أسعار العقارات تعود للهدوء في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية

بعد فورة تضاعفت فيها أثمان الشقق 6 مرات خلال العقد الماضي

ريو حيث الطبيعة والتجارة تجذبان المستثمرين
TT

تعمل سمسارة العقارات «لوسيو فارو» بجد في الوقت الراهن، فعلى مدار الثلاث سنوات الماضية كانت فارو تتلقى كما هائلا من المكالمات الهاتفية من العملاء الذين يرغبون في شراء شقق في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية الساحلية والتي ستستضيف دورة الألعاب الأوليمبية عام 2016 وبعض مباريات كأس العالم 2014 الذي تستضيفه البرازيل، أما الآن فتغيرت الصورة كليا وأصبحت هي من تتصل لدعوة العملاء وتستخدم الأربعة هواتف التي لديها معظم فترات اليوم في الاتصال بهم وتنظم لهم جولات ورحلات لرؤية العقارات التي تود تسويقها، علاوة على إطلاق حملة إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف جذب عملاء جدد. وذلك حسب تقرير مطول نشرته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية.

وتقول فارو، والتي تقوم ببيع شقق في شاطئ بارا دا تيتوكانيبورهود الساحلي في مدينة ريو دي جانيرو منذ خمس سنوات: «كان المشترون يتدفقون بصورة كبيرة قبل فترة ليست بالطويلة، أما الآن فيتعين علي أن أبحث عنهم وأن أقدم بعض المزايا الإضافية حتى أقنعهم بشراء الوحدات السكنية». وتعد مدينة ريو دي جانيرو، التي تقع على شريط ضيق من الأراضي الخصبة بين التلال التي تغطيها الغابات والمحيط الأطلسي، واحدة من أغنى أسواق العقارات في العالم؛ حيث قفزت أسعار شراء وإيجارات الشقق في الأحياء الراقية في المدينة ستة أضعاف خلال العقد الماضي، وهو ما جعل أسعار العقارات في ريو دي جانيرو تماثل أسعار العقارات في نيويورك وباريس، حسب البيانات الصادرة عن رابطة «سيكوفي» التي تضم وكالات العقارات البرازيلية.

وقد عزز اكتشاف النفط بكميات كبيرة في المياه العميقة عام 2008 من الطلب على المساحات السكنية والمكتبية، علاوة على أن الإعلان عن فوز مدينة ريو دي جانيرو بتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية عام 2016 قد دفع المدينة لبناء الكثير من العقارات؛ حيث سارع المسؤولون الحكوميون إلى مضاعفة طاقة الاستيعاب الفندقية ومد خطوط مترو الأنفاق وتجديد المطارات.

وفي الوقت نفسه، أدى زيادة الطلب العالمي على المنتجات البرازيلية، والطفرة الكبيرة التي شهدها مجال النفط، إلى خلق طبقة وسطى جديدة تسعى لشراء المنازل التي تعيش فيها، كما سهلت المصارف من شروط ومتطلبات الرهن العقاري.

ولا يمكن لأحد أن يدعي أن هذه الطفرة قد توقفت، ولكن سوق العقارات بدأت تهدأ وتفتر بعض الشيء، وتباطأ حجم الإقراض العقاري ووصل إلى أدنى مستوى له في شهر يوليو (تموز) الماضي، منذ عامين ونصف العام.

وقال مارسيو جويديس، وهو رئيس قسم الاستثمار المصرفي في مصرف «صافرابانكو دي أنفستمنتو»: «من غير المتوقع أن نرى خلال الأشهر الستة المقبلة نفس الحيوية والنشاط اللذين كانا يشهدهما سوق العقارات على مدى الخمس سنوات الماضية».

ويعد تباطؤ النمو الاقتصادي أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك؛ حيث بلغ معدل النمو 1.6 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وسط طلب ضعيف على الصادرات، مقابل 2.7 في المائة عام 2011 و7.5 في المائة عام 2010. ويعد معدل النمو البرازيلي هو الأبطأ بين دول مجموعة «البريك» التي تضم روسيا والهند والصين، إلى جانب البرازيل.

وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 2.9 في المائة في شهر يوليو (تموز) مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، علاوة على أن مؤشر «بوفسبا» البرازيلي، الذي كان قد قفز بنسبة 84 في المائة خلال الفترة بين الأول من يناير (كانون الثاني) 2009 والحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) 2010، قد ارتفع بنسبة تصل إلى 4.35 في المائة خلال العام الحالي بدءا من الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول). ونتيجة لذلك، بدأت الآثار السلبية تنعكس على المستهلكين البرازيليين، الذي كانوا قد استفادوا من الارتفاع الهائل في الإقراض المصرفي؛ حيث وصل حجم التعثر في القروض الشخصية إلى 7.9 في المائة في شهر أغسطس (آب)، ليكون الأعلى خلال 30 شهرا.

