شركات العقار تتوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي

شبكات التواصل توفر العديد من الفرص.. والمخاطر

TT

ما زالت شركات العقار تعتمد على النشرات الورقية ومواقع الإنترنت والإعلانات في تسويق عقاراتها، ولكن البعض منها يتوجه الآن إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها، من أجل التعريف بالعقارات وتوثيق الصلات بينها وبين جمهورها وبناء حوار فعال حول أداء مكاتبها، وذلك من دون تكلفة مالية كبيرة أو قضاء الكثير من الوقت في إدارة مواقع الشركة. ونجح العديد من الشركات في هذه المهمة، لكن بعضها عانى من مشاكل كادت تتحول معها منافذ التعريف بالشركة إلى مواقع للهجوم عليها.

وتقول الشركات ذات الخبرة في هذا المجال إن على الشركات الراغبة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أن ترسم لنفسها استراتيجية واضحة قبل خوض التجربة. فعليها مثلا تحديد القواعد والأصول في المحتوى الذي تريد أن تبثه وعبر أي قنوات، وهوية الأشخاص المخول لهم التعامل مع ردود الفعل والاستجابة الفورية لها. كما يتعين على الشركات أيضا تحديد ميزانية للتعامل مع شبكات التواصل لأن حجم الاستجابة وردود الفعل قد يكون أكبر من قدرة فريق الموظفين العاديين في التعامل معها. ففي اللحظة التي يظهر فيها المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي تفقد الشركة السيطرة على مدى وكيفية انتشاره.

ويأتي الخطر هنا من جماعات من المشترين أو الفاعلين في السوق لا تكون الشركة على علم بحاجاتهم أو مشاكلهم أو توقعاتهم، لتواجه من حيث لا تعلم حملة هجوم عنيفة عبر شبكات تواصل ومجموعات مستخدميها. ويقول خبير العقار الألماني يورغ فون ديتفورث من شركة «ديلويت آند توش» إن هذه هي فقط بعض الأخطار التي تواجه الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن الفوائد كثيرة أيضا، حيث ينظر مستخدمو الشبكات إلى معلومات الشركات على أنها معلومات رسمية منها ويتم التعامل معها على هذا الأساس. ويضع هذا على شركات العقار مسؤولية جسيمة بألا تنشر أي معلومات مغلوطة أو ناقصة على مواقعها، حيث لا توجد فرص لإصلاح الخطأ قبل وقوع الضرر. فحتى الرد المقتضب غير المتعاطف مع المستخدمين يمكن أن يستخدم ضد الشركة وتتحول حملات التسويق إلى كوارث علاقات عامة.

وتوضح شركة «أنغل آند فولكر» العقارية فوائد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عبر فروعها في أوروبا وأميركا وجنوب أفريقيا، فالشركة منحت فروعها حق بث المعلومات المناسبة عن أسواقها على مواقع التواصل الاجتماعي من دون العودة إلى المقر الرئيسي للشركة في هامبورغ. وتقول الشركة إنها استفادت من عدد هائل من المتابعين لمواقعها من دون أي جهد يذكر من مكتبها الرئيسي أو موظفيها. ولا تكتفي الفروع بعرض فرص العقار المتاحة لديها وإنما تتعامل مع المواقع من وجهة نظر اجتماعية لنشر أخبار الأحداث المحلية والمهرجانات وكل ما يهم المواقع المحلية التي تعمل فيها.

وهذا الأسلوب المفتوح للتعامل مع المواقع يوفر المزيد من الابتكار من الفروع لجذب المزيد من الانتباه. وتوجد للشركة الآن 250 صفحة على «فيس بوك»، تعرض معلومات عن كل نشاطات الفروع، وعليها معلومات عن 2300 من موظفي الشركة الذين يمكن الاتصال بهم في أي وقت. وترى الشركة أن هذا الأسلوب يوفر لها حضورا دوليا على الشبكات الاجتماعية من دون جهد يذكر من إدارتها.

وتستخدم شركة «يونيون إنفستمنت» الاستثمارية مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بالعقارات التي تلتزم بأحدث معايير البيئة، كما تستخدم «تويتر» للتعريف بالوظائف الشاغرة لديها وتوجيه القراء إلى مواقعها على الإنترنت. وتستغل الشركة قدرات مواقع «يوتيوب» في تصوير مراحل العمل في أحدث مشاريعها وعرض مراحل التنفيذ لطمأنة المستثمرين بأن المشروع يسير على الخطوات المرسومة له وأنه سوف يكتمل في الموعد المحدد. ولجأت شركة فرنسية إلى استخدم عازف بيانو شهير لتقديم مقطوعة بيانو على سطح عقار جديد انتهت من تصميمه وبنائه لجذب الاهتمام على «يوتيوب».

