رغم الإفلاس.. مصرف «ليمان براذرز» يملك جواهر العقارات في أميركا

من بينها منتجعات وبنايات تجارية وسكنية في قلب مانهاتن

TT

بعد 4 سنوات تقريبا من إشعال مصرف «ليمان براذرز» لفتيل أزمة مالية عالمية، حينما أشهر إفلاسه يوم 15 سبتمبر (أيلول) عام 2008، ما تزال أملاك المصرف الاستثماري المنهار تسيطر على أكثر من 10 مليارات دولار من الأصول العقارية في حافظته الاستثمارية التي يبلغ حجمها 40.5 مليار دولار، وكل هذه العقارات في النهاية يجب تحويلها إلى نقدية من أجل سداد مستحقات الدائنين.

ففي منطقة مانهاتن وحدها يمتلك مصرف «ليمان»، الذي تحول الآن إلى شركة استئمانية، الكثير من العقارات البارزة، وتمتد أصوله الأخرى - التي يتجاوز عددها 250 وحدة في المجمل، بتراجع عن أكثر من 700 وحدة عقب إشهار الإفلاس مباشرة - من قطع أرض صغيرة خالية إلى منتجع التزلج الخلاب «مونلايت بيسين» في منطقة «بيغ سكاي» بولاية مونتانا، ونادي الغولف «بوت رانش» المقام على مساحة ألفي فدان في وسط تكساس، وفنادق ومشروعات مشتركة في ميامي ونيويورك وجزيرة ماوي (إحدى جزر هاواي).

وأكبر أصل يمتلكه المصرف هو شركة «أرشستون»، وهي شركة استثمارية عملاقة في مجال الشقق السكنية يقع مقرها في كولورادو، وقد كان الاستحواذ عليها عام 2007 بداية لتراكم جبل الديون الذي قضى في النهاية على المصرف. وتعد شركة «أرشستون» من أكبر مالكي الشقق في البلاد، حيث تمتلك 59419 شقة مستأجرة في 181 عقارا، وذلك حسب دفاتر التصفية في 31 مارس (آذار) الماضي. وفي الشهر الماضي، قام المصرف بتسجيل الشركة استعدادا لطرح أسهمها في البورصة، على أمل الاستفادة من تلك العوائد في سداد بعض مستحقات دائنيه.

ويقول جيف فيتس، رئيس قسم العقارات بمصرف «ليمان براذرز»: «ليس من المعروف عالميا أننا ما زلنا نمتلك حافظة استثمارية نشطة للغاية نتولى إدارتها»، وكشف عن أن المصرف قام أيضا بإعادة استثمار 7 مليارات دولار منذ إشهار إفلاسه في الحافظة العقارية، بهدف زيادة العائدات النهائية لدائنيه. ومن المفهوم أن تكون هناك بعض الحيرة بالنسبة للمراقبين غير المتابعين، فقد استحوذ مصرف «باركليز» على ذراع الصيرفة الاستثمارية التابعة لمصرف «ليمان» والتي تضم 10 آلاف موظف بعد فترة وجيزة من دخول الأخير في أكبر حالة إشهار إفلاس في التاريخ وربما أكثرها تعقيدا، إلا أن مصرف «ليمان» الذي كان يعاني من خسائر ضخمة في الأوراق المالية المضمونة برهون عقارية احتفظ بأصول غير سائلة في ميزانيته، ومن بينها أصول عقارية أو وحدات في أسواق حضرية كبرى أو أسواق أصغر حجما في الولايات المتحدة وأوروبا.

