متاعب الاقتصاد البريطاني تجمد مشروع «تشيلسي باراكس»

«ديار» القطرية اشترته بـ1.4 مليار دولار في 2007

سحر خاص في عقارات لندن يجذب أثرياء العالم
TT

لم ينل أي مشروع عقاري في لندن هذا القدر من المتاعب مثلما عانى مشروع «تشيلسي باراكس» الذي يشتهر في دوائر لندن العقارية باعتراض الأمير تشارلز على تصميمه، وإعادة هذا التصميم على أسس أكثر تقليدية.

بداية المتاعب كانت في التوقيت، حيث اشترت شركة «ديار» القطرية موقع معسكر الجيش الإنجليزي سابقا في منطقة تشيلسي، ومساحته 13 فدانا، في ذروة فقاعة أسعار العقار العالمية بمبلغ وصل إلى 959 مليون جنيه إسترليني (1.4 مليار دولار)، وذلك في عام 2007، وكان الجيش البريطاني يتمنى تحقيق سعر لا يزيد على 250 مليون إسترليني (375 مليون دولار).

وبعد تكليف أحد أفضل مصممي العقار في العالم، وهو اللورد روجرز، بتصميم حي كامل يضم 600 عقار لأثرياء المشترين في العاصمة البريطانية، انتفض الأمير تشارلز بشدة ضد الأسلوب الحديث للمعمار بالزجاج والصلب الذي لا يتناسب مع كلاسيكية الموقع وما حوله من مبان تاريخية. ووصلت شكوى الأمير إلى أعلى المستويات.. الأمر الذي انتهى بإلغاء التصميم وتحويله إلى شركة أخرى مع غضب اللورد روجرز من تدخل الأمير تشارلز.

وفي الوقت نفسه اعترض شريكا المشروع، وهما الأخوان كاندي آند كاندي، على إلغاء شركة «ديار» المنحة التي كانت مخصصة لهما في حال اكتمال المشروع. ولجأ الأخوان إلى المحكمة للمطالبة بالتعويض؛ لأن إلغاء التصميم جاء لأسباب قهرية مفروضة على المشروع، وليس بسبب أي تقصير منهما. وتمت تسوية القضية فيما بعد، بعد عدة جلسات علنية نشرت خلالها تفاصيل رسالة الأمير تشارلز المعترضة على المشروع.

في تلك الأثناء سقط بنك ليمان براذرز وانكشفت فضيحة الائتمان العقاري في القطاع الشعبي «صب برايم» الأميركية التي تحولت إلى أزمة مالية واقتصادية في معظم أرجاء العالم. ولم تعد الظروف الاقتصادية السائدة في لندن تسمح ببيع هذا العدد الهائل من الوحدات العقارية في القطاع السوبر. فتكرر تأجيل المشروع البالغ حجمه 3 مليارات إسترليني (4.5 مليار دولار).

وكانت آخر صدمة للمشروع هي استقالة مدير الشركة في بريطانيا، جون والاس، بعد أن وجد نفسه في موقف صعب بين ظروف اقتصادية لا تبرر بدء المشروع، ومجلس وستمنستر المحلي الذي يشدد على الشركة تنفيذ شروط التعاقد المتضمن في إصدار التراخيص ضمن حيز زمني معين لبدء أعمال البناء أو بيع المشروع لمطور آخر.

وقال والاس في بيان استقالته إنه استمتع بوقته مع شركة «ديار» القطرية، وإنه كان محظوظا للعمل في مشروعات متميزة ومع فريق موهوب، وإنه يتطلع للإقبال على تحديات وفرص جديدة.

وكان والاس قد استمر مع الشركة لمدة خمس سنوات، وهو الذي أسس مكتب لندن في عام 2008، وكان من أبرز العاملين في الشركة خصوصا في التعامل الإعلامي.

الصحافة البريطانية لا تخفي شماتتها في مشروع الأثرياء في تشيلسي وفي شركة «ديار» نفسها، وتصف موقع المشروع بأنه «أغلى قطعة أرض بور في بريطانيا»، بعد أن كانت تصفه بأنه «أرقى مشروع إسكاني في لندن».

ورغم إصدار شركة «ديار» بيانا تعلن فيه أسفها لرحيل والاس، وتعد بأنها ملتزمة تماما بمشروع «تشيلسي باراكس»، فإن الكثير من الإشاعات في سوق العقار اللندنية تشير إلى أنها ربما تبحث عن مشتر لقطعة الأرض في تشيلسي لكي تتخلص من هذا المشروع الذي جلب لها الكثير من المتاعب.

وحصلت شركة «ديار» على ترخيص بناء وحدات سكنية فاخرة في الموقع تتراوح بين منازل فاخرة تحتوي على سبع غرف وشقق صغيرة ذات غرفة واحدة، ولكنها لم تبدأ أي نشاط في المشروع المهجور الذي لا يحتوي حاليا إلا على أعشاب تنمو بين مسطحات الأرضية.

