سوق العقار الإسبانية تنهار بنسبة 60% منذ 2007

خبراء يقولون إنه لم يصل القاع بعد ومرشح لمزيد من التراجعات

سوق العقار الإسبانية تحصي الخسائر بعد فترة الارتفاع الجنوني («الشرق الأوسط»)
TT

في لقاء مع محامي العقار الآيرلندي جون بيرن المقيم في جنوب إسبانيا، أكد الخبير العقاري أن سوق العقار الإسبانية لم تستقر عند القاع بعد، وأنها تراجعت في العام الماضي بنسبة 13 في المائة، بالإضافة إلى 7 في المائة أخرى منذ بداية هذا العام، إلى نسبة 20 في المائة منذ عام 2010، وبإجمالي تراجع يصل إلى نسبة 60 في المائة منذ عام 2007.

ويرى بيرن أن البنوك الإسبانية تساهم في تعميق المشكلة بعدم الإقراض العقاري بالمرة، ومزاحمة البائعين بخطف المشترين منهم وعرض عقارات مصادرة رخيصة عليهم.

ولا يرى بيرن بريقا في نهاية النفق بعد، ويقول إن مشكلة العقار الإسبانية يبدو حتى الآن أنها مزمنة وسوف تستمر للمدى المنظور. وأشارت مصادر سوق أخرى إلى أن هناك مليون عقار إسباني معروض للبيع، ولكن بلا مشترين في السوق.

وذكر بيرن عدة حالات لمشترين إسبان تعاقدوا لشراء عقارات يملكها أجانب في إسبانيا، وذهبوا إلى البنوك لطلب قرض عقاري. فكان رد الفعل الأولي هو رفض الإقراض، ثم الحديث مع المشتري حول ما يملكه البنك نفسه من عقارات رخيصة مصادرة من أصحابها، واستعداد البنك لتمويل شراء هذه العقارات وليس غيرها.

وتتوقع بيانات بنك الاتحاد السويسري «يو بي إس»، أن أسعار العقار الإسباني سوف تهبط بنسبة 8 في المائة إضافية قبل الوصول إلى قاع السوق وبلوغ مستويات تجذب المشترين مرة أخرى، وهي مستويات كانت سائدة في عام 2003، ويعتقد البنك أن الاقتصاد الإسباني سوف يستمر في حالة كساد لمدة عامين آخرين على الأقل.

أما بنك «بي بي في إيه» وهو ثاني أكبر بنك إسباني ولديه 15 ألف عقار مصادر، فهو يتوقع أن تتراجع أسعار العقارات الإسبانية بنسبة 15 في المائة إضافية خلال العامين المقبلين، ولكن البنك لا يرى التراجع في كل المناطق، حيث وصلت الأسعار في تقديره إلى مستوياتها الدنيا في بعض المناطق الجيدة.

وتقول هيئة تقدير الملاءة «ستاندرد آند بورز» إن الأسعار في إسبانيا سوف تتراجع 20 في المائة إضافية خلال السنوات الأربع المقبلة، ولكن الأرقام التي تعتمد عليها الوكالة لا تستند إلى إحصاءات موثقة وترفضها جهات إسبانية.

ورغم أن البنوك الإسبانية كانت السبب الأساسي في فقاعة العقار الإسبانية بسبب إقراضها السهل، فإنها ما زالت تمارس الآن سياسات غير مفهومة وتساهم في تعميق الأزمة في السوق. وفي الماضي لم تكن القروض السهلة تتوجه فقط للمشترين، وإنما أيضا لمطوري العقار الذين وصل بهم الأمر أحيانا إلى استخراج تراخيص بناء مزورة في مناطق محميات طبيعية، وهي عقارات جرت مصادرتها بعد ذلك وخسر المتعاقدون عليها أموالهم.

أما الآن فالبنوك تتبع عدة قواعد مغايرة، منها خفض الإقراض إلى الحد الأدنى، خصوصا للمناطق الريفية، وبحد أقصى 50 في المائة من إجمالي الثمن، واعتبار الأجانب مقترضين خطرين، ولذلك حصرت الإقراض لهم إلى الحد الأدنى. ومع ذلك ما زالت البنوك الإسبانية تقدم قروضا عقارية بنسبة 100 في المائة للإسبان الراغبين في شراء عقارات مصادرة تملكها البنوك.

من ناحية أخرى قالت محامية عقارية إسبانية اسمها بالوما راموس تعمل من مكتب لها في مدينة فوينخرولا على الساحل الجنوبي إنها لا تنصح أي مالك عقار في إسبانيا بالبيع في الوقت الحاضر؛ لأنه لا يوجد هناك مشترون جادون إلا في القطاع السوبر الذي تنجز فيه الصفقات نقدا. أما بقية الصفقات التي تجري فهي ما تسميه صفقات «قهرية» يضطر البائع لقبول أي عرض للتخلص من ديونه ويشتري الطرف الآخر بأسعار بخسة بغرض بيعها فيما بعد بأسعار أعلى.

