السعودية تقر تشريعات تعاقب «التستر العقاري» في العاصمتين المقدستين

يتسبب في خسارة 10 مليارات دولار سنويا للاقتصاد السعودي

السعودية تقر تشريعات جديدة لتغريم المتحايلين على عمليات البيع والشراء لغير السعوديين (تصوير: أحمد حشاد)
TT

أقرت السعودية عقوبات مالية على المتسترين على مشتريات الأجانب في العاصمتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويستخدم الأجانب السعوديين في تنفيذ مشتريات في هذه الأماكن المقدسة التي يهوي إليها الناس من كل بقاع العالم. وقدرت مصادر الخسائر التي تلحق بالاقتصاد السعودي بنحو 10 مليارات دولار سنويا جراء استثمارات واسعة تحت غطاء السعودة في العاصمتين المقدستين اللتين تعدان من أغلى العقارات عالميا، وتستضيف المدينتان ما يزيد على 900 فندق مصنف.

وحسم مجلس الشورى السعودي متمثلا في دائرة نظام تملك العقار لغير السعوديين الجدل بإقراره مواد مشرعة، أبرزها دفع غرامة مقدارها 25 في المائة من قيمة أصل العقار في حال ثبتت عمليات التحايل. وبحسب مسؤولين نافذين في مكة والمدينة، فإن هناك عمليات تحايل في قطاع الإيواء، كبدت المدينة المنورة وحدها ما مجمله 85 في المائة من فنادقها، وعزوا تلك الأسباب إلى ما سموه بصعوبات في كشف عمليات التستر من ناحية، وعدم وجود منهجية يسلكها السعوديون لتصدر امتلاك الاستثمارات من ناحية أخرى.

وكشف محمود رشوان، رئيس اللجنة التجارية بالغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة، لـ«الشرق الأوسط»، أن ما نسبته 85 في المائة من الفنادق في المدينة المنورة هي فنادق مخالفة ومتسترة، وترتدي عباءة السعودة في ظاهرها، وباطنها تكتلات أجنبية تسحب من الاقتصاد السعودي سنويا 10 مليارات دولار.

وقال رشوان إن مكة المكرمة والمدينة المنورة تعتمدان في اقتصادياتهما منذ أمد بعيد على بوابتي الحج والعمرة، وتشكل الشعيرتان جزءا كبيرا من دخل المدينتين المقدستين، وهناك تراوح في حجم الإيرادات في كل من مكة والمدينة، فهناك من ذهب إلى أنها تصل إلى 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) سنويا، في ظل غياب إحصائية سعودية رسمية، مضيفا أن الغرف التجارية تقاعست في إيجاد الرقم الصحيح لحجم تلك الواردات، وتوجد مراكز أبحاث ودراسات في هذا الخضم.

وأضاف رشوان أن 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) على الأقل تذهب إلى قطاع الإيواء، والبقية مشكلة بين الخدمات والنقل ومرافق أخرى، مفيدا بأن قطاع الإيواء المتمثل في الفنادق والدور السكنية، وما نسبته 80 إلى 85 في المائة من تشغيل إيواء تلك الفنادق، يشغله عمال أجانب متستر عليهم في قطاع الإيواء المدينة المنورة.

واعتبر رشوان، الذي يشغل أيضا منصبه كعضو للجنة الوطنية التجارية لمجلس الغرف، أن غالبية المشغلين لتلك الفنادق هم من الأفغان واليمنيين والبنغلادشيين، مرجعا سبب المشكلة نفسها إلى أن الملاك السعوديين أنفسهم في الأساس هم من يقومون بتشغيل عقاراتهم، ومع تقادم السنين وكثرة الخيرات التهى الناس عن متابعة أمورهم المالية، وركنوا إلى الراحة، وقاموا بإيكال العمالة الأجنبية لتشغيل ممتلكاتهم، وهو ما خلق هنا مفهوم الفجوة والفراغ.

وذهب رئيس اللجنة التجارية للقول «آن الأوان لإعداد جيل مهيأ مدرب لمواكبة تلك الصناعة، وعلى الرغم من أنها عملية مجهدة ومتعبة فإنها في نهاية المطاف يُجنى منها المال. والمتتبع لقصة المشغلين في الوقت الراهن يجد أنهم كانوا في البداية مجرد عمالة، تشتغل مع مكفوليها بالراتب الشهري، ولما امتهنوا وتمرسوا في هذه الصنعة قاموا على الفور بأخذ العقارات وتشغيلها تحت رداء ما يعرف بالسعودة».

وحول عدم اقتحام السعوديين لهذا النوع من أنواع الاستثمارات، أفاد رشوان بأن غالبية السعوديين الراغبين في التعامل في هذا الإطار غير مرحب بهم عند الملاك، حيث تسيطر شريحة الأفراد عليهم، كما أنهم لا يقومون بعملية التسديد في أوانه، على خلاف الأجانب الذين يعملون كمجموعات، ويقومون بعملية توظيف أموال في ما بينهم. وهناك قبائل يمنية بالكامل تدخل في قطاع الاستثمار، فيقومون بالدخول بمائة سهم، والسهم لا يقل عن 10 آلاف ريال (2666 دولارا)، والبنغلادشيون بنحو 200 سهم، وهلم جرا، وحتى يضمنوا ولاءهم لبعضهم بعضا في المعاملات التجارية يكونون من قبيلة واحدة.

