السعودية: محطات قطار مكة المكرمة ترفع الأمتار المقدسة في أغلى المواقع عالميا

المدينة الملتهبة عقاريا تواجه ارتفاعاتها المتواصلة وسط منظومة تطويرية متكاملة

تعتبر مكة المكرمة واحدة من أنشط أسواق العقارات في العالم، والتي تشهد صفقات على مدار السنة («الشرق الأوسط»)
TT

قال خبراء عقار إن وجود منظومة نقل القطارات لمسارات مترو مدينة مكة المكرمة والمتضمن إنشاء عدة محطات لقطار في العاصمة المقدسة، ستساهم بشكل مباشر في تأجيج أسعار العقارات الملتهبة في الأصل، مؤكدين أن تلك الأسعار أصبحت خارج المعدلات الطبيعية.

وتخطط الحكومة السعودية لإنشاء شبكة القطارات «المترو» في مكة المكرمة، وذلك بعد أن أقرتها الحكومة في نهاية شهر رمضان، أغسطس (آب)، الماضي بتكلفة تبلغ 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار) تنفذ على ثلاث مراحل حسب ما وصف الدكتور أسامة بن فضل البار، أمين العاصمة المقدسة في ذلك الوقت.

وستغطي الشبكة بالكامل مدينة مكة المكرمة، حيث إنها مكونة من أربعة خطوط مترو، يصل مجموع أطوالها بعد اكتمالها إلى 182 كيلومترا و88 محطة، وهي بذلك تغطي مناطق التنمية الحالية والمستقبلية حسب المخطط الهيكلي لمكة المكرمة.

وقالت مصادر مسؤولة في العاصمة المقدسة، إنه سيتم إنشاء شبكة القطارات في أنفاق تحت الأرض ضمن المنطقة المركزية بطول 35.6 كيلومتر وعدد 21 محطة، وعلى جسور معلقة خارجها لبقية الشبكة بطول 146.1 كيلومتر وعدد 67 محطة.

وذكرت المصادر، أن الدراسات الفنية الخاصة بالمخطط الشامل للنقل العام في مكة المكرمة (قطارات – حافلات)، قد تم إنجازها من قبل هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بالتعاون مع شركة «البلد الأمين» للتنمية والتطوير العمراني الشركة المملوكة بالكامل لأمانة العاصمة المقدسة.

من جهته قال علي الفهمي، صاحب مجموعة الفهمي للاستشارات العقارية، إن العاصمة المقدسة ستشهد ارتفاعات غير مسبوقة وستعمل لخلق بؤر عقارية جديدة من شأنها أن تلهب مناطق بعيدة على امتداد طريق الليث - مكة. وأشار الفهمي إلى أن العقارات في العاصمة المقدسة مرشحة للارتفاع المستمر للعشرين سنة القادمة من دون توقف، معزيا ذلك إلى أن الخطط التطويرية المزمع إقامتها في مكة المكرمة من شأنها أن تصنع ارتفاعات متواصلة.

وزاد صاحب مجموعة الفهمي بالقول: «القاعدة العقارية في مكة لا يمكن تطبيقها على أي مكان خارجها، هناك مشاريع ضخمة تقام، ومناطق إزالة واسعة، وخطوط قطارات كل تلك من أنها أن تحدث الفارق كثيرا».

وتعتبر مكة المكرمة من أنشط الأسواق العقارية في السعودية - صاحبة أكبر اقتصاد عربي - في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على منظومة تطوير متكاملة تهدف لخدمة زوار العاصمة المقدسة، من خلال مشاريع خادم الحرمين الشريفين لتوسيع الحرم المكي الشريف، إضافة إلى زيادة الطلب على العقارات خارج المنطقة المركزية بعد تنظيم العشوائيات التي تحيط به من قبل مشاريع تلك المنظومة، والتي تجلت في مشاريع أبراج البيت، يتبعها مشاريع جبل عمر وغيره من المشاريع المقبلة.

من جهته قال إبراهيم سقاط، عضو لجنة التقديرات العقارية لـ«الشرق الأوسط»، إن مشروع القطارات يستهدف مدينة تعاني من الأساس من قلة في أعداد المخططات مقارنة بكمية الطلب، وذلك إنشاء المشاريع الكبيرة والضخمة في مكة المكرمة من شأنه أن يلهب المنطقة عن بكرة أبيها وأن تملك المسكن فيها ليس من الأمور السهل عملها.

