أثرياء الهند يفتحون محافظهم لشراء العقارات الأجنبية

بدءا من لندن ودبي وانتهاء بسنغافورة وماكاو

باريس من المدن التي جذبت طبقة الأغنياء في الهند الباحثين عن ملاذات عقارية لحماية ثرواتهم
TT

بدءا من شقق الاستوديو ومرورا بمنازل قضاء العطلات ووصولا إلى الفيلات والشاليهات الفاخرة، يقبل الأثرياء الهنود بشكل كبير على شراء العقارات بالخارج خلال السنوات الأخيرة، سواء في أماكن الجذب التقليدية مثل العاصمة البريطانية لندن وولاية نيويورك الأميركية وسنغافورة ودبي، أو في الأماكن التي يفضلها الهنود الذين يميلون إلى المغامرة مثل العقارات الشاطئية في مسقط أو عمان أو حتى عقارات على شكل مزارع خارج العاصمة الكينية نيروبي. ويفضل تجار الماس في مومباي شراء منازل في ماكاو، التي تشتهر هي الأخرى بتجارة الماس، من أجل مصالحهم التجارية.

وفي نفس الوقت، يقوم البعض بشراء عقارات في مناطق في تايلاند وولاية فلوريدا وموريشيوس وجنوب فرنسا، في حين يفضل البعض الآخر الأماكن التي تشتهر بمكانتها التعليمية مثل سيدني وملبورن. وتقول شركات الاستشارات العقارية الكبرى مثل «جونز لانغ لاسال» و«كوشمان أند ووكفيلد» و«سي بي ريتشارد إيلز» و«نايت فرانك» إنها تتلقى ما لا يقل عن عشرين استفسارا أسبوعيا للحصول على معلومات بشأن الاستثمار في مجال العقارات بالخارج.

ويقول أرناند نارايانان، وهو المدير الوطني لشركة «نايت فرانك إنديا»، إن «البلدان الأوروبية مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا باتت من البلدان التي يقصدها الهنود في الآونة الأخيرة بهدف شراء عقارات لقضاء الإجازات بها». ولم يقتصر شراء العقارات بالخارج للعيش بها خلال أوقات العمل أو الإجازات على الشخصيات الشهيرة ورجال الأعمال فحسب، ولكنه امتد إلى الكثير من الهنود، الذين لا يتمتعون بثراء فاحش أو شهرة واسعة.

ويشير مسح أجرته شركة «نايت فرانك» في الآونة الأخيرة إلى أن نحو 45 في المائة ممن يقومون بشراء عقارات بالخارج هم من المهنيين الذين يعملون في شركات. ولا تعد هذه هي التجربة الأولى لهؤلاء المشترين في سوق العقارات، فهم يتسمون بالذكاء والخبرة الكبيرة التي اكتسبوها من السفر إلى أماكن متعددة، كما حصلوا على كثير من المعلومات والأبحاث من على شبكة الإنترنت. ويشير المسح إلى أن المشترين من الفئة العمرية بين 30 و50 عاما قد قاموا بالاستثمار في مجال العقارات ثلاث مرات في المتوسط، كما يملكون بالفعل العقارات التي يعيشون بها وعقارات أخرى لقضاء الأجازات بالقرب من أماكن إقامتهم، وهم إما رجال أعمال ناجحون أو أصحاب مشاريع وشركات ويبحثون الآن عن الاستثمار بالخارج.

وعلى الرغم من أن البنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي) يفرض سقفا معينا على المستثمرين الهنود في قطاع العقارات بالخارج، فإن أعداد الهنود الذين قاموا بشراء عقارات في الخارج قد ارتفعت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ. ويفرض البنك المركزي الهندي ألا يزيد استثمار العقارات بالخارج عن 200,000 دولار للفرد في العام الواحد، ولذا يتحايل كثيرون على هذا القانون بأن يشترك المستثمر مع شخص أخر في عملية الشراء، حيث يمكن لشخصين الاستثمار في عقارات بقيمة 400,000 دولار في العام.

وقال أحد المستشارين، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «يمثل قرار البنك المركزي الهندي عقبة أمام المستثمرين الأفراد، ولكن بالنسبة للآخرين فهناك طرق غير مباشرة للتغلب على ذلك». في الحقيقة، يعد شراء عقار بالخارج ضرورة بالنسبة للبعض، ورفاهية للبعض الآخر، ومصدر تفاخر بالنسبة لفئة ثالثة من الهنود.

