عودة «الفورة المذهلة» لقطاع المساكن البريطاني

ازدهار كبير في استثمار عقارات الإيجار في لندن

جانب من وسط لندن («الشرق الأوسط»)
TT

أشارت الإحصاءات الاقتصادية البريطانية إلى نسبة نمو قدرها 0.6 في المائة في الاقتصاد البريطاني خلال الربع الثاني من العام الحالي، بعد فترة طويلة من التراجع والركود. وتوافقت هذه الإحصاءات مع مؤشرات أخرى لارتفاع معدل الثقة بين المستثمرين البريطانيين وبداية انتعاش للقطاع العقاري، خصوصا في المدن الشمالية والبعيدة عن لندن والتي لم تصل فيها الأسعار بعد إلى المعدلات التي كانت عليها قبيل انتكاسة عام 2008.

ومع عودة هذه الثقة، ومع توقع بقاء معدلات الفائدة عند حدود النصف في المائة القياسية لعدة سنوات أخرى وفقا لمحافظ بنك إنجلترا الجديد مارك كارني، يتوجه الكثير من المستثمرين إلى القطاع العقاري بغرض استثمار مدخراتهم في قطاع الشراء من أجل التأجير.

ويتركز هذا النشاط في لندن التي تعد من أفضل مواقع الشراء من أجل التأجير في أوروبا، فهي تستقبل أعدادا من السكان والعاملين فيها أكثر من غيرها، كما أن معدلات الإيجار فيها أعلى. وحتى خلال فترة الكساد السابقة ظلت عقارات لندن مستقرة على مستويات عالية من الإيجارات معتمدة على نقص مزمن في العقارات المتاحة للإيجار في العاصمة البريطانية.

وعلى رغم ارتفاع معدل الإيجارات فإن سكان لندن لا يفكرون في الابتعاد عنها كثيرا، وخصوصا أن أسعار السفر بالمواصلات العامة، والقطارات باهظة، مما يعني أن من يسكن في الضواحي البعيدة سوف ينتهي به الأمر في إضاعة الوقت والمال في المواصلات بلا عوائد حقيقية.

ومن أهم عوامل التوجه إلى الاستثمار في عقارات لندن أيضا أنها تخالف التيار في استمرار ارتفاع القيم العقارية فيها مهما كانت التحولات الاقتصادية في بقية أنحاء بريطانيا.

وتقول وكالة العقار «لودلو تومسون» إن العقارات القديمة أفضل من الجديدة في العوائد الإيجارية ولكنها تنصح بإجراء مسح هيكلي على هذه العقارات للتأكد من سلامتها، وهي تؤكد أن التكاليف الإضافية لمثل هذا المسح تبرر تجنب عقارات بها عيوب هيكلية قد تكون باهظة التكلفة لإصلاحها.

وتضيف الوكالة أن قرار فرش الشقق المؤجرة يعود إلى المالك ونوعية المستأجر الذي يريد أن يجذبه إلى العقار، فالعقار المفروش يجتذب الطلبة والمحترفين من صغار السن، بينما المستأجرون من كبار السن الذين يريدون الاستئجار لفترات طويلة قد يفضلون إحضار مفروشاتهم ومتعلقاتهم معهم. وهي تنصح بضرورة الحصول على توصيات حول المستأجرين بشأن الملاءة وتغطية الالتزامات المالية. ويمكن أيضا الاستعانة بالتأمين الخاص الذي يضمن لمالك العقار التعويض عن الإيجار المفقود والتكاليف القانونية.

ويقول ستيفن لودلو أن أصحاب العقارات الذين تقلقهم مسألة عدم التزام الساكن بدفع الإيجار يمكنهم الاستعانة بست خطوات تضمن لهم حقوقهم. وهذه الخطوات هي: التأكد من أن الساكن باستطاعته دفع الإيجار وذلك بمراجعة تاريخه الائتماني والتأكد من مصادر التوصية على الساكن. ويمكن بمراجعة موقع عمل المستأجر التأكد أن بإمكانه دفع الإيجار بلا متاعب. ولا يجب توقيع تعاقد الإيجار إلا بعد التأكد من كل التوصيات. ويحول أصحاب العقار المحترفون، خصوصا هؤلاء الذين يديرون مجموعة من العقارات، مسألة التأكد من التوصيات إلى شركات عقار متخصصة.

ويجب أن يلتزم الساكن بدفع الإيجار تلقائيا من مصرفه عن طريق الخصم المباشر (Direct Debit) ورفض الدفع بالشيكات المصرفية.

ويمكن الاستعانة أيضا بشركات التأمين التي تغطي لصاحب العقار مخاطر عدم دفع الإيجار بعد 60 يوما وتكاليف مقاضاة الساكن وإخلاء العقار. وتبدأ مثل هذه الوثائق التأمينية من حدود 300 إسترليني (450 دولارا) سنويا، وهي تغطي مخاطر عدم الدفع بحد أقصى عشرة آلاف إسترليني (15 ألف دولار) وتكاليف قانونية حتى مبلغ 50 ألف إسترليني (75 ألف دولار).