وأشار سقاط إلى صعوبة التكهن بما تومئ به المؤشرات العقارية مستقبلا معتبرا أنها فتحت كل الأبواب على مصراعيها، ومشيرا إلى أن الأسعار في جميع مخططات وأحياء مكة ترتفع بشكل تدريجي وسريع، حتى في مناطق جنوب وشرق الخط الدائري.

وأضاف: «أعمال الإزالة الحاصلة في أحياء مكة لها تأثير كبير في زيادة الأسعار، ووصول سعر المتر إلى 20 ألف ريال (5333 دولارا) في بعض المناطق التي ستزال لصالح مشروعات الطرق والقطار، رغم بعدها عن المسجد الحرام».

من جهته قال خالد الحربي، أحد المستثمرين العقاريين في داخل الحرم إنه تم الانتهاء من الدراسات التفصيلية والاستراتيجية للمشروع الذي سيكون تمويله مناصفة بين الدولة والقطاع الخاص، وستقوم شركة فرنسية بمد مسارين في المرحلة الأولى أولهما من المشاعر المقدسة إلى الحرم الشريف، والثاني يربط طريق الليث بالحرم الشريف، بتكلفة 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار)، وهو خبر يعد بمثابة الانطلاقة الكبرى لإشعال أسعار العقارات.

وقال الحربي: العاصمة المقدسة مسار استثنائي تتفوق عقاريا نظير التصاقها بالكسب الاقتصادي السريع، حيث من الممكن في ظرف ساعة واحدة أن تكسب 300 ألف دولار، إذا رغبت في عملية البيع، حيث تشهد معظم أحياء مكة ارتفاعا ملحوظا في أسعار العقار والأراضي النظامية، نظير الإزالات بهدف المشاريع التنموية، التي أدت إلى ارتفاعها بشكل كبير جدا.

وأوعز الحربي السبب لما سماه بالمضاربات، مبينا أنها هي السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار العقار في مكة والمناطق المجاورة، وتسهم في بروز خلل في سير عجلة التطوير العقاري والعمراني، مشيرا إلى اعتماد مستثمرين لحركة الأسعار المتموجة، مستشهدا بما حصل من ارتفاعات في الشوقية، حيث وصل سعر الأرض إلى مليون دولار، وينتج عن ذلك أن صاحب الأرض المنزوعة لا يتسنى له شراء أرض بديلة أو استثمارها، كون معظمهم من ذوي الدخل المحدود.

وزاد الحربي بالقول: «يتجه أصحاب العقارات إلى الاستفادة من التعويضات في شراء عقارات جديدة أو أراض وبناء مساكن عليها، مؤكدا في الوقت ذاته أن مكة المكرمة هي المحرك الرئيسي لقطاع العقار في المملكة بعدما اتجهت الكثير من الشركات العقارية إلى الاستثمار في هذه المدينة المقدسة خاصة في مجال إنشاء الأبراج السكنية لإسكان الحجاج والمعتمرين الذين يفدون سنويا إلى مكة المكرمة.

وقال الحربي: «إن المدينة المقدسة تستقطب استثمارات عقارية ستبلغ 200 مليار ريال (53 مليار دولار) خلال عامين، منها مبلغ كبير لأغراض تطوير قطاع النقل وتوسيع المرافق، حيث لفت تقرير المزايا القابضة أن جملة من المشاريع التطويرية يجري الإعداد لتنفيذها في مكة المكرمة ومنها مشروع مترو مكة والذي رصد له نحو 20 مليار ريال لتنفيذ المرحلة الأولى لشبكة القطارات داخل مكة المكرمة، في وقت تبلغ المشاريع القائمة الحالية مستوى 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) حسب تقديرات رسمية.

يذكر أن مكة المكرمة تشهد نموا متسارعا في عدد السكان، ويتوقع أن يتضاعف ليصل إلى نحو 3 ملايين نسمة خلال 20 عاما، في الوقت الذي تواجه عملية النمو العمراني عوائق طبوغرافية في المدينة، نظرا لصعوبة طبيعة تضاريسها الجغرافية، إذ تحيط بها الجبال العالية من كل جانب، مما يحصر الحركة المرورية في محاور رئيسة محدودة، الأمر الذي يجعل مشروع النقل العام بالقطارات، والحافلات المكملة لها، أحد الحلول الاستراتيجية لمجابهة تحديات النمو وسد العجز الذي يعتري منظومة النقل العام في المدينة.