تهاوي أسعار العقارات يغري المغاربة بالشراء في جنوب إسبانيا

رئيس اتحاد المقاولين العقاريين المغاربة لـ «الشرق الأوسط»: وضعيتنا ليست جيدة

عقار في جنوب إسبانيا للبيع («الشرق الأوسط»)
TT

أصبح الجنوب الإسباني يستقطب الاستثمارات المغربية في المجال السياحي والعقاري، بسبب انخفاض أسعار العقارات إلى مستويات أقل من الأسعار المغربية حيث تهاوت أحيانا إلى مستويات قياسية. ويقول عبد القادر أمزان، مهاجر مغربي في إسبانيا، إن مستويات الأسعار في إسبانيا جد مغرية بالنسبة للمستثمرين المغاربة، وأشار إلى أن عددا من المغاربة استغلوا الفرصة لشراء إقامات سياحية وشقق على الشاطئ المتوسطي في جنوب إسبانيا.

ويعيش أمزان في إسبانيا مند أواسط التسعينات، حيث يعمل طباخا في مدينة «ماربيا» في المطاعم السياحية. وبسبب الأزمة أصبح أمزان يملك المطعم الذي يشتغل فيه، كما تمكن من شراء بيت فسيح بسعر مناسب. يقول أمزان «قبل 3 سنوات فقط كنت أبحث عن فرصة للاستثمار في مطعم بإحدى المحطات السياحية الجديدة التي أنشئت في جنوب الدار البيضاء. للأسف إن الأسعار التي عرضت علي كانت باهظة، لكن اليوم استطعت أن أحقق حلمي في إسبانيا وبسعر يقل كثيرا».

بيد أن ما يجعل هذا الاستثمار عرضة للمخاطر، أن القطاع السياحي الإسباني يمر بظروف صعبة. وحرص عبد القادر أمزان على اصطحاب زوجته في المطعم. ويقول بشأن هذه المبادرة: «قررت تشغيل زوجتي لاقتصاد أجرة عامل إضافي في انتظار أيام أفضل. وعلى الرغم من الأزمة أنا سعيد للنتائج التي حققناها خلال هذا الصيف، أمامنا الآن شتاء بارد وراكد. لكن مدخول الصيف كاف لسد حاجياتنا وإدخال بعض الإصلاحات على المطعم استعدادا للصيف المقبل». يقول أمزان بشأن البيت الذي اشتراه إنه كان رخيصا جدا، وحسب تقديره فإن السعر الذي اشترى به يعادل نصف سعر منزل بالحجم نفسه في المغرب. ويعتقد أمزان أن سبب انخفاض أسعار العقار في إسبانيا مرده إلى عدم قدرة عدد من المستثمرين الوفاء بالتزاماتهم البنكية. ويوضح قائلا: «كثيرون لم يعودوا قادرين على أداء أقساط القروض بسبب الأزمة. لذلك تلجأ المصارف إلى حجز البيوت والشقق وعرضها للبيع بهدف تحصيل ما تبقى في ذمة المالكين من ديون، ونظرا لضعف العرض فإن الأسعار التي يتم بها بيع هذه العقارات غالبا ما يعادل المبلغ المتبقي من القرض».

لكن ليس جميع المغاربة المهاجرين شكلت الأزمة فرصة بالنسبة لهم للاستثمار في سوق العقارات، إذ إن هناك من انعكست عليه الأزمة بصورة سلبية. ظل محمد الحسناوي، يمارس مهنة الطباخ لسنوات في مدينة «سيت» جنوب فرنسا، وأصبح الآن يعمل نصف دوام فقط بسبب الأزمة، ذلك أن صاحب المطعم الذي يعمل فيه الحسناوي طباخا انخرط في برنامج حكومي لمواجهة الأزمة، تعهد بموجبه صاحب المطعم بتشغيل العمال بنصف دوام مقابل نصف أجرة، على أن تؤدي الحكومة الفرنسية تعويضات عن النصف الآخر من الشهر عن طريق هيئة دعم العاطلين. وبدل شراء منزل فسيح وجد الحسناوي نفسه مضطرا لتغيير الشقة التي يسكنها بشقة أصغر وبإيجار أقل.

ويقول يوسف بن منصور، رئيس اتحاد المقاولين العقاريين المغاربة، لـ«الشرق الأوسط» إنه يصعب الحديث عن تأثير مباشر لأزمة العقارات في إسبانيا على القطاع العقاري المغربي، ويقول ابن منصور في هذا الصدد: «لا توجد أية دراسة يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال، لذلك أتحفظ في الحديث عن تداعيات الأزمة العقارية في إسبانيا على قطاعنا العقاري، التأثير الذي لمسناه للأزمة المالية في إسبانيا هو تراجع إقبال المغاربة المهاجرين على الاستثمار في العقارات بالمغرب بسبب انعكاسات الأزمة على أوضاعهم، فهم لم يأتوا هذه السنة (خلال موسم العطلات) ولم يشتروا عقارات».

ويرى ابن منصور أن وضعية القطاع العقاري في المغرب خلال الشهرين الماضيين لم تكن جيدة، لكنها لم تكن أيضا كارثية، ويضيف: «بالنسبة للسكن الاجتماعي هناك رواج كبير، المشكلة الوحيدة التي يواجهها المنعشون العقاريون هي أن يحترموا مواعيد التسليم. لكن بالنسبة للعقار الموجه للأسر المتوسطة، هناك مشكلة، لأن أسعار العرض باهظة وغير ملائمة لأوضاع الفئات المتوسطة. وهناك أزمة حقيقية في العقار الفاخر خلال الثلاثة سنوات الأخيرة، خاصة في مراكش وطنجة، حيث تراجعت أسعار العقار الفاخر بنحو 25 إلى 30 في المائة في الأشهر الأخيرة. وتراجعت أسعار العقار الفاخر في جميع المدن باستثناء الدار البيضاء التي يوجد فيها طلب قوي وضعف كبير في العرض».

ويرى ابن منصور أن السبب الرئيسي في غلاء العقارات في المغرب، خاصة السكن المتوسط مرده إلى الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي في السنوات الماضية. أما أزمة العقار الفاخر ناتجة عن كثرة العرض الذي كان موجها للمستثمرين الأجانب، وتخلف هؤلاء المستثمرين عن الموعد بسبب الأزمة المالية العالمية.

وأشار ابن منصور إلى أن المنعشين العقاريين يناقشون مع الحكومة إطلاق عرض خاص موجه إلى الفئات المتوسطة، على غرار السكن الاجتماعي الموجه للفئات ذات الدخل المحدود. وأشار إلى أن العرض الجديد سيكون بسعر منخفض مقارنة مع الأسعار العادية، لأنه سيكون مدعوما من طرف الحكومة، وستتراوح مساحات الشقق بين 80 و120 مترا مربعا. وأضاف أن الأسعار لم تتحدد بعد، لكن هناك اقتراح لاعتماد أسعار جهوية حسب خصوصية كل منطقة. وأشار إلى أن القطاع العقاري المغربي يعول على هذا العرض الجديد من أجل إعطائه دفعة قوية، مشيرا إلى أن الإحصائيات تقدر النقص في هذا النوع من السكن بنحو 40 ألف شقة.