وشركة «ديار» ليست غريبة على سوق العقار في لندن، فهي تملك محلات «هارودز» التي اشترتها من المستثمر المصري محمد الفايد، وحصة كبيرة في القرية الأولمبية البريطانية، ونسبة 80 في المائة من ناطحة السحاب «شارد». ولم تجد الشركة أي متاعب في تنفيذ مشروعاتها الأخرى بخلاف مشروع «تشيلسي باراكس» الذي كانت تعتبره قمة مشاريعها، ولكنه تحول إلى أحد أكثر مشاريعها تعقيدا.

ولكن آخر مشاريع الشركة، وهو ناطحة السحاب «شارد» أتاح لها فرصة التعرف على حال السوق البريطانية عن كثب، فهي لم تجد حتى الآن مستأجرين لمكاتب في «شارد»، وترى الطلب العقاري بأنواعه يتراجع بشدة مع استمرار موجة الكساد.

ورغم استمرار الطلب العالمي على عقارات لندن الفاخرة وصعود أسعار العقارات السوبر في القطاع الذي يزيد على 10 ملايين إسترليني (15 مليون دولار) بنسبة 40 في المائة منذ عام 2009، فإن موجة الكساد الحالية جعلت الكثير من الأثرياء يراجعون حساباتهم مرة أخرى؛ خوفا من الاستثمار في توقيت خاطئ، وتراجع الأسعار في لندن في توقيت مفاجئ، فقد قال أحد خبراء العقار لـ«الشرق الأوسط» إن كل قطاعات العقار معرضة للهبوط حتى القطاع السوبر في لندن، فلا أحد محصن ضد الكساد، خصوصا أن المؤشرات تدل على احتمال قوي لدخول بريطانيا موجة ثالثة من الكساد المتعاقب عليها منذ عام 2008، ولم تساعد على تحسين الوضع مجموعة إجراءات ضريبية جديدة ضد مالكي العقار في القطاع الفاخر، وفرض ضريبة قدرها 15 في المائة على شركات الأوفشور التي تشتري العقار البريطاني.

والوضع الذي يواجه شركة «ديار» في الوقت الحاضر هو: هل يبرر الوضع الاقتصادي الراهن في لندن إنفاق مبلغ ملياري إسترليني علاوة على ما يقرب من المليار في ثمن الأرض لاستكمال المشروع، أم أن من الأفضل الانسحاب منه وبيع الأرض وتقليص الخسائر؟ وما تقوله شركة «ديار» في الوقت الحاضر للإعلام البريطاني هو أنها تراجع الموقف عن كثب، في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة في بريطانيا.

وتعتقد مصادر بريطانية أن قطر لا تريد إغضاب مراكز قوة سياسية أو اقتصادية في بريطانيا، سواء من ناحية تنفيذ مشروع قد يزعج الأمير تشارلز، أو تجميد المشروع بالمرة وإغضاب فرق المعماريين الذين عملوا على التصميم، والمجلس المحلي الذي أصدر تراخيص البناء.

وقالت مصادر قطرية للإعلام البريطاني إن الشركة تحسب بالأرقام حجم المخاطر والخسائر التي يمكن توقعها من مثل هذا المشروع، وإن الشركة يمكن أن تعلن في أي وقت عن بيع الأرض.

ومن الناحية الاقتصادية البحتة يمثل مشروع «تشيلسي باراكس» نسبة مخاطر عالية في المناخ الاقتصادي الحالي، بسبب ثمن الأرض الباهظ. وكان الجيش البريطاني يتوقع أن يبلغ ثمن الأرض نحو 250 مليون إسترليني في أفضل تقدير، ولكن المنافسة الشرسة حينذاك بين 13 شركة منافسة أوصلت ثمن الأرض إلى ما يقرب من المليار إسترليني.

وتشير إحصاءات شركة «نايت فرانك» العقارية إلى استمرار الطلب الأجنبي على عقارات لندن، حيث اشترى الأجانب في العام الماضي ما قيمته 2.2 مليار إسترليني (3.3 مليار دولار) من العقارات الجديدة في لندن بارتفاع نسبته 22 في المائة عن مشتريات عام 2011 التي بلغ حجمها 1.8 مليار إسترليني (2.7 مليار دولار).

من أطرف ما نشره الإعلام البريطاني عن المشروع كان استفتاء إحدى الصحف لقرائها حول أفضل استخدام لأرض «تشيلسي باراكس»، فكان أحد الاقتراحات بناء مدينة خيام للمشردين في لندن، ومع حساب عدد الخيام التي يمكن نصبها في المساحة المتاحة تبين أن كل خيمة سوف تقام بتكلفة 1.3 مليون إسترليني، مع حساب ثمن الأرض!