مشروع جديد لإحياء منطقة «باترسي» جنوب لندن

المخطط يشمل بناء مجمعات سكنية بتكلفة 8 مليارات إسترليني

TT

منذ عام 1983، وهو العام الذي توقفت فيه محطة «باترسي» التاريخية عن توليد الكهرباء، تحولت المحطة إلى مبنى تاريخي تراثي ظهر في أعمال فنية وعلى أغلفة أسطوانات موسيقية ولكن بلا فائدة عملية إلى درجة أن البعض أطلق على المبنى اسم «فيل لندن الأبيض». ولم يكن هذا الإهمال بسبب إغفال مطوري العقار للموقع المرموق جنوب نهر التيمس، ولكن لصعوبات تتعلق بالتمويل وتراخيص البناء. فهناك عشرات المشاريع التي تقدم بها مستثمرون حول العالم لتطوير الموقع، وظهرت أيضا عشرات الأفكار لمشروعات سياحية وترفيهية وسكنية وتجارية. وظهرت فكرة لتحويل الموقع إلى ملعب كرة قدم يستضيف فريق تشيلسي. كما حصل مشروع آيرلندي على ترخيص بناء مشروع متكامل قبل خمس سنوات، ولكن الأزمة المالية العالمية جمدت المشروع مرة أخرى وأفلست الشركة الآيرلندية.

مشروع تطوير منطقة «باترسي» عاد إلى الواجهة عندما قررت السفارة الأميركية في لندن الانتقال إلى موقع قريب يسمى «ناين ايلمز» وبناء مجمع جديد لها يدخل في الاعتبار العوامل الأمنية المطلوبة للسفارة بعيدا عن الموقع الحالي في منطقة «غروفنر سكوير». وسوف يكتمل هذا البناء في عام 2017.

وتم اعتماد مد خط مترو الأنفاق المعروف باسم «الخط الشمالي» وهو من أقدم خطوط العاصمة البريطانية، إلى محطتين تخدمان منطقة «باترسي»، تقع المحطة الأولى بجوار محطة الكهرباء ويطلق عليها اسم محطة «باترسي» والأخرى بجوار مبنى السفارة الجديد، واسمها محطة «ناين ايلمز».

* المشروع الجديد

* أما أحدث مشروعات تطوير منطقة «باترسي» فهو مشروع هائل ومتكامل تتكلف المرحلة الأولى منه نحو ثمانية مليارات جنيه إسترليني لبناء مجمعات سكنية وتجارية وتطوير المنطقة بحديقة عامة كبرى تطل على شاطئ النهر. وسوف تكون محطة الكهرباء في مركز المشروع في مرحلته الثانية التي تبنى فيها شقق داخل إطار المحطة بتكلفة 500 مليون إسترليني، وتستكمل في عام 2019.

وتشمل المرحلة الأولى من المشروع بناء 800 منزل وشقة بأحجام مختلفة بدأت بالفعل عمليات بيعها من على الخريطة بأسعار تبدأ من 338 ألف إسترليني لشقق استوديو وحتى ثمانية ملايين إسترليني لشقق «بنتهاوس» تطل على النهر بمشاهد بانورامية. وربما أهم ما في المشروع الجديد أنه يتعلق بالمحطة الشهيرة ويعتمد على تصميم معماري من ديفيد لينلي، وهو من العائلة المالكة في بريطانيا (ابن أخت الملكة إليزابيث). ويقول روبرت تنكنيل مدير الشركة المطورة، وهي شركة تطوير محطة «باترسي» إن سجل زبائن الشركة يفوق المتاح من الوحدات العقارية وإن الأسماء المسجلة تأتي من جميع أنحاء العالم.

ويعد المشروع الحالي أكثر المشروعات السابقة طموحا على الإطلاق ولدى استكماله سوف يوفر 3500 وحدة عقارية تمتد على مساحة 40 فدانا، بالإضافة إلى فندق ومكاتب ومطاعم ومسرح. ويشمل المشروع حديقة عامة مساحتها ستة أفدنة ومحطات مترو أنفاق خاصة بها بالإضافة إلى مد خطوط النقل العام بالباصات إلى المنطقة. وسوف تفتتح محطات المترو الجديدة في نهاية عام 2019.

وتشمل المرحلة الأولى بناء مجمعات سكنية غرب المحطة يحدها مبنى بيضاوي الشكل اسمه «سيركوس وست» من تصميم ديفيد لينلي الذي يقول: إنه أخذ بعض إيحاءات التصميم من نقوش على أبواب المحطة التاريخية وإن جسم المحطة سوف تحيطه من الأركان مصاعد أنبوبية زجاجية تماثل المداخن الأربع التي طالما ميزت المبنى القديم للمحطة.