واتفق عدد من شركات تسويق العقار في جنوب إسبانيا على أن السوق مجمدة تماما ولا توجد بها حركة بيع أو شراء؛ فالبائعون فقدوا الأمل في وجود مشترين ملائمين ويرفضون خفض الأسعار إلى مستويات تسجل لهم خسائر، والمشترون من ناحيتهم يعرفون أن السوق ما زالت منهارة، وأن ما يشترونه اليوم بمائة ألف يورو يمكن أن يباع غدا بسعر أقل؛ ولذلك فهم يفضلون الانتظار.

وتشير إحصاءات عقارية إسبانية إلى أن الأجانب زادوا من مشترياتهم في إسبانيا إلى نسبة 8.2 في المائة وبمجموع 27 ألف وحدة عقارية تقريبا. وكانت هذه النسبة لا تزيد على 4.2 في المائة في عام 2009. وتوازي أهمية المشترين الأجانب في إسبانيا الآن ما كان عليه الوضع قبل انفجار الفقاعة في نهاية عام 2007. وتتوجه معظم المشتريات الأجنبية في إسبانيا إلى المناطق الساحلية، وبنسب متفاوتة. وتبلغ نسبة المبيعات إلى أجانب من إجمالي الصفقات نحو 33 في المائة في منطقة أليكانتي، وخصوصا في كوستا بلانكا، وبنسبة 6 في المائة في برشلونة، و25 في المائة في كوستا برافا، و17 في المائة في جزر الكناري، و11 في المائة في مورسيا، و27 في المائة في تناريف.

وفي الوقت الذي زاد فيه المشترون الأجانب في إسبانيا بنسبة 12.7 في المائة في إسبانيا انخفض عدد المشترين الإسبان بنسبة 18.4 في المائة. ومن المتوقع أن يستمر الأجانب مسيطرين على نسبة 10 في المائة على الأقل من سوق العقار الإسبانية مع استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، واستمرار أزمة الإقراض من البنوك.

وتشير مصادر السوق إلى أن الأجانب يدعمون السوق ويمنعون سقوطها أكثر إلى براثن الكساد. ووصف جون بيرن الوضع بأن الأجانب منعوا عجلات سوق العقار الإسبانية من الانخلاع.

أما هوية هؤلاء الأجانب فهي تتراوح بين البريطانيين والاسكندنافيين والروس بنسب 23 و17 و13 في المائة على التوالي. ثم يأتي بعد ذلك الفرنسيون والألمان وآخرون. ويبدو من هذه الهيكلية أن معظم المشترين ما زالوا أوروبيين، ولم تفلح إسبانيا في جهود تشجيع السوق العقارية عن طريق منح الإقامة للأجانب المشترين من خارج أوروبا.

من ناحية أخرى، تساهم بلدية الأندلس في الأزمة بطريقتها الخاصة، خصوصا أن مجلسها المنتخب مكون الآن من مجموعة اشتراكية؛ فقد أصدرت البلدية في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشريعا يقضي بالاستيلاء على العقارات التي تصادرها البنوك وإسكان العائلات المشردة فيها لفترة ثلاث سنوات أو حتى نهاية الأزمة العقارية. وتعاني إسبانيا من وجود نصف مليون عائلة فقدت مساكنها بسبب عجزها عن دفع أقساط القروض العقارية، مما تسبب في طردها واستيلاء البنوك عليها. ويجري استيلاء البنوك على العقارات بمعدل 45 حالة طرد لأسر متعثرة يوميا. ويبدو أن البطالة هي العامل الأساسي في تعثر الأسر، خصوصا أن البطالة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة تخطت نسبة 35 في المائة بين الشباب.

وتقترح بلدية الأندلس فرض غرامة تصل إلى تسعة آلاف يورو سنويا على العقارات الشاغرة التي يملكها أفراد اعتباريون (أي مؤسسات) ويعفى من هذه الغرامة عقارات الأفراد الطبيعيين. كما أصدرت البلدية أوامر للمجالس المحلية للمدن لرفع الضرائب على العقارات الشاغرة بنسبة 50 في المائة، سواء كانت مملوكة لأفراد اعتباريين أو طبيعيين. وتستثنى من ذلك العقارات السياحية والمؤجرة وتلك التي يملكها أجانب كعقارات ثانية للعطلات.

وتقول البلدية إن القانون الجديد مخصص لمساعدة المتعثرين الذين فقدوا عقاراتهم. ووصف أحد خبراء العقار هذا القانون بأنه «فن إيجاد مشاكل من وضع ليس فيه مشاكل أصلا». ومثل هذه التعقيدات قد تثير مخاوف من يريد الشراء في إسبانيا، وتساهم في حد ذاتها في تراجع السوق وخمولها.