وأضاف رشوان أن معظم السعوديين الذين اقتحموا المجال تكبدوا حزمة من الخسائر، ومعظم الأجانب قاموا بعمليات استثمارية داخل المنطقة المركزية وخارجها، بحيث إذا تكبدت تلك المجاميع خسائر خارج المركزية تقوم المركزية بعملية تعويض، وضمان استمرارية التشغيل، بمتوسط ما، وفي بعض الأحيان تدر المناطق في كلتا المنطقتين أرباحا متوازنة، ومعظم العمالة المشغلة في تلك الفنادق والعمائر السكنية، إما مشتراة للإقامات، أو تعمل من دون إقامات.

وأضاف أن الجهات المشرفة على تلك العمالة لا يوجد لديها إلا ثلاثة مراقبين، وهي معذورة في عدم قدرتها على تغطية تلك المنشآت، وهذا العدل الضئيل لا يمكنه أن يراقب سير السعودة في المدينة المنورة، أما أرقام لجان السعودة في جهات حكومية أخرى فإنها غير مفعلة، وتظل طيلة الوقت عاجزة عن الوفاء بواجباتها، ناهيك عن أن الجهات الحكومية ترمي بطرف المسؤولية على بعضها.

وقال رشوان «يوجد بالمدينة المنورة وحدها ما يزيد على 400 ألف عامل، وأنشطة يزيد عددها على 200 نشاط، ولك أن تتخيل أن مكتب العمل وحده يجابه هذا الكم الهائل بثلاثة مراقبين فقط، ومرد هذا القصور إلى أننا في السعودية دخلنا مجال الاستثمار، ولم نستطع أن نقدم إعدادا جيدا لهذا المجال، وتهيئة أجيال قادمة، في ظل غياب المؤسساتية الداعمة لتفعيل السعودة ومقدرات البلد».

وواصل رشوان حديثه بالتأكيد على أنه ينبغي على الغرف التجارية الاستثمار في هذا القطاع، عن طريق إجراء دراسات استراتيجية عاجلة، لتفعيل الدور المطلوب منها، وينبغي أن تكون الملايين التي يضعها المنتسبون في الغرفة التجارية موضع دراسات للأبعاد الاقتصادية، ولا تصرف على ما سماها الحفلات، وتبذير الأموال، مفيدا في السياق ذاته بأنه ينبغي تقديم استثمارات مثلى في قطاع الإيواء والإعاشة، وتفعيل دور الرقابة، وينبغي كذلك أن تكون هناك جهات حاضنة لهذا العمل.

واستطرد بالقول «المسؤولية تقع علينا جميعا، وعلى جميع الجهات المسؤولة تكثيف نشاطاتها وتدعيمها، بل وتعزيزها كذلك، وتقوم بإجراء ورش عمل في ما بينها، ونقوم بعملية سعودة، ونبحث عن سعودة حقيقية، بعيدة عن سعودة الأوراق، ونلجأ بشكل فاعل إلى سن قوانين جديدة تكفل إلغاء ملف الرشاوى، الذي تجنى البعض به على السعودة، بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في ما يتعلق بتوطين الوظائف، وقطاع الإيواء، بحيث نكفل أن تلك المليارات السنوية التي تتجه بوصلتها للخارج تعود بالنفع على شباب هذا البلد».

يشار إلى أن 100 فندق في مكة المكرمة حصلت على شهادات التصنيف التي تقدمها الهيئة العامة للسياحة والآثار، بعد اجتيازها اشتراطات الهيئة، لتتمكن فنادق العاصمة المقدسة من التقدم تصنيفيا لفنادقها التي تشكل أكثر من 75 في المائة من فنادق السعودية، وعدد الفنادق التي اجتازت التصنيف الجديد في هذه المرحلة الحالية التي انتهت قبل عامين هو 147 فندقا، وهي كالتالي: فئة الخمس نجوم 13 فندقا فقط بعد أن كانت مصنفة في السابق بنحو 35 فندقا، وبلغت فئة الأربع نجوم 8 فنادق، أما فئة الثلاث نجوم فهي 62 فندقا، وفئة النجمتين 64 فندقا، علما بأنه يتم الآن التواصل مع ملاك ومستثمري الفنادق.

من جهتها، حددت جهات رقابية السنوات الثلاث المقبلة كمدة لإكمال كل المشاريع الفندقية المحيطة بالمنطقة المركزية للحرم المكي الشريف، والتي من المتوقع أن تتجاوز طاقتها الاستيعابية أكثر من 15 ألف غرفة، وتوفر ما لا يقل عن 20 ألف فرصة عمل في العاصمة المقدسة وحدها.

وحدد نظام تملك العقار لغير السعوديين واستثماره - الذي أقره مجلس الشورى الأسبوع الماضي- العقوبات لمن يخالف هذا النظام، حيث أشارت العقوبات إلى أنه يعاقب غير السعودي الذي يمتلك عقارا داخل حدود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بالمخالفة لأحكام المادة الخامسة من هذا النظام وأحكام اللائحة التنفيذية التابعة لتلك المادة ببيع العقار بالمزاد العلني ويورد ما زاد على مجموع أصل القيمة التي دفعها إلى البائع وتكاليف البناء إن وجدت لخزينة الدولة. وبينت العقوبات أنه يعاقب السعودي الذي يشتري عقارا داخل مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة لحساب غير السعودي بغرامة تعادل 25 في المائة من مجموع أصل القيمة التي دفعها البائع وتكاليف البناء إن وجدت.