ولن تكون الأسعار في متناول الطبقة العاملة في لندن، فالشقة ذات الغرفتين في هذا المجمع الجديد تباع بمبلغ 613 ألف إسترليني، أما المساكن المستقلة التي تسمى «تاون هاوس» فسعر الواحدة منها يبلغ ثلاثة ملايين إسترليني. حتى مواقع صف السيارات لن يقل سعر الواحد منها عن 50 ألف إسترليني. وسوف يشمل المشروع 500 شقة شعبية فقط ولكنها لن تطرح للبيع إلا في المرحلة الخامسة والأخيرة للمشروع. وكانت الشركة المطورة للمشروع قد ساهمت بمبلغ 204 ملايين إسترليني في تكاليف مد محطات مترو الأنفاق للموقع مقابل خفض عدد الشقق الشعبية الرخيصة التي تلتزم بتقديمها ضمن المشروع.

ويقول مدير الشركة تينكنيل إنه لا يبحث فقط عن مستثمرين لشراء الوحدات السكنية وإنما عن سكان للمنطقة الجديدة، ولذلك فهو يهتم بجانب الخدمات ويريد إنشاء مدارس ومراكز خدمات اجتماعية في المنطقة. وهو يقارن الأسعار في منطقة «باترسي» بأسعار منطقة تشيلسي التي تقابلها على الجانب الآخر من النهر ويقول: إنها تقل عن النصف، حيث القدم المربع للمساكن الجديدة في تشيلسي يتكلف ثلاثة آلاف إسترليني، مقابل 1125 إسترلينيا للقدم الواحد في «باترسي». وما لم تحدث مفاجآت أخرى مثل تلك التي عرقلت المشاريع السابقة في هذا الموقع، فإن تطوير محطة كهرباء «باترسي» سوف يتحقق فعلا بعد 30 عاما من الانتظار.

وحتى نهاية عام 2011 كانت شركة آيرلندية اسمها «ريل ايستيت اوبروتيونيتيس» (أي الفرص العقارية)، أو «ريو» اختصارا، تملك المحطة. ولكنها أعلنت إفلاسها مع نهاية العام بديون حجمها 500 مليون إسترليني. وكانت شركة «ريو» قد اشترت الموقع في عام 2006 بمبلغ 400 مليون إسترليني. وتنظر أوساط العقار في لندن إلى المشروع الجديد على أنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ المحطة من الضياع لأنها تكاد تنهار من التعرض لتقلبات المناخ خصوصا أنها بلا سقف يحميها.

وكان بناء المحطة قد بدأ في عام 1929 في أوج أزمة الكساد العظيم، وذلك من أجل توليد الكهرباء لمدينة لندن بدلا من الكثير من الشركات الصغيرة التي كانت تختلف فيما بينها في المعايير. واستكمل بناء المحطة في عام 1933 بتكلفة تخطت المليوني إسترليني في ذلك الوقت. وتقول سجلات ذلك الزمان إن عملية البناء كانت شاقة وتسببت في مقتل ستة من العمال وجرح 121 آخرين. واستكملت المحطة في عام 1955 واكتسبت شكلها المميز بأربع مداخن على أركانها. وكانت حينذاك ثالث أكبر محطة توليد كهرباء على مستوى بريطانيا، وزودت لندن بنحو 20% من حاجاتها من الكهرباء، كما كانت من أكثر محطات توليد الكهرباء كفاءة في التشغيل في العالم في ذلك الوقت.

ولكن نهاية المحطة في الثمانينات جاءت بسبب عدة عوامل منها ارتفاع تكاليف الإنتاج ودخول محطات توليد أخرى أكثر كفاءة إلى السوق اعتمدت على النفط والغاز والطاقة النووية بدلا من الفحم. ولكن حملة شعبية لإنقاذ المحطة من الهدم نجحت وحصلت المحطة على تصنيف تراثي من الدرجة الثانية يمنع هدمها ويجبر من يطور الموقع بالمحافظة على شكلها العام.

وفي نهاية عام 1983 أعلنت الشركة عن مسابقة لاستغلال الموقع تجاريا وفازت في المسابقة شركة اقترحت تحويل الموقع إلى مدينة ملاهي سياحية عن تاريخ بريطانيا الصناعي. وكانت التكلفة المبدئية نحو 35 مليون إسترليني على أن يجتذب الموقع مليوني زائر سنويا لكي يغطي تكاليفه. وتلقى المشروع بالفعل ترخيصا للبناء، واشترت الشركة الموقع بمبلغ 1.5 مليون إسترليني.

ولكن المشروع توقف في عام 1989 بعد تفاقم التكاليف عن تلك المخطط لها وندرة التمويل المتاح للمشروع. وكانت تقديرات تكلفة المشروع قد زادت من 35 مليون إلى 230 مليون إسترليني. وأثناء عمليات هذا المشروع غير المكتمل جرت إزالة سقف المحطة مما عرض أجزاء داخلية فيها للصدأ والتآكل بفعل مياه الأمطار.