وترى شركات عقار أخرى أن الهدف الأساسي من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو بداية حوار مع زبائنها ومستثمريها حول خيارات المستقبل. وتشرك الشركات هذه المجموعات الاجتماعية في قراراتها عن طريق الحوار وتوجيه استشارات لها حول تنفيذ مشروعات بيئية قد تكون تكاليفها أعلى من العقارات العادية لكنها تجذب المزيد من الاهتمام وتوفر إيجارات أعلى في المستقبل.

وفي حالة شركة «يونيون إنفستمنت»، نشرت الشركة كتيبا لموظفيها حول أصول التعامل على مواقع الإنترنت ونصائح حول كيفية معالجة مواقف معينة، بالإضافة إلى قواعد قانونية حول استخدام الصور والمقالات ومحتويات المواقع الأخرى. وتوفر الشركة الدعم الفني لأقسامها في التعامل مع الإنترنت من حيث توفير اللقاءات مع أعضاء إدارتها وإتاحة الرسوم الفنية الغرافيكية لتوضيح وضع الشركة المالي والاقتصادي. وبين الحين والآخر تعقد الشركة ندوات لموظفيها توضح لهم أن عرض الصفحات عن الشركة يجب أن يكون متكاملا وبنفس المستوى من كل الفروع، وإذا لم يكن كذلك فمن الأفضل حذف الصفحات.

وتوجه شركات العقار جل اهتمامها إلى الاستجابة لتعليقات رواد المواقع الاجتماعية خصوصا التعليقات السلبية التي لا يجب أن تمر من دون رد مقنع من الشركة. ولا تكتفي الشركات بالرد وإنما تربط بين مواقع التفاعل الاجتماعي وإدارات خدمة العملاء، بحيث يمكن لهذه الإدارات حل أي مشاكل عملية يرفعها زبائن الشركة على مواقعها الإلكترونية.

والمهم في كل الأحوال ألا تكتفي الشركات بالرد النظري، وإنما تعمل على حل المشاكل العملية. ويوضح فون ديتفورث من شركة «ديلويت» أنه لو تلقت الشركة شكوى عبر «تويتر» أو «فيس بوك» حول عدم نظافة مرأب مبنى تجاري مستأجر، فلا يكفي الاعتذار عن الوضع وإنما أيضا إرسال من ينظف المرأب لمنع تكرار شكوى المستأجرين. ولذلك لا بد من الارتباط القوي بين المشرفين على مواقع التواصل الاجتماعي في الشركات وأقسام الخدمات المختلفة داخل هذه الشركات.

وتنبع أهمية مواقع التواصل الاجتماعي من أنها تصل إلى ملايين المتابعين. ولعل وصول «فيس بوك» إلى رقم مليار مستخدم حول العالم مؤخرا يكفي للدلالة على أهمية هذه المواقع، ليس فقط لمستخدميها وإنما أيضا للشركات التي تبحث عن فرص تسويقية. وقد تعرفت شركات مثل «نايكي» الرياضية وشركات العطور الفرنسية والأدوات الكهربائية العالمية والسيارات الألمانية على فرص التسويق المتاحة، وصممت لذلك حملات تسويقية متكاملة على هذه المواقع.

ومن الشركات الناجحة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي شركة «بي إن بي باريبا» العقارية الفرنسية التي تتبع بنكا يحمل الاسم نفسه. فالشركة تجيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ويدير البنك الفرنسي أكثر من ألفي حساب «تويتر»، ويأتي لمتابعة صفحاته على «فيس بوك» نحو 120 ألف شخص يوميا.

ولا تتخلف شركات العقار العالمية عن الركب، فهناك حسابات «تويتر» و«لنكد إن» و«زينغ» لأسماء عالمية في عالم العقار مثل «ريتشارد إيليس» و«جونز لانغ لاسال» و«سافيلز» و«نايت فرانك». وهناك آلاف من المتابعين (فولورز) الذين يتلقون هذه المعلومات على هواتفهم الجوالة على مدار الساعة.

ويقول خبير الاتصالات ايوالد فيسلنغ إن من الضروري لشركات العقار أن توجد على هذه المواقع من أجل التواصل مع الجيل الجديد، كما أن جيل الموظفين من صغار السن يوجد على هذه المواقع ويستخدمها أحيانا للبحث عن حلول لمشاكل عملية بدلا من الأسلوب القديم لسؤال مديري الأقسام.

وعن كيفية تجنب الدعاية السلبية التي يمكن أن تنتج عن ردود الفعل السلبية للمعلومات المنشورة عن الشركة، يقول فيسلنغ إنه على الشركات أن تحدد الموضوعات التي تريد أن تتناولها علنا وتلك التي يجب التعامل معها داخل الشركة. وليست هناك معادلة واحدة للتعامل مع استراتيجية الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن معظم الشركات تحتاج إلى النصيحة قبل الانطلاق نحو عالم الواقع الافتراضي. ويجب تحليل جدوى هذا الوجود على فترات وتحديد أهداف الوجود ونوعية المواقع التي يجب الوجود عليها.