وقال ديتر كارفالو، وهو سمسار عقارات يبحث عن عقارات لقائمة من الزبائن، إن الركود الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة قد دفع الهنود إلى شراء عقارات في أماكن راقية مثل الريفيرا الفرنسية ومونت كارلو.

وقال سوريش رانغاراجان، وهو الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الرائدة في مجال الاستثمار العقاري والتي تدعى «أرثا»: «على العموم، لا يبحث عن شراء منازل بالخارج إلى فئة قليلة من السكان، لأنها لا تزال فكرة جديدة بعض الشيء، والأشخاص الذين لا يوجدون ضمن هذه الدائرة الضيقة لا يعلمون شيئا عن مزايا الاستثمار في شراء العقارات بالخارج. ومع ذلك، فقد تغيرت تلك الفكرة الآن، في ظل تزايد أعداد الهنود الأثرياء وانخفاض أسعار العقارات بالخارج، ويكفي أن تعرف أن أسعار العقارات في إسبانيا مثلا قد أصبحت أقل من أسعارها في أماكن مثل دلهي ومومباي».

لقد أدى الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا إلى انخفاض أسعار العقارات بصورة ملحوظة، ولذا يفضل الهنود استثمار أموالهم هناك.

ويقول غلام ضياء، وهو المدير الوطني لشركة «نايت فرانك» في مومباي: «ارتفع طلب الهنود على شراء العقارات في لندن، ولا سيما العقارات التي يتراوح سعرها بين 400,000 و700,000 جنيه إسترليني، وهو ما يعني الإقبال على شراء عقارات في أماكن مثل سانت جون وود وكينغستون». وأضاف ضياء: «لا يعني هذا أن الهنود يقومون بشراء العقارات في حدود هذه الأسعار فحسب، ولكنهم يستهدفون أيضا شراء العقارات الفاخرة، كما يقوم الهنود الأثرياء بشراء إمبراطوريتهم البريطانية الخاصة».

وقد أدى ذلك إلى زيادة أسعار العقارات في لندن، ولا سيما في منطقة نورثوود بغرب لندن التي أصبحت «أغلى مكان في العالم، بسبب الاستثمارات الهندية»، على حد قول ضياء. وعلى هذا الأساس، قامت شركات العقارات الكبرى في بريطانيا، مثل «نايت فرانك» و«هامبتونز» و«سافيلس»، بإرسال مندوبيها إلى الهند للترويج للعقارات في لندن.

وثمة بلدان أوروبية أخرى تجذب الهنود، حيث يتراوح سعر الشقة في فرنسا بين 400,000 و500,000 دولار، وهو السعر الذي يكون في متناول المليونيرات والمليارديرات الهنود.

وبعيدا عن تلك الأماكن التقليدية التي تجذب الهنود، يميل البعض إلى شراء عقارات في الأماكن التي توجد بها الجامعات والمدارس التي يتعلم بها أبناؤهم، حيث يقوم الآباء بشراء العقارات في الأماكن التي يوجد بها جامعات مثل آن أربور وميتشيغن وأوروبانا شامبين وإلينوي حتى يوفروا قيمة الإيجارات التي كان سيدفعها أبناؤهم، ثم يقومون بعد أربع سنوات أو بعد انتهاء أبنائهم من الدراسة ببيع تلك الشقق وبأسعار أعلى من أسعار الشراء. ويصل سعر العقار في هذه الأماكن إلى 200,000 دولار في المتوسط.

وعلاوة على ذلك، يفكر الهنود أيضا في الأماكن التي تمنح صاحب العقار حق الإقامة مثل قبرص وإسبانيا، والتي تغازل الاستثمار الأجنبي في مجال العقارات عن طريق التأكيد على أنها تسمح للمستثمر بالإقامة والعمل في الاتحاد الأوروبي. وسوف يحصل المستثمر على حق الإقامة بصورة تلقائية لو قام بشراء عقار يتراوح سعره بين 160,000 و200,000 يورو.

وفي الآونة الأخيرة، اتجه الهنود إلى شراء العقارات تحت الإنشاء بالخارج لأنهم سيقومون بدفع ما يتراوح بين 10 و30 في المائة فقط من قيمة العقار مقدما، ثم يقومون بدفع المبلغ المتبقي عندما يتم الانتهاء من البناء خلال فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام.

