبوجه عام تتجه الأسواق الآسيوية إلى مرحلة استقرار نسبي بسبب تراجع إنجاز الاقتصادات المحلية، وقد ينعكس ذلك على مستويات الأسعار في القطاع السكني التي قد تنخفض في بعض الأسواق، مثل سيول وكوالالمبور، بنسب تصل إلى 5 في المائة، ولكن يبدو أن قطاع المنافذ التجارية هو الأنشط والأكثر ارتفاعا في الإيجارات نظرا للإقبال السياحي على المنطقة.