السعودية: شح كبير في المعروض يصنع أزمة إسكان للطلبة الجامعيين

أسعار العقارات المخصصة للطلاب ارتفعت 15%

TT

تفاقمت أزمة السكن للطلبة الجامعيين مع بدأ الموسم الدراسي الجديد، الأمر الذي صعد المشكلة لتصل إلى ذروتها في ظل الامتلاء الكامل للشقق والوحدات السكنية القريبة من الجامعات في العاصمة الرياض، في الوقت الذي وصل فيه عدد المقبولين في تلك الجامعات إلى أرقام كبيرة، ضاعفت من الطلب، خصوصا بالنسبة للطلبة الآتين للدراسة من خارج العاصمة السعودية.

وانعكس ذلك الطلب بقوة على دخول أصحاب تلك المنشآت، الذين رفعوا الأسعار إلى مستويات كبيرة يرى فيها بعض الطلبة أنها تجاوزت المعقول، في الوقت الذي يظل فيه الحصول على شقة شاغرة نوعا من التحدي، سبب تكدس أعداد كبيرة من الطلبة في شقق صغيرة، لتجاوز تلك المحنة التي أصبحت تشكل هاجسا حقيقيا لهم، وتجارة ذات ربح بين لأصحاب تلك البنايات الذين يعيشون موسما ذهبيا لا يتكرر إلا نادرا.

عبد الله التميمي، الذي يمتلك مكتبا عقاريا في شمال الرياض، أكد أن من يمتلك عقارا قريبا من أي جامعة أو كلية، فإنه يمتلك عقارا مدرا، في الوقت الذي يشهد فيه سكن الطلبة طلبا كبيرا، مقابل عرض الشحيح الذي لا يزال مسيطرا على السوق، لافتا إلى أن بناء سكن للطلبة بالقرب من الجامعات والكليات من أنجح المشاريع العقارية التي يمكن التنبؤ بمستقبلها.

وحول رفع ملاك العقارات الأسعار على الطلاب، أكد التميمي أن هناك ارتفاعا حقيقيا في الأسعار، نظرا للإقبال الكبير على الشقق والغرف الطلابية، إلى درجة أصبحت الغرف والشقق تؤجر عن طريق تفريغ الطلبة السكن لطلبة آخرين في حال التخرج، مبينا وجود مبالغة في الأرباح دفعت بعض ملاك العقار إلى رفع الأسعار، تحت مبررات وهمية، مقدرا نسبة الارتفاع بأنها تتجاوز 15 في المائة مما كانت عليه العام الماضي.

وضاعف من الأزمة هروب أعداد كبيرة من الطلبة من الالتحاق بالإسكان الجامعي، الذي يقع تحت إشراف الجامعة، بحجة بعض قوانين المراقبة الأمنية، إضافة إلى ضعف الخدمات؛ الأمر الذي ساهم في ازدياد الطلب على السكن الجامعي الخارجي الذي يواجه نقصا حقيقيا في معروضه.

وقال عبد الرحمن العطوي الملتحق بجامعة الملك سعود، إنه يدرس فيها منذ ثلاث سنوات وإنه استأجر في إحدى البنايات الملاصقة للجامعة غرفة صغيرة بمبلغ 8 آلاف ريال (2133 دولارا) في الـ6 أشهر، إلا أنه وعند بدء الدراسة، ونيته تجديد عقد الشقة، فوجئ بصاحب المكتب يقول له: «ارتفع الإيجار إلى 10 آلاف ريال (2666 دولارا)»، ودعاه إلى إفراغ العقار في حال لم يستطع دفع المبلغ خلال ثلاثة أيام حتى يتسنى لطالب آخر السكن فيه.

وأضاف: «اضطررت إلى القبول فورا، بعد جولة أجريتها على العديد من البنايات الأخرى، التي فوجئت بامتلائها عن بكرة أبيها»، لافتا إلى أنه سيضطر إلى البحث عن زميل جديد يشاركه السكن بعد رفع الإيجار، خصوصا أنه يعتمد وبشكل كبير على المكافئة الجامعية في حياته، التي يذهب جزء كبير منها لأصحاب السكن، الذين يفرضون الأسعار دون حسيب أو رقيب لعلمهم بحاجة الطلبة للسكن.

