خبراء لـ «الشرق الأوسط»: مستثمرو شرق أوروبا «يتفوقون» على العرب في سوق العقارات البريطانية

توقعوا أن يكون 2013 عام استقرار أسواق العقار

جانب من وسط لندن
TT

استمرت التحديات في أسواق العقار اللندنية خلال عام 2012، بأحداث متعددة؛ منها انعقاد الدورة الأولمبية، ومرور 60 عاما على تولي ملكة إنجلترا العرش، وأيضا فرض ضرائب جديدة على مشتريات شركات الـ«أوفشور» من العقار البريطاني قدرها 15 في المائة، وزيادة الضرائب من خمسة إلى سبعة في المائة على العقارات التي تزيد قيمتها عن مليوني إسترليني.

ولكن توقعات عام 2013 تختلف قليلا عن أحداث العام الحالي؛ حيث قال خبراء عقار في لندن لـ«الشرق الأوسط» إنهم يتوقعون أن يكون عام 2013 هو عام «استقرار العقار» بوجه عام، فهم لا يتوقعون زيادات كبيرة في الأسعار أو انخفاضات سعرية مفاجئة. وما زال الطلب الأجنبي في لندن هو أحد المحركات الرئيسية في الأسواق. ويشير خبير الشراء اللندني سايمون بارنز إلى أن المستثمرين من شرق أوروبا يفوزون بنسبة أكبر من الصفقات عن الجنسيات الأخرى لأنهم لا يجادلون في الأسعار ويدفعون ما يطلبه البائع من أجل الحصول على العقار المطلوب. وهو يضيف أن المستثمر الدولي ليس في عجلة من أمره ويفحص كل جوانب العقار ولا يشتري سوى العقارات الفاخرة التي تلبي كل طلباته، بينما يهمل العقارات الأخرى التي يبقى بعضها غير مبيع.

من ناحيته، قال ديفيد بارنيت من شركة لندن نيوكاسيل إن لندن استمرت في الإنجاز بصفتها مدينة دولية في عام 2012، وحافظ القطاع الإسكاني في لندن على قيمته وسجل بعض الزيادات خلال العام. وبالنسبة لشركته، «لندن نيوكاسيل»، قال بارنيت: «إنها المرة الأولى التي شعرنا خلالها بأننا بدأنا نخرج من أزمة عام 2008».

* كيف ترى أحداث عام 2012 وما أهم محركات السوق خلال العام؟

- كان انعقاد الدورة الأولمبية في لندن هذا العام أحد المحركات الرئيسية في السوق من حيث إعادة تأهيل البنية التحتية وتعزيز وضع لندن بصفتها مدينة عالمية. وأعتقد أن تأثير الدورة الأولمبية سوف يستمر خلال عام 2013 وينعكس ذلك على رفع أسعار العقارات التي كانت قريبة من مواقع انعقاد الدورة في شرق لندن بعد تحسن وسائل المواصلات إلى المنطقة ونوعية البنية التحتية. وتحولت منطقة كانت مهملة في العاصمة إلى مناطق مرغوبة للسكن فيها.

* وكيف كان الوضع بالنسبة لشركة «لندن نيوكاسيل»؟

- لقد أنجزنا عاما ناجحا وحصلنا على تراخيص بناء لعدة مشاريع في لندن، منها ترخيص مشروع «دولار باي» في شرق لندن في شهر مارس (آذار) الماضي لبناء مجمع سكني من 31 طابقا به 185 وحدة سكنية. ومؤخرا حصلنا أيضا على تراخيص بناء لمشروع سكني آخر في ويمبلي في مواجهة الاستاد وهو مخصص لسكن الطلبة ويتسع لنحو 600 غرفة بالإضافة إلى فندق به 198 غرفة. ويقع المشروع على مساحة 400 ألف قدم مربعة.

* ماذا تتوقع لعام 2013؟

- أعتقد أن الأسعار في لندن سوف تشهد فترة استقرار، مع بعض الزيادات في المناطق الفاخرة. وسوف يظل تشديد إصدار تراخيص البناء عائقا أمام تنفيذ المزيد من المشاريع الجديدة في لندن. وتبحث الشركة خلال العام الجديد عن فرص تطوير عقاري، وقد تقدمنا لطلب تراخيص بناء لمساحة 300 ألف قدم مربعة من أجل التطوير خلال العام الجديد.

