موضة تجتاح العقارات الجديدة ببروكلين في نيويورك

مجمعات سكنية متشابهة لا يتم تمييزها إلا بالأرقام

جانب من المباني الجديدة في بروكلين (نيويورك تايمز)
TT

مبنى «بلفيدير LXX» هو مجمع سكني جديد بشارع أكسفورد بمنطقة «غرين بوينت» بمدينة بروكلين الأميركية، وتم بناؤه من الطوب الأحمر الداكن مؤخرا لدرجة أن تصاريح البناء الخاصة به لا تزال معلقة في النوافذ، كما تخلو الخزائن من الملابس، ولم تعرض أي من شققه للبيع حتى الآن. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يبدو هذا المبنى مألوفا للغاية؟

يعد هذا المبنى جزءا من مجموعة من المباني التي تضم شقق صغيرة والتي تم بناؤها في مدينة بروكلين على مدى السنوات العشر الماضية، والتي تشترك معظمها في بعض الخصائص المعينة (واجهة مبنية من الطوب الأحمر، واثنتان من الأعمدة البيضاء، وشرفات)، وهو ما يجعلها مشابهة لبعضها البعض إلى حد كبير.

والآن، يصل عدد هذه المباني إلى نحو 30 مبنى، معظمها في منطقة «غرين بوينت»، وتتشابه مع بعضها البعض إلى حد أنها تجعلك تشعر وكأن هذا الحي يتمتع بحركة معمارية مصغرة ومنسجمة ومتناغمة خاصة به دون غيره من الأحياء الأخرى.

وقال كريستوف روستك، صاحب الشركة التي نفذت المشروع، وهو يقف على سطح المبنى ويعد المباني المجاورة: «واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة. يمكنك أن ترى ستة مبان».

تتقاسم المباني هذه المباني المتشابهة اسما عاما هو بلفيدير، فهنا بلفيدير I بلفيدير II وبلفيدير VI وبلفيدير VIII وبلفيدير XXX، وهكذا بالأرقام الرومانية المنقوشة أو المعلقة على الباب الأمامي.

هذه الأبنية ليست بالعمل الفني المتميز في الشكل والأداء تم تنفيذه بدقة بالغة من الزجاج والحجر، ولا هي كتل من الصلب التي تجعل الشوارع خارج السياق والزمن، ومن ثم فعلى الرغم من ثرائها، فإنها لم تلق سوى قدر ضئيل من الاهتمام في هذه المدينة المتعنتة.

ويقول جوزيف فانس، مهندس معماري وأحد القاطنين القدامى في غرين بوينت، عن بعض مباني بلفيدير الجديد: «إنها أفضل من محاولة القيام بشيء أكثر عصرية والفشل فيه، عبر إنشاءات رخيصة وأبعاد غير متوازنة وأشياء زرقاء ضخمة على الواجهة. إن مباني بلفيدير أفضل من ذلك».

بدأ روستك إنشاء مباني بلفيدير قبل عشر سنوات مع شريكته ماريولا زاريمبا، اللذين قدم كلاهما إلى غرين بوينت من بولندا عام 1990، ورأوا التغيير الذي يطرأ على الحي وأن مخزونه من العقارات السكنية والمنازل المتواضعة لن يكون كافيا بعد الآن.

وتذكر زاريمبا قصة وصولها إلى غرين بوينت قبل اثنين وعشرين عاما وأنها عندما شاهدت المباني المحلية، التي كسيت واجهاتها بالفينيل، اعتقدت أنها مصنوعة من الورق. وأنها هي من اقترح العلامة التجارية للشركة، في إشارة إلى قصر بلفيدير، المقر الرسمي للرئيس البولندي وساحة بلفيدير في الفاتيكان.

وتقول زاريمبا: «غالبية المباني لا تتمتع بسمة مميزة ولا تحمل سوى أرقام فقط، فقد أردت أن أصنع شيئا يتذكره الجميع».

لقيت شقق المبنى الأول رواجا كبيرا، وبعد عدة مشروعات مشتركة انفصل روستك وزاريمبا، وحصل كل منهما على حق استغلال الأرقام في مشروعاته.

قضت زاريمبا عامين إضافيين في مجال العقارات، لكنها بعد بضعة مباني من بينها بلفيدير III وV أصيبت بسرطان الجلد، دفعها إلى تغيير نشاطها. وهي اليوم تدير منتجعا صحيا في غرين بوينت يدعى «أويكننغ نيويورك» يقدم دروسا في اليوغا وخدمات التدليك ودروس الرقص والعلاج الأيورفيدي.