ويستهدف بعض الهنود شراء عقار ثانٍ لهم في الولايات المتحدة، ولا سيما في حي مانهاتن بولاية نيويورك. وعلى عكس المدن الأميركية الأخرى، لا يمكن لمشتري العقار في مانهاتن الحصول على عقد العقار إلا بعد دفع قيمة الشراء بالكامل، علاوة على أن سعر العقار في مانهاتن لا يقل عن 500,000 دولار، في حين قد يصل سعر العقار في أماكن أخرى مثل ميامي ولاس فيغاس إلى 100,000 دولار فقط.

وتقول شيفتا جاين، وهي مديرة الخدمات العقارية بشركة «كوشمان آند ووكفيلد»، إن الهنود يقومون بشراء عقارات في بلدان أخرى مثل سنغافورة وموريشيوس وتايلاند وماليزيا، والتي شهدت انخفاض أسعار العقارات بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المائة خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي تايلاند، على سبيل المثال، يصل سعر الشقة التي تتكون من حجرتي نوم، إلى نحو 2.4 مليون روبية (49,000 دولار)، ويمكن أن تصل إلى 40 مليون روبية (824,000) بالنسبة للشقق الفاخرة، أما في سنغافورة فيتراوح سعر الشقة المماثلة بين 2.6 مليون روبية و26 مليون روبية (ما يتراوح بين 54,000 دولار و536,000 دولار)، في حين يرتفع هذا السعر لما يتراوح بين 3 مليون روبية (62,000 دولار) و12 مليون روبية (247,000 دولار) للشقة المكونة من حجرتي نوم أو ثلاث حجرات نوم في ماليزيا. وفي موريشيوس، يتراوح سعر الفيللا الفاخرة بين 20 و30 مليون روبية (ما يتراوح بين 412,000 دولار و618,000 دولار).

ومن الواضح أن شراء منزل بالخارج بنفس الأسعار المحلية يعد شيئا رائعا بالنسبة للهنود الأثرياء. وعن ذلك يقول جاديب سينغ، وهو مستشار عقاري: «يقوم الهنود بشراء عقارات بالخارج لأن أسعارها تماثل أسعار العقارات في الهند، أو تقل في بعض الأحيان، وهو ما يعد شيئا مثاليا لشراء منزل ثانٍ أو ثالث بالخارج».

وفي حين يمثل شراء العقارات بالخارج جزءا من الاستراتيجية الاستثمارية للهنود الأثرياء، فهناك عامل آخر يساعد على مثل هذه الاستثمارات وهو نظام التحويلات الحر، فضلا عن انخفاض أسعار العقارات بالخارج. ويقول سينغ: «في الوقت الذي بدأت فيه سوق العقارات الهندية إظهار بعض علامات التراجع، شهدت الأسواق الخارجية ما يمكن وصفه بأنه تصحيحات كبرى في الأسعار، التي باتت في المتناول بشكل أفضل من ذي قبل».

وقال نارايانان: «عائدات إيجار العقارات السكنية بالخارج أفضل منها في الهند، ففي بلدان مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة يمكن أن تصل عائدات الإيجار إلى ما يتراوح بين 4.5 و6.5 في المائة من سعر العقار، أي أعلى من عائدات الإيجار في الهند. ومع ذلك، لم نر حتى الآن هنودا يقومون بشراء عقارات بالخارج من أجل الاستثمار فقط».

وقال سيد ميراج، وهو مندوب شركة «بيتر هومز» التي تتخذ من دبي مقرا لها، في مومباي: «يقوم الكثير من الهنود بشراء عقارات في دبي بسبب عدم وجود ضرائب، علاوة على أنها لا تبعد سوى ساعتين ونصف الساعة عن مومباي. أتلقى 20 استفسارا شهريا، وتنتهي أربعة أو خمسة منها بالشراء». وثمة عوامل أخرى جاذبة لشراء العقارات في دبي مثل سهولة الحصول على قروض مصرفية وسهولة حصول مشتري العقارات على تأشيرات الإقامة. ويملك الكثير من السماسرة أقراصا مدمجة توضح أفضل الأماكن في المملكة المتحدة وفي الإمارات.

أما بالنسبة للعملاء المستهدفين، فغالبيتهم من الأثرياء في ولايات كارناتاكا وأندرا براديش وغوجارات والبنجاب ودلهي وماهاراشترا الهندية. وقال ميراج: «نحن فقط نتلقى ما لا يقل عن 100 استفسار عن شراء عقارات في أوروبا كل أسبوع».