الانتعاش يعود إلى عقارات فلوريدا.. لكن السوق الأميركية ما زالت مكبلة

مع عودة نسبة كبيرة من المشترين بينهم أجانب

عقارات فلوريدا تقود الانتعاش للقطاع في أميركا («الشرق الأوسط»)
TT

عادت نسبة كبيرة من المشترين، وبعضهم من الأجانب، إلى قطاع العقارات في ولاية فلوريدا الأميركية وارتفعت معدلات الأسعار إلى ما كانت عليه قبل سنوات التراجع، ولكن سوق العقار الأميركية بوجه عام ما زالت مكبلة بعوامل سلبية فاعلة من أهمها وجود نسبة كبيرة تصل إلى 20 في المائة من المقترضين الذين تزيد قيمة قروضهم عن قيمة العقارات المرهونة، وخروج المشترين الجدد من السوق وصعوبة الاقتراض. وتبدو سوق العقار الأميركية عاجزة وتحتاج إلى المزيد من الدعم لكي تستعيد نشاطها.

ويرى الزائر إلى فلوريدا أن كثيرا من المشروعات التي توقفت أثناء ذروة أزمة العقار الأميركية في عام 2008، عاد إليها النشاط مرة أخرى. من هذه المشروعات مشروع اسمه «تشامبيونز غيت» على الطريق السريع رقم 4. ويمتد هذا المشروع على مساحة 900 فدان ويضم 3200 عقار جديد بالإضافة إلى ملعب غولف. وأثناء الأزمة توقف البناء في المشروع ولم يستكمل ملعب الغولف، ولكن ملعب الغولف اكتمل الآن وعاد البناء مرة أخرى في الوحدات العقارية مما يعطي الانطباع أن حالة من الانتعاش قد عادت إلى هذا القطاع في فلوريدا.

ويصاحب هذا النشاط العقاري معالم أخرى متعددة للانتعاش، منها عودة صعود الأسعار إلى المستويات السابقة للأزمة وانتعاش مبيعات السيارات والشاحنات وتحسن معدلات التوظيف وتحسن أداء الشركات. ولكن آثار أسوأ أزمة عقارية في تاريخ العقار الأميركي تبقى في الذاكرة وتمنع الأميركيين من الاستغراق في أوهام انتعاش لا ينتهي في سوق العقار.

وتتذكر شركات العقار المحلية مراحل الانتعاش والكساد التي مرت بالولاية. في البداية كان التفاؤل يسود الجميع، من السكان إلى السياح ووكلاء العقار أنفسهم، وتسارع الجميع إلى شراء الفيللات ووحدات المنتجعات السياحية بتمويل رخيص، مع ثقة تامة في أن الأسعار تتجه في طريق تصاعدي لن ينتهي. ويعترف حتى أصحاب شركات العقار المحليين بأنهم انخدعوا بمظاهر الرخاء وبعضهم اشترى عقارات على أساس استثمارها لحسابه.

ولكن بداية المتاعب بدأت في بدايات عام 2008، حيث انفجرت فقاعة توريق القروض وتوقف التمويل فجأة بين عشية وضحاها، وانهارت معها أسعار العقارات. وفي عام 2009 بيعت عقارات بنصف ثمنها الذي كان معلنا قبل عامين من الأزمة. من هذه العقارات فيللا بأربع غرف نوم وثلاثة حمامات كانت معروضة في عام 2006 بسعر 350 ألف دولار، ولكنها بيعت في عام 2009 بسعر 170 ألف دولار.

ويقول وكيل عقاري محلي اإنه كان يحصل على نصف دخله من بيع القروض بالإضافة إلى بيع العقارات. ولكنه أفلس في عام 2009 بعد أن توقف نشاط شركته وانهارت قيمة عقاراته التي اشتراها للاستثمار فيها.

وهو يقول إنه كان يتخصص في بيع العقار للبريطانيين، خصوصا للسياح الذين يزورون عالم ديزني في فلوريدا، ولكن هؤلاء اختفوا تماما بسبب تراجع الجنيه الإسترليني إزاء الدولار وأيضا بسبب تراجع الاقتصاد البريطاني. أما الآن فإن أغلبية المشترين في فلوريدا هم من البرازيليين.

ويتكرر الوضع في كثير من شركات العقار المحلية التي تؤكد أن نسبة كبيرة من المشترين كانوا من البريطانيين أما الآن فإن هذه النسبة لا تزيد عن خمسة في المائة بينما المشترون الجدد ينتمون إلى جنسيات مختلفة تشمل البرازيل وكندا والنرويج والصين وأيضا للأميركيين أنفسهم القادمين من ولايات شمالية بحثا عن الشمس.