وقد كانت الخطة في ذلك الوقت، والآن أيضا، تتمثل في انتظار تحسن الأوضاع في الأسواق العقارية ثم بيع كل شيء في النهاية بأسعار لا يمكن الوصول إليها في ظل الأزمة المالية. ولكن رغم أن مصرف «ليمان» ينتظر تعافي أسعار العقارات من مستوياتها الدنيا الناجمة عن الركود، فقد وضع الفريق العقاري التابع له خططا لإعادة هيكلة القروض المتعثرة وعلاج المشكلات الأخرى وملء بناياته التي يمكن تأجيرها بالمستأجرين قبل عرضها للبيع. ويقول فيتس: «في الأيام الأولى، كان سيسعد بعض الصناديق أن تشتري أي شيء وكل شيء نرغب في بيعه بالسعر المناسب. كل ما في الأمر أن هذا لم يكن مواتيا بالنسبة لنا. من الصعب أن توضح للناس كم أعمال إعادة الهيكلة والتطهير التي كان ينبغي القيام بها في المرحلة المبكرة من أجل الوصول بالعقارات إلى حالة يمكن بيعها بها إلى مشترين غير انتهازيين».

والآن يعمل مصرف «ليمان» على استخلاص كل دولار من الحيازات الاستئمانية، وتقدر قيمة المطالبات المسموح بها على العقارات بمبلغ 361 مليار دولار كما في 31 مارس الماضي، وذلك طبقا لمراجعة ميزانية تمت بطلب من المصرف في شهر يوليو (تموز) الماضي. وبموجب الخطة التي تخضع لقوانين «الفصل الحادي عشر» المنظمة لإجراءات الإفلاس، فقد دخلت الشركة الاستئمانية في فترة تصفية بدأت في يناير (كانون الثاني) عام 2011. ومن المتوقع أن يتم استرداد 67.5 مليار دولار بنهاية عام 2015 أو بعدها بقليل. وقد وزع مصرف «ليمان» بالفعل 22 مليار دولار على الدائنين، الذين سيحصلون على نحو 18 سنتا على الدولار، وذلك على حسب شريحتهم وأولويتهم في عملية الإفلاس. وربع الأصول المتبقية للتصرف فيها والتي تبلغ قيمتها بالتقريب 40.5 مليار دولار هي في صورة عقارات، بما في ذلك حصص مديونية وملكية، ويقوم المصرف تدريجيا بتسجيل تلك العقارات من أجل طرحها للبيع.

ومن بين ما استثمره المصرف في ممتلكاته العقارية، نحو 3 مليارات دولار دفعها لشراء حصة 53% من شركة «أرشستون» التي لم يكن المصرف يمتلكها بالفعل، ليسد الطريق بذلك أمام محاولة شركة «إيكويتي ريزيدنشال» (التي يرأسها إمبراطور العقارات سام زيل) للاستحواذ على جزء من الشركة العملاقة المتخصصة في الشقق السكنية. أما الجزء الآخر من المبالغ التي أعيد استثمارها وهو 4 مليارات دولار فاستخدم في تسوية منازعات، أو شراء حصص مملوكة لشركاء، أو سداد الديون، أو إجراء الإصلاحات والتحسينات المطلوبة من أجل اجتذاب المستأجرين وزيادة أسعار إعادة البيع، وقد تضمن ذلك إضافات عقارية مثل الشرف المحاطة بالمناظر الطبيعية التي يقوم المصرف ببنائها على الشقق المطروحة للإيجار فوق سطح إحدى البنايات الإدارية التي تمتلكها الشركة في مدينة أوستن بولاية تكساس. وباستثناء شركة «أرشستون»، فإن المصرف يتوقع أن يحقق كل دولار يعيد استثماره في الحافظة الاستثمارية عائدات تتجاوز الدولارين، ويؤكد فيتس: «الطريقة الوحيدة لتعظيم قيمة هذه العقارات هي إنفاق الأموال وتحسينها».

وفي عام 2010 على سبيل المثال، قام مصرف «ليمان» باستثمار ما يزيد على 200 مليون دولار من أجل سداد مديونيات وتجديد 10 عقارات إدارية كان يملكها بالمشاركة مع شركة «مانداي العقارية» في منطقة روزلين التي تقع في مقاطعة أرلنيغتون بولاية فرجينيا. وعندما قام المصرف ببيع حصته البالغة 78.5% من الملكية إلى مصرف «غولدمان ساكس» في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، تم تقييم هذه الحافظة الاستثمارية التي تبلغ مساحتها 3 ملايين قدم مربع بأكثر من 1.25 مليار دولار. ويؤكد فيتس أن مصرف «ليمان» لم يكن سيحقق سوى جزء بسيط من ذلك المبلغ إذا كان قد باع هذه الحافظة الاستثمارية وقت إشهار الإفلاس عام 2008، قبل إجراء التحسينات وفي ظل أوضاع سوقية أضعف بكثير.