ويعتقد ستيفن لودلو أن حالات عدم دفع الإيجارات ما زالت نادرة والتأمين ضدها ينخفض في التكلفة عاما بعد آخر. ويمكن خصم تكاليف هذا النوع من التأمين من ضرائب العقار. وتشترط شركات التأمين أن تكون إجراءات فحص السجل الائتماني للمستأجر قد جرت بأسلوب محترف ومن شركة متخصصة.

من الناحية الضريبية، يجتذب هذا النوع من الاستثمار ضريبة قيمة مضافة تبلغ نسبتها 18 في المائة على الفارق بين سعري الشراء والبيع مع إعفاء أول سبعة آلاف إسترليني من الضريبة. ويمكن التخلص من هذه الضريبة في الإقامة في العقار لبعض الوقت بعد نهاية فترة التأجير. ولكن القرار النهائي يمكن أن ينصح به خبير ضريبي بريطاني.

وتشير تقارير نشرت أخيرا إلى أن سوق العقارات المعدة للتأجير في لندن يسيطر على نسبة 60 في المائة منها الأجانب ومن ضمنهم المغتربون البريطانيون أنفسهم. ويشتري البريطانيون هذه العقارات كنوع من الاستثمار من أجل شراء عقار يقيمون فيه لدى عودتهم النهائية من الخارج.

ويحتاج المستثمر من خارج بريطانيا إلى وكالة عقارية تؤجر وتدير العقار له في غيابه، وهي وكالات تحصل في المتوسط على نسبة 15 في المائة من العوائد. وفي هذه الحالات لا بد من التأكد من نزاهة وسمعة الوكالة التي يكون الاعتماد عليها كاملا ليس فقط في العثور على المستأجر المناسب وإنما أيضا صيانة العقار والإشراف عليه في غياب صاحبه.

وبغض النظر عن موقع إقامة مالك العقار، فإن الإيراد الإيجاري يخضع لضريبة الدخل في بريطانيا ولكن الضريبة تفرض على الدخل الصافي بعد احتساب المصروفات ومنها الصيانة والتأمين ورسوم وكالة العقار وحتى قيمة الفوائد على القرض العقاري ولكن ليس على القرض نفسه.

ويلزم القانون وكالات العقار بخصم نسبة 20 في المائة من إيراد تأجير العقار، وإذا لم تكن هناك وكالة وسيطة فالمستأجر نفسه يجب أن يخصم نسبة 20 في المائة لصالح الضرائب. ويمكن لمحاسب قانوني أن يتولى تسوية الضرائب على نحو سنوي في غياب صاحب العقار.

ويبحث المستثمرون الأجانب في العادة عن العقارات الجديدة التي تكون تكاليف الصيانة فيها مناسبة ويسهل توقعها، حيث تخضع العقارات الجديدة لضمان على البناء والنوعية مدته عشر سنوات.

ويحتاج المستثمر الأجنبي إلى فريق من الخبراء لمعاونته في اتخاذ القرار الصحيح من حيث الموقع المناسب والتفاوض بشأن سعر العقار والاتفاق على القرض العقاري بالإضافة إلى خبير ضريبي ووكالة لتأجير العقار.

وفي حين يشتري بعض المستثمرين عقاراتهم من على الخريطة أو من بين المشروعات الجديدة، فإن الخبير العقاري روبن كامبل من شركة «ميداس إيستيتس» يفضل الاستثمار في العقارات القديمة لعدة أسباب. فالعقار الجديد يحمل سعرا أعلى، ولا يزيد في القيمة إلا بهوامش ضعيفة بفعل عامل التقادم. أما العقارات القديمة فهي تزيد بنسبة سبعة في المائة سنويا (في لندن) وعند تجديدها ينعكس ذلك فورا على رفع قيمتها.

وهناك الكثير من أنواع العقار القديم في لندن الذي يصعب العثور عليه أحيانا، ولكنه يوفر قيمة جيدة للمستثمر على المدى الطويل. وتشمل هذه العقارات الشقق والبيوت الصغيرة التي تسمى «ميوز».

ولكن في النهاية يعد الاستثمار الجيد نتيجة إجراء الأبحاث الميدانية قبل الشراء. ويقول كامبل إن معظم مستثمري العقار يشترون العقارات ضمن نطاق لا يزيد على عشرة أميال من موقع إقامتهم. ولكن الواقع يشير إلى أنهم لا يزورون عقاراتهم أبدا. والأجدى بهؤلاء قضاء بعض الوقت في البحث عن موقع العقار الأنسب من الناحية الاستثمارية، فهذا أفضل لهم من إمكانية تغيير صنبور مياه بأنفسهم في غضون ساعة من الحاجة إليه.

وتشير شركة «نايت فرانك» إلى أن النقاط الساخنة التالية في مجال الاستثمار من أجل الإيجار تقع في مناطق «ناين إيلمز» جنوب لندن و«إيرلز كورت» غربها، نظرا لوجود مشروعات عملاقة في المنطقتين خلال العقد المقبل منها انتقال سفارات إلى «ناين إيلمز» وقيام مشروع عملاق حجمه 12 مليار إسترليني (18 مليار دولار) في «إيرلز كورت».