تباطؤ مبيعات عقارات الريف البريطاني الفاخرة

بسبب عزوف الأجانب عن الشراء إلا في مقاطعات معينة

منزل فخم في الريف الإنجليزي
TT

بدأت أسعار سوق المنازل الريفية الفاخرة في الارتفاع منذ 12 شهرا عقب الانخفاض الذي شهدته أسعار المنازل في لندن مباشرة، تماما كما أشارت وكالة «نايت فرانك» في تقريرها للربع الثالث من العام الجاري حول سوق المنازل الريفية الفاخرة.

وحسب الوكالة العقارية البريطانية ظلت أسواق المنازل الريفية الفاخرة والمترفة (التي يزيد سعرها على 5 ملايين جنيه إسترليني) تتبع الاتجاه العام السائد للأسعار في المملكة المتحدة في العامين الماضيين، وليس أسعار المنازل التي تقع في وسط لندن. وقالت الوكالة هناك ثلاثة أسباب رئيسية لهذا الاختلاف في الأسعار بين المنازل الفخمة في لندن وفي الريف.

أولا: المشترون الدوليون لا يتمتعون بهذه الأهمية الكبيرة في سوق العقارات الريفية مثلما هو الحال في لندن، حيث تبلغ نسبة المشترين الإنجليز للمنازل الريفية التي يزيد سعرها على 5 ملايين جنيه إسترليني أقل قليلا من 65 في المائة، مقارنة بنحو 40 في المائة في لندن. لم تتأثر هذه السوق الأكثر محلية بضعف الجنيه الإسترليني الذي أدى إلى فوائد كبيرة في سوق لندن عن طريق اجتذاب المشترين الراغبين في إنفاق الدولارات أو اليوروات التي في حوزتهم.

أما السبب الثاني فهو الاقتصاد، حيث كانت آثار الركود الذي تعانيه المملكة المتحدة واضحة بصورة أكبر في الأقاليم الواقعة خارج العاصمة. لقد أبلى اقتصاد لندن بلاء حسنا، لذا قامت الشركات بتركيز استثماراتها في لندن، مما أدى إلى زيادة مبيعات العقارات الفاخرة في العاصمة البريطانية.

أما السبب الثالث فيرجع إلى سلوك البائعين، فحقيقة أن سوق المنازل الريفية الفاخرة كانت تمر بمرحلة هدوء نسبي قد تسبب في منع دخول بعض من أفضل العقارات في السوق في عامي 2010 و2011، حيث شعر البائعون بأنه من الأفضل لهم الانتظار حتى تتغير أوضاع السوق إلى الأفضل.

ويلاحظ أن هذه العقارات ستلقى استقبالا جيدا من جانب المشترين في حالة دخولها إلى الأسواق، بينما تسبب غيابها في تقليص أحجام التداول وإضعاف أداء الأسعار. تمثل مظهر آخر من مظاهر سلوك البائعين، الذي أصبح شديد الوضوح في عام 2011، في موضوع عمليات التسعير المرتفعة للغاية، حيث تم تسعير عدد كبير من العقارات التي دخلت السوق في العامين الأخيرين بصورة مرتفعة للغاية وظلت كما هي في السوق.

وحيث إن أسعار العرض لهذه العقارات قد تراجعت، مؤخرا، إلى مستويات أكثر واقعية، ساعدت هذه العملية على خفض الأسعار بصورة عامة في الأشهر الـ12 الماضية. وشهدت أسعار سوق المنازل الريفية انخفاضا يصل إلى 1.2 في المائة في الربع الثالث من العام الجاري، وهي الآن أقل بـ1.7 في المائة مقارنة بشهر سبتمبر (أيلول) عام 2010.

وتظل الصورة التقليدية للموجات السوقية التي تتدفق خارج العاصمة لندن هي الحال في بعض المناطق، حيث ارتفعت أسعار العقارات الفاخرة في منطقة «ساوث إيست» بنحو 0.4 في المائة خلال العام الماضي، ولكنها الآن مرتفعة بنحو 11.4 في المائة مقارنة بمنتصف عام 2009.

وأما في ما يتعلق بسوق العقارات المترفة، فباستثناء أفضل الأماكن في منطقة ساري غرب إنجلترا، ظلت الأسعار مستقرة في أفضل الحالات وربما تراجعت قليلا في معظم الحالات، ولا سيما في فترة الأشهر الستة حتى شهر سبتمبر 2011. ويلاحظ أن المغالاة في التسعير بدت واضحة للغاية في قطاع العقارات المترفة، تماما كما كان الحال في السوق بشكل أكبر، وهو ما أدى إلى تشويه حجم المبيعات في السوق، حيث عجز المشترون النشطون عن إقناع البائعين بخفض الأسعار إلى المستويات الواقعية.