وعلى الجانب المقابل من حديقة «ماديسون سكوير بارك»، قام مصرف «ليمان» بإعادة هيكلة المديونية المستحقة على بناية إدارية تبلغ مساحتها 845 ألف قدم مربع كان يمتلك حصة فيها، ثم عمل مع شريكه - وهو شركة «إل آند إل هولدينغ كومباني» - على إحضار مستأجرين. وعندما تمت إعادة الهيكلة كان قد تم تأجير نسبة 45% من هذه البناية، إلا أن نسبة الإشغال كانت قد ارتفعت إلى 80% عندما قام المصرف ببيع حصة الأغلبية التي يمتلكها العام الماضي.

ويقول فيتس: «في الأيام الحالكة، لم تكن حصة ملكيتنا في تلك البناية تساوي شيئا تقريبا، وقد كسبنا الكثير عندما بعناها»، إلا أنه امتنع عن الإفصاح عن عائدات البيع. ومثل هذه العقارات التجارية ذات الموقع المتميز، عندما تكون مؤجرة بالكامل لمستأجرين يمكن الاعتماد عليهم في سداد إيجاراتها، تعرف في الأوساط العقارية بالأصول «الأساسية»، والعقارات الأساسية تجلب أسعارا أعلى من البنايات التي توجد بها مساحة شاغرة أو تلك التي تحتاج إلى استثمارات. ويتابع فيتس قائلا: «هدفنا هو الوصول بالعقار إلى المشترى الأساسي. ما زالت هناك أصول في هذه الحافظة الاستثمارية لن يشتريها المشترون الأساسيون، لكن الأصول التي تقع في العنوان 200 شارع فيفث أفينيو ومنطقة روزلين بيعت إلى مشترين أساسيين».

ويقول جيمس ميرفي، المدير الإداري التنفيذي في مكتب شركة «كولييرز إنترناشونال» للعقارات التجارية في نيويورك، إن مصرف «ليمان» أحسن فعلا بانتظار تحسن الأسعار قبل أن يحاول بيع أصوله في نيويورك، مضيفا أن متوسط سعر القدم المربع الذي تم دفعه في بنايات إدارية أساسية في وسط مانهاتن هذا العام يبلغ 741 دولارا، وهو ما زال أقل من السعر القياسي الذي تم الوصول إليه عام 2008 وقدره 947 دولارا، لكنه يوضح أن الصفقات الأخيرة لبيع البنايات الإدارية في شارع «بارك أفينيو» جعلت الأسعار تتراوح ما بين 900 دولار للقدم المربع ونحو 1100 دولار للقدم المربع، متوقعا أن يساعد حجم وموقع البناية التي يملكها المصرف في شارع «بارك أفينيو» على اجتذاب مجموعة متنوعة من المستثمرين الأساسيين. ويرى لورنس لونغوا، وهو أستاذ مشارك في «معهد شاك العقاري» التابع لـ«جامعة نيويورك»، أن العقارات ليست سوى واحد من العوامل الكثيرة التي اجتمعت لتدفع مصرف «ليمان» إلى الإفلاس، حيث يقول: «لقد كانت حقا مسألة ثقة أو مصداقية. لا أحد سيتعامل معهم تجاريا». إلا أن لونغوا أعرب عن ثقته في أن تؤدي الاستراتيجية التي ينتهجها المصرف (بانتظار تعافي السوق قبل أن يحاول تحويل أصوله إلى صورة نقدية) إلى تعاف أكبر مما كان سيحدث في حالة التصفية السريعة، موضحا: «أنا معجب بما يفعله مصرف ليمان، لأن ما يفعلونه لن يفيد في النهاية أي أحد داخل المصرف. ما زال المصرف كيانا سوف يتوقف على المدى البعيد عن العمل، والمستفيدون من كل هذا هم الدائنون».

* خدمة «نيويورك تايمز»