من مظاهر التغيير أيضا في سوق عقار فلوريدا أن نسبة كبيرة من المشترين الآن ينجزون صفقاتهم نقدا. وهناك كثير من المشترين الذين يقدمون صكا مصرفيا بقيمة تزيد عن 200 ألف دولار من أجل شراء أحد العقارات في فلوريدا التي تباع الآن بأسعار معقولة.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا النشاط غير المعتاد في فلوريدا لا يمثل الوضع العام في سوق العقار الأميركي. فعلى الرغم من أن أسعار العقار الأميركية ارتفعت خلال ستة أشهر من الأشهر التسعة الماضية، إلا أن نسبة 20 في المائة من أصحاب العقارات ما زالوا يعانون من «القيمة السلبية»، أو قيمة قروض تفوق قيمة عقاراتهم. وعلى الرغم من تدني الأسعار، وأيضا معدلات الفائدة، إلا أن الأغلبية من الأميركيين لا يملكون أموالا كافية أو التصنيف الائتماني الممتاز الذي يتيح لهم دخول السوق.

وتعترف البنوك الأميركية بأن وضع سوق الإقراض لم يتغير كثيرا. وتؤكد ذلك مطبوعة «إنسايد مورتغيج فاينانس» التي تشير إلى أن أسعار الفائدة مستمرة على وتيرة منخفضة ولكن الموافقات على قروض عقارية ما زال متدنيا، وكثير من المشترين غير مؤهلين للحصول على قروض وفقا للشروط المطبقة حاليا.

وتعقد نسبة ثلث الصفقات العقارية حاليا نقدا، ارتفاعا من نسبة خمسة إلى عشرة في المائة في الظروف العادية. ويقتصر معظم النشاط الحالي على مستثمرين وعلى أصحاب عقارات يبيعونها من أجل شراء أخرى أكبر حجما. ولكن مجرد تبادل العقارات بأكبر منها لا يعني توسع السوق أو تحقيق مبيعات جديدة.

ويعاني المشترون الجدد في السوق الأميركية أكثر من غيرهم، فهم ينافسون المستثمرين الذين يدفعون نقدا. ولا توجد برامج حكومية لتشجيع المشترين الجدد، بل على العكس يقتصر نشاط الهيئات الحكومية الآن في مجال الإقراض العقاري على التشدد في تطبيق القواعد الائتمانية التي تمنع وقوع أزمة «صب برايم» أخرى مهما كان الثمن.

ويتوجه الجيل الجديد من الأميركيين الآن إلى الإيجار بدلا من الملكية وهم يلعبون دورا صغيرا في سوق ملكية العقار، ولكن الأغلبية منهم ما زال يحلم بملكية العقار كجزء من الحلم الأميركي في حياة أفضل.

ولكن التحسن مستمر في السوق الأميركية، ومع ارتفاع الأسعار يتقلص عدد العقارات التي تعاني من «القيمة السلبية». وانخفض عدد العقارات الأميركية التي تعاني من ظاهرة القروض التي تفوق قيمة العقارات من 12 مليون عقار إلى سبعة ملايين عقار في العام الماضي. وتعتقد أبحاث شركة «جي بي مورغان» أن عدد هذه العقارات سوف ينخفض إلى أربعة ملايين عقار بعد عامين. ولكن ذلك التطور الإيجابي لا يخفي شعور الغضب السائد من أن الحكومة الأميركية توجهت إلى إنقاذ البنوك التي تسببت في الأزمة بينما تركت أصحاب العقارات والقروض بلا أي دعم يذكر.

وعلى الرغم من تخصيص الحكومة الأميركية لمبلغ 25 مليار دولار لإعانة أصحاب العقارات الذين يعانون من القيمة السلبية، إلا أن البرنامج يعاني من انعدام الشفافية حول كيفية التصرف في التمويل لإعانة المتضررين.

ويشرح البروفسور مارك فايس، الأستاذ في جامعة كولومبيا ومستشار الرئيس الأسبق كلينتون لشؤون الإعمار والإسكان، ما حدث بالقول إن توسيع فرص الملكية للأميركيين كانت ممكنة عن طريق توريق القروض العقارية في صيغة استثمارات يمكن تداولها. ونجحت الفكرة في جذب استثمارات أجنبية إلى الولايات المتحدة، كما وسعت مجال الملكية لطبقات فقيرة.

ولكن خلال السنوات السابقة لعام 2008، أسيء استخدام الفكرة بدخول المضاربات العقارية على نطاق واسع، مما خلق فقاعة عقارية غير مسبوقة وغير مستدامة. وهي أزمة بدأت بأميركا ولكنها سرعان ما انتشرت إلى أنحاء العالم الأخرى وما زال الاقتصاد العالمي يعاني منها. ويعتقد فايس أن الوضع يتحسن تدريجيا في السوق الأميركية، وأن الإصلاحات التي جرت في هذا المجال سوف تستعيد التوازن لسوق العقار الأميركية، حتى لو استغرق ذلك بعض الوقت.

وسوف يعتمد الانتعاش العقاري الأميركي في نهاية المطاف على إنجاز الاقتصاد ومؤشرات التشغيل وأرباح الشركات، وما زالت هذه العوامل متأرجحة بين النمو والثبات، ولكنها على الأقل لا تتراجع.