تزامنت الطفرة العقارية التي شهدتها مدينة ريو دي جانيرو مع صعود البرازيل كمركز تجاري عالمي. ينسب الفضل للرئيس السابق فرناندو هنريك كاردوسو في تمهيد الطريق أمام البرازيل لتحقيق تلك الطفرة؛ حيث قام في عام 1995 بفتح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية وترويض التضخم الذي ظل مستشريا في البلاد لعقود طويلة. ثم أدى اكتشاف المليارات من براميل النفط قبالة السواحل البرازيلية خلال فترة حكم الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى تأسيس المئات من الشركات الجديدة التي تعمل في مختلف القطاعات، بداية من الإنشاءات وحتى إدارة الأصول، سواء في ريو دي جانيرو أو ساو باولو. جلبت هذه الشركات معها المديرين التنفيذيين والعاملين في مجال الخدمات الذين كانوا في حاجة كبيرة للحصول على أماكن للعمل والإقامة.

أعلنت شركة «باسيفيك إنفستمنت مانجمنت كومباني» (بيمكو)، التي تتخذ من مدينة نيوبورت بيتش بولاية كاليفورنيا مقرا لها والتي تعد واحدة من كبريات شركات إدارة صناديق السندات في العالم، في شهر أبريل (نيسان) الماضي أنها ستقوم بافتتاح أولى مكاتبها في أميركا اللاتينية في ولاية ريو دي جانيرو في شهر سبتمبر (أيلول).

وفي هذه الأثناء، تقوم شركة «نيسان موتورز»، التي يقع مقرها في مدينة يوكوهاما اليابانية، وشركة «بيجو سيتروين»، التي تتخذ من باريس مقرا لها، بتوسعة أنشطتهما الحالية في ولاية ريو دي جانيرو، بينما قامت شركة النفط البريطانية العملاقة «بريتيش بتروليوم» بزيادة أعداد موظفيها في ريو دي جانيرو وتخطط للانتقال إلى مكاتب أكبر مساحة عقب تمكنها من شراء حق التنقيب على النفط قبالة السواحل البرازيلية في عام 2011.

كان رون رادنيك شاهد عيان على الطفرة التي شهدتها المدينة، والهدوء الذي حدث مؤخرا في أسعار الإيجارات في أرقى أحياء ريو دي جانيرو. يمتلك رادنيك، الذي نشأ في ولاية شيكاغو الأميركية، شركة «فوكال بوينت ريلوكاشن سيرفيس» التي تقدم خدماتها للأجانب الذين ينتقلون إلى البرازيل للعمل في صناعة النفط. وفي شهر أغسطس (آب)، قام رادنيك بتأجير شقة بمساحة 330 متر مربع (3550 قدم مربع) في حي ألتو ليبلون الساحلي في مقابل 19.000 ريال برازيلي (9.300 دولار) في الشهر.

يقول رادنيك: «منذ خمس سنوات فقط، كان إيجار مثل هذه الشقة يكلف نحو 11 أو 12 ألف ريال برازيلي في الشهر»، مضيفا: «هناك بعض الشقق التي لا يستطيع حتى الأثرياء استئجارها نظرا لأسعارها الباهظة».

تحتل ريو دي جانيرو المرتبة الـ13 في قائمة أغلى مدن العالم بالنسبة للوافدين، وذلك وفقا لمسح أجرته شركة «ميرسير» للاستشارات في شهر يونيو (حزيران)، بينما تحتل مدينة ساو باولو المرتبة الـ12، مما يجعلها أغلى مدينة بالنسبة للوافدين في الأميركيتين.

يقول رادنيك إن الأسعار تشهد فترة انخفاض في الوقت الراهن حتى في أرقى أحياء ولاية ريو دي جانيرو، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال يعد من الصعب على الوافدين العيش في المدينة. ففي شهر أغسطس الماضي، كان هناك زوجان يبحثان عن شقة حديثة بمساحة 150 مترا مربعا في منطقة إبانيما، أكثر المناطق الشاطئية شهرة في مدينة ريو دي جانيرو، وكانا مستعدان لدفع ما يصل إلى 8.000 ريال في الشهر، ولكنهما لم يتمكنا من العثور على مرادهما. يقول رادنيك: «لا وجود لمثل هذه الأسعار في إبانيما أو في ليبلون». ولكن الخبر السار بالنسبة للشركات التي تنتقل إلى مدينة ريو دي جانيرو هو انخفاض أسعار المساحات المكتبية، والتي هبطت بمعدل 3.2 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالربع الأول من العام نفسه، وفقا لدراسة أجرتها شركة «كوليرز إنترناشيونال يو كيه» للسمسرة والتي شملت 53 بناية في ست مناطق مختلفة.