من ناحية أخرى، أكد سايمون بارنز لـ«الشرق الأوسط» أن الطلب الأجنبي على عقارات لندن ما زال مرتفعا خصوصا في القطاع الفاخر ولصالح أثرياء يريدون عقارات في العاصمة. وأضاف أن معظم المشترين يأتون الآن من روسيا والهند والإمارات والصين وجنوب شرقي آسيا وشرق أوروبا. وهو يعتقد أن المستثمرين من شرق أوروبا هم الذين يفوزون في سباق الحصول على العقار الفاخر في لندن لأنهم لا يمانعون في دفع أسعار أعلى في العقارات التي يرغبون في الحصول عليها.

وفي هذا القطاع من السوق، لا يرى بارنز أي تأثير سلبي لفرض ضرائب إضافية على العقار الفاخر، لأن المشترين في العادة لديهم فرق من الخبراء القانونيين الذين ينصحونهم في عمليات التفاوض والتعامل مع هذه التكاليف الإضافية.

ولاحظ بارنز تغيرا في نمط الانتقال بين العقارات في عام 2012، حيث وضعت أسعار الفائدة المنخفضة البائعين المحتملين تحت ضغوط أقل، مع مراجعة الحاجة إلى الانتقال من مسكن لآخر حيث تكون تكاليف الانتقال والشراء باهظة. وأثناء العام، اتضحت فكرة أن العقارات المتكاملة من جميع المزايا هي التي تجذب أسعارا أعلى عند البيع. ولا يتعجل المشترون في قمة السوق في إتمام الصفقات بل يتريثون ولا يشعرون بأي ضغوط للتعجل في هذه الصفقات. وهم يفحصون العقارات المتاحة في السوق بعين النقد الشديد، ولا تتحقق أعلى الأسعار إلا للعقارات المتميزة. أما العقارات التي تعاني من أوجه نقص فتبقى في السوق غير مبيعة.

وفي القطاع المتوسط يبقى البائعون والمشترون في حرص شديد ولا يظهرون في السوق إلا عندما يظهر عقار جيد في موقع مطلوب وسعر معقول. وحتى في هذا القطاع لا تباع العقارات التي لا تلبي كل الشروط المطلوبة.

ويعتقد بارنز أن الطلب على العقارات الفاخرة سوف يستمر قويا في عام 2013. ولاحظ بارنز أن ندرة التمويل لمطوري العقار خلال عام 2012 نتج عنه عدم وجود ما يكفي من المشاريع الجديدة ووجود طلب في السوق تصعب تلبيته. ولكن هذا الوضع سوف يتحسن خلال عام 2013 لوجود عدد من المشروعات الجديدة التي سوف تصل إلى الأسواق قريبا. وهي مشروعات ممولة من مصادر أخرى غير البنوك ومن عمليات طرح استثماري خاصة.

ويرى بارنز أن الأسواق سوف تستمر في النمو ولكن بوتيرة أقل، مع توسع الفارق بين العقارات الممتازة وتلك التي تأتي في المرتبة الثانية وتظل في السوق غير مبيعة. وسوف تستمر المناطق الفاخرة في اكتساب المزيد من القيمة، مع فارق أن المشترين في الماضي كانوا يشترون العقارات التي تقترب من توقعات العقار المثالي لديهم، إلا أنهم الآن ينتظرون حتى يجدوا العقار المثالي ولا يقبلون بأي عقار لا يلبي كل شروطهم.

وقالت خبيرة العقار كاميلا ديل من شركة «بلاك بريك»، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، إن مؤشرات العام المقبل تتجه نحو هدوء في وتيرة الأسعار. وهي تعتقد أن معظم المعلقين يشيرون إلى أن الأسعار في لندن بلغت مستويات مسطحة لن تنمو معها كثيرا خلال العام الجديد. ولكنها تضيف أن التوقعات وحدها لا تكفي لأن شركات شهيرة، مثل «نايت فرانك» و«سافيلز»، توقعت عاما من دون تغيير في عقارات القطاع الفاخر في لندن خلال 2012، ولكن ما حدث هو زيادة في هذه الأسعار طوال كل شهور العام.

وقالت إن أكبر تحد يواجه أسواق العقار في الوقت الحاضر هو المتغيرات الضريبية. وما زالت الأسواق تنتظر نتائج الاستشارات حول التعديلات الضريبية التي أعلنت خلال ميزانية العام الماضي. وينتظر بعض الزبائن نتائج هذه الاستشارات قبل اتخاذ قرار الشراء.

ومع ذلك، فهي ترى أن القطاع الذي يقع تحت حد المليوني جنيه إسترليني هو الأنشط حاليا، لأنه لم يتأثر بالتغييرات الضريبية. كما أن القطاع «السوبر» فوق حد العشرة ملايين جنيه إسترليني لم يتأثر بدوره من التغييرات الضريبية. ففي القطاع السوبر وخلال فترة امتلاك العقار لن يتأثر المالك بنسبة اثنين في المائة من الثمن.