ولكن من الخطورة بمكان تعميم هذا الأمر في المملكة المتحدة ككل؛ حيث تؤكد التجارب أن بعض المواقع مثل «إيشر» و«كوبهام» قد شهدت نشاطا كبيرا في الشهور الـ12 الماضية مقارنة بالأعوام الـ3 الماضية، حيث بلغت معدلات بيع المنازل التي يزيد سعرها على 10 ملايين جنيه إسترليني أعلى معدلاتها في فترة 5 سنوات.

وتمثل التأثير المباشر للاتجاهات سالفة الذكر في رؤية مستويات الأسعار في أسواق المنازل الريفية الفاخرة والمترفة في الريف تقل عن مثيلاتها في لندن بهامش بسيط، ولكن الجانب الإيجابي لهذا الأمر تمثل في رؤية المشترين المنتقلين خارج لندن لاستثماراتهم، وهي تحقق عوائد أقل في الريف عنها في لندن.

فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك من يخطط لبيع عقار بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني في لندن في أوائل عام 2009 وشراء عقار آخر بالسعر نفسه في الريف ولكنه تأخر في تنفيذ هذا الأمر لمدة عامين ولم يقم به حتى الوقت الراهن، فسوف ينتج عن هذا التأخير ارتفاع سعر العقار الموجود في لندن إلى نحو 6.75 مليون جنيه إسترليني في مقابل ارتفاع سعر العقار الموجود في الريف إلى نحو 5.5 مليون جنيه إسترليني في أفضل الحالات، مما سيوفر له 1.25 مليون جنيه إسترليني تمكنه من شراء نحو 200 فدان من الأراضي الزراعية لتضاف إلى ممتلكاته الموجودة في الريف أو حتى إعادة استثمار هذا المبلغ في لندن مرة أخرى.

وتعتمد الحجة القوية للمشترين في التحول لشراء العقارات خارج مدينة لندن على القيم النسبية المذكورة بالأعلى، وهو ما أدهش معظم وكلاء العقارات في الريف من أنهم لم يشهدوا مثل هذا العدد من المشترين اللندنيين الراغبين في شراء العقارات في الريف على مدار العامين الماضيين. ولكن غياب العقارات التي تتمتع بالمميزات عالية الجودة في الريف والتي تجتذب المشترين، يعد العامل الأكبر في تباطؤ السوق.

ويبدو أن الاتجاهات الحالية تشير إلى استمرار تباطؤ سوق العقارات المترفة في عام 2012، لذا تتوقع وكالة «نايت فرانك» في تقريرها انخفاض الأسعار بصورة طفيفة في القيمة الاسمية في قطاع العقارات التي يزيد سعرها على 5 ملايين جنيه إسترليني بمعدل 1 في المائة، وهو ما يعادل انخفاضا بقيمة نحو 5 في المائة في القيمة الحقيقية، مما سيسمح بحدوث تضخم. يستند تقييم الوكالة المتشائم هذا على فرضية أن السوق الكبرى والاقتصاد في المملكة المتحدة سوف يشهدان المزيد من الاضطرابات.

وقالت هناك احتمال قوي بأن تستمر القضايا الجيوسياسية في دفع المشترين الأجانب إلى دخول سوق المملكة المتحدة، وشراء العقارات المترفة على وجه الخصوص. ويكمن أحد أسباب نظرة الوكالة الأقل من إيجابية لسوق العقارات الريفية في المملكة المتحدة على مدار الأشهر الـ12 المقبلة في احتمال بقاء المشترين الدوليين في لندن وعدم رغبتهم في استكشاف مناطق أبعد من مقاطعتي «سري» و«بيركشاير».

وقالت إذا ما قرر عدد أكبر من المشترين الأجانب دخول سوق العقارات الريفية، فقد تشهد السوق بعض الارتفاع البسيط في الأسعار. وتعد التوقعات المستقبلية للجنيه الإسترليني أمرا محوريا في هذا الصدد أيضا، حيث إن زيادة قيمة الجنيه الإسترليني سوف تؤدي إلى انخفاض الطلب من جانب المشترين الأجانب. وسوف يكون لما تؤول إليه الأمور في الأزمات التي تشهدها منطقة اليورو دور بالغ الأهمية في هذا الصدد أيضا. فإذا كانت هناك أي عودة لاستخدام العملات الوطنية، فمن المحتمل أن تشهد قيمة الجنيه الإسترليني انخفاضا حادا في مقابل عملات البلاد الواقعة شمالا أو جنوبا أو حتى على أطراف القارة الأوروبية. ولكن سيظل الأمر المجهول والأكثر أهمية هو علاقة الجنيه الإسترليني بالدولار، التي سيكون لها التأثير الأكبر على القدرة التنافسية النسبية لقيمة العقارات في المملكة المتحدة على الصعيد الدولي.