«فوبيا الطوابق المرتفعة» تلاحق المصريين بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي

تسهيلات السداد لا تغري بالسكن فيها والطلب على الأدوار الأولى يزداد

TT

قد تفصلك عدة طوابق عن الأرض وعناء ضوضاء المدن المصرية، التي لا تهدأ من ضجيج السيارات وأصوات الباعة الجائلين، ونداءات وأحاديث لا تنقطع بين المارة في الشوارع، ليصبح السكن في الأدوار العليا منقذك من آلام لا يشعر بها سوى ساكني الأدوار المنخفضة في العقارات المصرية.

«عادة ما تغير الأحداث والظروف طبيعة وتفضيلات الإنسان لسلعة معينة، ومن الطبيعي أن يخشى الإنسان المرتفعات، وأن يشعر بالقلق وعدم الأمان، إذا ما وقف في منطقة مرتفعة، بحيث تبدو الأشياء ويبدو الأشخاص في الأسفل ذوي أحجام صغيرة دقيقة، لكن هذا الأمر خلال السنوات الماضية لم يؤرق المصريين، بل كان مطلبا لهم خاصة في الشوارع المزدحمة بالسيارات، فالسكن في الأدوار العليا يمنحك مزيدا من الخصوصية»، كما يقول محمد صالح، مقاول عقارات.

ويتابع صالح: «الآن تغير الوضع، فالانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي أفقد الأدوار العليا جاذبيتها، انقطاع التيار يعني توقف المصعد، وهي وسيلتك للوصول إلى تلك الطوابق، ومن دونه ستقابل عناء لا يحتمل. الخوف من اقتناء شقق بالأدوار العليا وصل إلى حد الذعر، أو كما يقال «فوبيا الأدوار العليا»، ولكن «تلك الفوبيا ليست بسبب أمراض نفسية، ولكن بسبب التيار الكهربائي الذي ينقطع بسبب مرض الدولة»، كما يقول صالح.

خليل محمد، شريك صالح الذي يتولى عملية التسويق والتفاوض على الأسعار مع العملاء، يقول: «لم نكن نحدد خلال السنوات الماضية الشقق التي سنقوم ببيعها في العقار الذي نشيده، بل نترك الأمر بأسبقية الحجز، فكان الطلب على الأدوار المرتفعة دائما للسكن العائلي، أما الأدوار المنخفضة فكانت تجذب أصحاب الأعمال لاستغلالها تجاريا، أما الآن فتغير الوضع.. التسابق على بيع الأدوار المرتفعة أولا ونقدم تسهيلات للعملاء، أما الطوابق الخمسة الأولى من العقار، فتكون أسعارها مرتفعة وغالبا لا نقدم تسهيلات لبيع تلك الطوابق».

«المقاولون الآن يتنافسون ويتسابقون للتوصل إلى أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا لجعل المصاعد تعمل وقت انقطاع التيار الكهربائي. ما يوجد الآن في مصر عبارة عن جهاز طوارئ يعمل في حالة انقطاع التيار الكهربائي أثناء حركة المصعد للوصول إلى أقرب دور للمبنى، وهذا فقط لحماية السكان من فوبيا الأماكن المغلقة (يقصد به المصعد)»، يضيف خليل ضاحكا.

أحمد سالم يبحث عن شقة، يفاضل حاليا بين العيش في التجمعات المغلقة (الكمبوند) التي تقع على أطراف العاصمة والتي تتميز أغلبها بطوابقها المنخفضة التي لا تتجاوز الخمسة، والأحياء القريبة من وسط العاصمة.

يقول سالم: «الأولوية عندي الآن للحصول على شقة بأحد الأحياء المجاورة لوسط العاصمة، لا أستطيع تحمل تكاليف سيارة سأقودها لمسافات طويلة خاصة في ظل خطط الحكومة نحو ترشيد الدعم الموجه للوقود، لكن هذا بالطبع يعتمد على الحصول على شقة في الأدوار الأولى، أسأل فقط في البنايات عن شقق متوفرة في الدور الثاني أو الثالث». يضيف سالم: «السكن في الأدوار العليا خلال هذه الأيام يعد مغامرة. أمر بها حاليا في منزل والدي حيث أعيش»، ويضيف: «قد أنتظر أكثر من ساعة لعودة الكهرباء لكي يعمل المصعد للوصول إلى شقة العائلة بالدور السابع، ليست معاناتي فقط؛ ولكن معاناة باقي المصريين الذين يسكنون في الأدوار العليا».

يروى سالم فارق الأسعار الذي وجده بين الشقق بالطوابق المرتفعة وتلك في المنخفضة، ويقول: «في أحد أحياء القاهرة، هناك مجموعة من العمائر، أسعار الشقق من الطابق الأول حتى الطابق السادس تصل إلى 540 ألف جنيه (77 ألف دولار)، فيما يصل سعر الشقة بالمساحة نفسها في الطوابق المرتفعة والأخيرة إلى 350 ألف جنيه (50 ألف دولار)، فالفارق كبير، ولكن لا يضاهي معاناة ستواجهها في المستقبل إذا حلقت في إحدى الوحدات بالطوابق المرتفع». ويتابع: «إذا لم أستطع الحصول على شقة في الأدوار الأولى، فسأتجه للسكن بالكمبوندات، فطوابق بناياتها منخفضة، والمعاناة من انقطاع التيار الكهربائي أقل».