وتعتقد ديل أن لندن سوف تظل سوقا للبائعين، أي إنهم الطرف المتحكم في المعادلة، خصوصا في الأسعار، خاصة في المناطق الأرستقراطية التي تقع فيها العقارات الفاخرة، حيث الإمدادات العقارية فيها محدودة. وأضافت أن شركتها تلقت بعض عروض الشراء في مظاريف مغلقة من بعض الزبائن، وهي تتوقع استمرار هذا في العام الجديد.

وتتوقع ديل أن ترتفع الإيجارات في عام 2013، خصوصا على العقارات الصغيرة ذات الغرفتين أو الثلاث غرف. فهناك العديد من المستأجرين الذين يبحثون عن عقارات لعجزهم عن الشراء. ومن الممكن تحقيق عوائد إيجارية صافية بين أربعة وخمسة في المائة في لندن في الوقت الحاضر. أما في ما يتعلق بنمو رأس المال، فسيظل قويا في المواقع الجيدة، ولكن تظهر الآن العديد من النقاط الساخنة الجديدة مثل منطقة «إيرلز كورت» التي تبنى فيها الآن مشاريع هائلة، وهي مشاريع من المتوقع أن تنعكس إيجابا على أسعار العقارات.

من ناحية أخرى، أشار أحدث تقرير صادر من بنك «هاليفاكس» إلى أن مؤشرات العقار في العام الجديد ما زالت غير واضحة المعالم. وذكر التقرير العديد من العوامل الفاعلة المحبطة للأسواق مثل تراجع الإنجاز الاقتصادي واستمرار الكساد، وبقاء معدلات البطالة العالية والضغط المتزايد على الميزانيات الأسرية. وسوف تنعكس هذه العوامل مجتمعة على كبح نمو أسواق العقار في العام الجديد.

ويرى التقرير أن الاستثناء الوحيد من هذه المعادلة هي عقارات لندن ومنطقة الجنوب الشرقي البريطاني. كما يتوقع أن تستأنف أسواق العقار نموها، ولكن ببطء، بعد عام 2013 وفي تلازم مع نسب النمو الاقتصادي. وأكد الخبير العقاري في البنك مارتن إيليس أن أحوال السوق العقارية لم تتغير كثيرا خلال الاثني عشر شهرا الماضية، كما لم تتغير الأسعار ولا صفقات البيع في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2012.

وهو يعتقد أن هذا الاستقرار، أو بالأحرى الخمول، يعتبر إنجازا في حد ذاته نظرا للتراجع الاقتصادي الملحوظ في كل قطاعات الصناعة والتجارة في الوقت الحاضر. ولكنه يضيف أن العامل الحاسم في أسواق العقار كان عدم تغير معادلة العرض والطلب، وهو الأمر الذي ساعد على استقرار السوق. بالإضافة إلى ذلك، فإن معدلات أسعار الفائدة المتدنية منعت كارثة مماثلة لما حدث في سوق العقار الأميركية بمصادرة آلاف العقارات التي فشل أصحابها في الالتزام بأقساطها العقارية.

وتشير التوقعات الاقتصادية إلى استمرار خمول الاقتصاد البريطاني خلال عام 2013 بإنجازات نمو متواضعة ومتذبذبة. ولا تقتصر المتاعب على الاقتصاد البريطاني؛ حيث تعتزم الولايات المتحدة تنفيذ حزمة تقشف لخفض 600 مليار دولار من الإنفاق الحكومي خلال عام 2013، وليس من المعروف بعد ما إذا كان أوباما سوف يستطيع الاتفاق على حل وسط مع الكونغرس في بداية فترته الرئاسية الثانية. ويشمل الكساد أيضا منطقة اليورو التي ما زالت تبحث عن حل جماعي لمشكلات عجز الميزانيات في دول المجموعة. ويرتبط الاقتصاد البريطاني تجاريا بأوروبا والولايات المتحدة أكثر من أي مناطق أخرى في العالم.

وفي تقرير آخر من مؤسسة «موني ويك» كانت التوقعات أكثر سلبية، بالقول إن «وقت النمو في سوق العقار البريطانية ذهب إلى غير رجعة». ويشير تقرير المؤسسة إلى أن الأسعار السائدة حاليا عادت إلى ما كانت عليه في السوق خلال عام 2004، وأن سوق العقار البريطانية «مجمدة» منذ عام 2008. وبالإضافة على عدم وضوح الرؤية في عام 2013، قال تقرير «موني ويك» إن الأسعار يمكن أن تتراجع أكثر في عام 2013. والاستنتاج الوحيد من كل هذه التوقعات هو أن عام 2013 هو استمرار للوضع غير المستقر السائد في أسواق العقار حاليا.