ويضيف فيسلنغ أن على الشركات أن تجيب عن التساؤلات سواء على «فيس بوك» أو «تويتر»، وأن تحاول أن تستخدم هذا المجالات بطريقة إيجابية. ويجب على الشركات أن تستمتع جيدا، وأن تأخذ محتوى هذه الوسائط على محمل الجد، وإذا كانت هناك أخطاء أن تعالجها على الفور ولا تتهرب منها. وتتكفل استراتيجية الوسائط الاجتماعية التي سبق للشركات وضعها قبل دخول هذا المجال بحل كل الصعوبات، من كيفية الإجابة عن التساؤلات وهوية من يجيب عنها. ولا بد للشركات أن توفر بعض الموارد لهذا الغرض تستخدم في حالات وقوع أزمة يتعين التعامل معها على وجه السرعة.

ويختلف استخدام الشركات لوسائط التواصل الاجتماعي من دولة لأخرى، وتشير أبحاث التوزيع الجغرافي لاستخدام الوسائط الاجتماعية في العالم إلى أن شركات العقار الأميركية تقع في مقدمة ركب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تستخدمها نسبة 46 في المائة من جملة الشركات، تتبعها بريطانيا بنسبة 43 في المائة، ثم كوريا الجنوبية بنسبة 40 في المائة. وتأتي بعد ذلك فرنسا وإسبانيا وألمانيا وتركيا واليابان، ثم الصين، وأخيرا في الموقع العاشر الهند بنسبة 12 في المائة.

لكن هل يكفي استخدام وسائط التواصل الاجتماعي للتفرقة بين الشركات على أساس النجاح والفشل؟ يقول بحث أجرته جامعة هارفارد (منشور على الإنترنت) إن هناك 79 في المائة من الشركات أكدت أنها إما تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي أو تفكر في استخدامها قريبا. ولكن بسؤال الشركات اتضح أن نسبة 12 في المائة فقط تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بفعالية، بينما النسبة الباقية، أي 88 في المائة من الشركات، تشارك في هذه المواقع فقط من أجل المشاركة. وتشمل المشاركة الفعالة جوانب مراقبة التوجهات العامة بين المستخدمين والبحث عن وسائل جديدة لتحسين السلع والخدمات التي تقدمها الشركات بناء على نتائج الدراسات التي تجريها على شبكات التواصل الاجتماعي.

وقسم البحث الشركات المشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي إلى ثلاث فئات: المشاركة بفعالية، والشركات التي تحاول قدر إمكاناتها، والشركات غير الفعالة بالمرة. وفي الفئة الأولى قالت الشركات إن مواقع التواصل الاجتماعي تعد جزءا مهما من استراتيجية التسويق بوجه عام، وإن استخدام هذه المواقع يعتبر خطوة تكتيكية وليست استراتيجية، وإن الوجود على هذه المواقع يحظى بأولوية عالية في الشركات. وبالمقارنة قالت الشركات غير الفعالة إنه من الصعب تقييم فائدة المواقع الاجتماعية لفائدة الشركة، وإن هذه المواقع ليست مهمة لأهداف الشركة وتطلعاتها، وأخيرا إن مواقع التواصل الاجتماعي ليست إلا موضة عابرة سرعان ما سوف تتوارى عن الأنظار. أما الشركات بين النقيضين فقالت إن استخدام وسائط التواصل الاجتماعي سوف يزيد في المستقبل، وإن الشركات تريد أن تتعلم بسرعة هذا المجال، لكن استخدام هذه المواقع بكثافة لن يتم حتى تتضح فوائدها في قطاع الأعمال.

واعترفت نصف الشركات تقريبا، من نحو ألفي شركة شملها البحث، بأن التحدي الذي يواجهها هو معرفة فوائد مواقع التواصل الاجتماعي للشركة، بينما قالت ثلث الشركات إن الصعوبة الأساسية هي ربط استخدام هذه المواقع بالوضع المالي للشركة من حيث العوائد على الاستثمار. ومن التحديات الأخرى التي واجهت الشركات: إقناع العاملين فيها بأهمية الوجود على مواضع التواصل الاجتماعي، وتدريب الموظفين على التعامل مع هذه المواقع، والاستجابة السريعة للقضايا التي يثيرها المشاركون في هذه المواقع.

وتختلف الشركات أيضا في مسألة التعامل مع الوجود على شبكة التواصل الاجتماعي، من حيث الأقسام المسؤولة فيها عن هذا الوجود. فنحو الثلثين من الشركات المشاركة في بحث هارفارد أحالت هذه المسألة إلى أقسام التسويق فيها، بينما أحالت شركات أخرى هذه المهمة إلى أقسام الاتصالات أو العلاقات العامة أو قسم الكومبيوتر، أو المبيعات أو خدمة العملاء. ولم تستخدم موظفين جددا للتعامل مع هذا المجال الجديد سوى نسبة 12 في المائة فقط من الشركات. واعترفت نصف الشركات بأن الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي زاد من حضورها في السوق، وأضافت أنها تعتزم الاستمرار في تسويق منتجاتها وخدماتها على هذه المواقع.