وتجري حاليا عمليات بناء واسعة في مختلف المنتجات، الأمر الذي يجعل طرح غرف إضافية أمرا مستبعدا على المدى المتوسط، عطفا على عمليات البناء المزدحمة في مشاريع البنى التحتية في السعودية التي تعتبر أكبر الاقتصادات العربية.

ويغلب على أكثر العقارات القريبة من الجامعات نظام الغرف، التي تتوزع على 3 طوابق بمعدل 10 غرف في الدور، تطرح بقيمة متوسطة 8000 ريال (2133 دولارا)، الأمر الذي يحقق عوائد بقيمة 480 ألف ريال (128 ألف دولار) سنويا.

ولفت راجح الزهراني الذي يدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إلى أنه يقطن في العاصمة الرياض منذ سنتين وهي المدة التي خرج فيها من مدينته التي قدم منها وهي الباحة (جنوب غربي السعودية)، مضيفا أن وجود سكن شاغر وقريب من الجامعة يعتبر ضربا من الخيال في ظل التوسع في القبول الذي تشهده الكليات التابعة لها، مما تسبب في أزمة سكن حقيقية لهم بصفتهم طلابا مبتعثين من مدن بعيدة عن الرياض.

وزاد أنه استأجر شقة مع أحد أقاربه تبتعد قليلا عن الجامعة بمبلغ 17 ألف ريال (4533 دولارا) في السنة، إلا أن السعر قد ارتفع إلى 20 ألف ريال (5333 دولارا) دون مبرر سوى ارتفاع مواد البناء وتكاليف الصيانة، وقال الزهراني إنه مستأجر قديم في البناية نفسها ومنذ سنوات وبالسعر نفسه، وإن الشقة قد تم الفراغ من بنائها قبل ارتفاع الأسعار، مناشدا الجهات المسؤولة وضع حد لهذه التصرفات التي تقضي على مصدر تمويلهم الأساسي وهي المكافئة الجامعية.

ويبلغ عدد الجامعات في السعودية نحو 32 جامعة حكومية وأهلية، في حين يصل عددها في العاصمة السعودية الرياض إلى نحو 6 جامعات، في الوقت الذي تشهد فيه الرياض نموا إسكانيا وعمرانيا نتيجة الطلب الكبير على مختلف المنتجات العقارية في البلاد.

من جانبه، كشف محمد العريدي الذي قدم لدراسة الحاسب في كلية التقنية، أن ارتفاع أسعار العقارات بشكل عام، أثر وبشكل كبير على طلبة الجامعات الذين شكلوا اتحادات سكانية، وذلك لتقليل المبالغ المدفوعة لأصحاب العقارات، حيث وجود 4 طلاب فأكثر قد اتحدوا في سكن واحد، وذلك لتوفير أكبر مبلغ ممكن، في ظل ارتفاع كبير في الاستهلاكات الأخرى. وأضاف: «عدم وجود إدارات خاصة تابعة للكليات والجامعات لدراسة أوضاع الطلبة القادمين من خارج الرياض لصرف بدل سكن لهم يسبب مشكلات جمة»، مناشدا أصحاب العقارات أن يكونوا واقعيين في وضع الأسعار دون استغلال لحاجة الطلاب إلى سكن قريب من مقر دراستهم.

يشار إلى أن أزمة الإسكان تضاعفت بسبب تمركز الجامعات والكليات في محيط واحد في العاصمة الرياض، الأمر الذي عزز من فرص التزاحم على الإسكان ونشوء النقص الجلي في المعروض، وأن وجودها في منطقة واحدة خلق فرصة ذهبية لأصحاب المنشآت الذين تيقنوا من أن الطلب يفوق المعروض وبمراحل كثيرة.