وواصل روستك العمل في مجال العقارات، رغم تخصيصه جانبا من وقته لصالح المؤسسة التي أسهم في إنشائها «مؤسسة ابتسامة الأطفال»، لمساعدة الأطفال الفقراء في بولندا. ويقوم ببناء الشقق التي تبيعها وتديرها وتقوم بأعمال الصيانة بها في العادة شركته «بلفيدير بريدج». وعلى الرغم من تخلي زاريمبا عن العمل فإن الأرقام تسير وفق الاتفاق بينهما.

ولذا فإن سكان الحي الذين لا يعتقدون أن هناك 70 مبنى بلفيدير، ليسوا على خطأ. كما أنه ليس بالمبنى رقم 35 بالنسبة لروستك أيضا. بل هو مبناه الحادي والثلاثون والذي لا يزال العمل جاريا فيه. ومن ثم فقد تم تجاوز بعض الأرقام وهو ما فسره روستك بالقول إن ذلك يعود إلى خسارة بعض الصفقات. وقال مازحا: «أضف إلى ذلك أننا نريد إثارة حيرة الناس».

يبدأ سعر الشقة في مبنى بلفيدير في غرين بوينت بنحو 400.000 دولار، وبنيت أغلبها بالطوب الأحمر، عدا بعضها الذي بني بالطوب الأصفر. ولا يزيد ارتفاع المبنى على ثمانية طوابق، لكن غالبية المباني الصفراء تتقاسم نفس الأعمال الحديدية الموجودة في المباني الحمراء.

ويقول روستك، وهو يقف في أحد مبانيه في شارع إنديا، محدقا في مبنى على الناحية الأخرى من الشارع: «نحن نعتقد أنها تلائم المبنى، فإذا ما صادف شيء نجاحا لا نقوم بتغييره».

لكن هذا النوع من التناغم ليس بالأمر الجديد، فمباني الحجر البني في مدينة نيويورك التي يحبها الناس كما هي تبدو متناسقة، وقد أقيمت مجموعة منها تبدو مثل صف من الجنود في زيهم الرسمي.

وعلى الرغم من الأسلوب الموحد الذي يغلب على مباني روستك، فإنه أدخلت عليها بعض التعديلات بمرور الوقت، حيث بدأت الشركة المطورة في تركيب مشعات التدفئة وأجهزة حديثة ونوافذ أكثر جمالا واستخدام ألواح زجاجية أقل. كما قلصوا من الشرفات الضخمة التي كانت تتميز بها المباني القديمة، واستحدثوا بعض الجماليات التي أغضبت بعض السكان.

ويقول فانس، مهندس معماري يعيش بالقرب من مبنى بلفيدير: «المباني الأخيرة كانت مرضية بشكل كبير. لكن الشرفات الضخمة لم تكن جيدة على الإطلاق».

ويرى ماثيو كودي، أحد دعاة المحافظة على المباني الأثرية ومؤسس مجموعة تدعي الحفاظ على غرين بوينت، أن «مباني بلفيدير لم تكن ناجحة بالمعنى الكامل، لكنها لم تثر حفيظة دعاة الحفاظ على المباني التراثية بقدر المباني الحديثة».

ويقول كودي، مستشهدا بالتفاصيل القديمة مثل حواف النوافذ والقواعد الحجرية التي صنعت لتبدو أشبه بالحجر الجيري. لكنها لا ترقى إلى مستوى المباني التي يحاولون تقليدها.

ويرى فانس أن مباني بلفيدير من الداخل لا تزال مكانا متميزا للعيش فيه. فالمواد التي استخدمت فيه ذات جودة عالية، والأبنية قوية، لكن مبنى بلفيدير XXX في شارع غرين يحظى بالكثير من الثناء.

فمبناه المصنوع من الطوب الأحمر، المحددة بأعمدة بيضاء وحواف نوافذ عتيقة، وشرفات مرتفعة وكلمات منقوشة على المدخل: قلعة أوشو. إنه مبنى خاو وسيطرح قريبا للإيجار للمرة الثانية. إنه مبنى بني على غرار مباني بلفيدير.

ويقول آشفين شاه مالك المبنى، عن أسلوب بلفيدير: «أنا أحب هذا الطراز من المباني»، ولذا استتأجر شاه مهندس بلفيدير المعماري لإنشاء مبناه، وأضاف: «أردنا أن نبنيه على نفس النمط».

* خدمة «نيويورك تايمز»