تراجع أسعار العقار الأوروبية يدفع بموجة شراء أجنبي جديدة

المشترون القدامى يتركون القارة العجوز

تعتبر إسبانيا من أكثر الأسواق العقارية الأوروبية جذبا للمستثمرين الأجانب ومن أكثرها تأثرا بالأزمة العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن هناك قناعة لدى المستثمرين من خارج أوروبا في أن التراجع في أسعار العقار الأوروبية قد وصل إلى قاع دورة الكساد، أو كاد. حيث يتوجه زخم الاستثمار حاليا إلى اقتناء العقارات الأوروبية الفاخرة بأسعار لم تكن متاحة في السنوات الـ10 الأخيرة. ولا يعوق تطور هذه الموجة إلى تيار ملحوظ سوى قوة اليورو إزاء الدولار والإسترليني.

من ناحية أخرى، لاحظت شركات العقار موجة عكسية للمغتربين داخل أوروبا نفسها تتوجه إلى بلدان المنشأ، خصوصا من دول أوروبية أخرى، بسبب الكساد الاقتصادي وصعوبة الأحوال المعيشية في دول مثل إسبانيا والبرتغال واليونان. ولوحظت هذه الظاهرة في بريطانيا التي عادت إليها نسبة 25 في المائة أعلى من المغتربين في إسبانيا ونسبة 42 في المائة من المغتربين في اليونان. ويترك هؤلاء وراءهم فرصا عقارية جيدة لمن يشتري عقاراتهم.

وأكدت شركة «نايت فرانك» العقارية أن الأسعار الأوروبية واصلت التراجع خلال العام الماضي، وبنسب وصلت إلى 7.9 في المائة في إسبانيا و6.9 في المائة في البرتغال و1.4 في المائة في فرنسا. ولكن أسوأ نسبة تراجع كانت في اليونان بنحو 12 في المائة.

وتعتقد شركات الصرافة والبنوك أن توقيت الشراء له أهمية كبيرة في الوقت الحاضر، حيث ما زال اليورو قويا. من ناحية أخرى، تحذر الشركات من أن الفارق الزمني من وقت البحث عن العقار إلى إتمام عملية الشراء قد يصل إلى ستة أشهر أو أكثر، ويتعرض المشتري خلال هذه الفترة إلى مخاطر إضافية لتذبذب العملة.

ويقول ريتشارد براون من شركة «سمارت كارينسي» لتحويل الأموال إن هذه المخاطر يمكن توضيحها بمثال بسيط، وهو أنه إذا كان المشتري قد عثر على عقار أوروبي قيمته 200 ألف يورو منذ عام واحد، وأراد أن يشتريه بتحويل عملة الجنيه الإسترليني، فإن التكلفة حينذاك كانت 160 ألف إسترليني. ولكن هذه التكلفة ارتفعت منذ ثلاثة أشهر إلى 168 ألف إسترليني، وبلغت الآن 171 ألف إسترليني، بسبب تراجع الإسترليني إزاء اليورو.

وهو لذلك يدعو المشترين إلى التحوط من هذه المخاطر. ويمكن ذلك عن طريق تثبيت سعر الصرف في وقت الشراء، وإن كان ذلك يخسر أي زيادة في العملات الأخرى أمام اليورو. ويمكن إلغاء مخاطر العملة بالاقتراض في بلد العقار بالعملة نفسها. ويكون ذلك مربحا خصوصا في حالات تأجير العقار لبعض الوقت، حيث تغطي العوائد الإيجارية أقساط القرض العقاري أو بعضها. وإذا ما زاد سعر الدولار أو الإسترليني إزاء اليورو في المستقبل، فإن إقساط القرض تصبح أرخص تكلفة.

ولكن الاستثمار العقاري لا يتوقف على ثمن العقار، وإنما يشمل الكثير من التكاليف الأخرى التي يجب أن تدخل في الاعتبار، مثل تكاليف الإجراءات القانونية والضرائب والتأمين، التي قد يصل مجموعها إلى نسبة 10 في المائة من إجمالي الثمن.

ويؤكد الهجرة العكسية من الدول الأوروبية إلى بريطانيا تقرير من بنك «ناتويست» الدولي، الذي أشار إلى أن نسبة 63 من كل المغتربين البريطانيين في أوروبا تفكر في العودة مرة أخرى، وتوفر هذه الموجة العكسية كثيرا من الفرص للمستثمرين الجدد.

وتنتشر موجة المشترين الذين يبحثون عن الفرص في الأسواق الأوروبية في الوقت الحاضر، لأن البائعين يضطرون إلى البيع بأقل من سعر السوق من أجل إتمام صفقات سريعة.

ولكن خبراء العقار لا ينصحون بالشراء العشوائي أو العاطفي المبني على إعجاب المشتري بموقع معين أثناء عطلته السنوية هناك. والنصيحة هي ضرورة إجراء أبحاث السوق اللازمة من أجل الشراء في الموقع الأمثل.

والمواقع الجيدة هي تلك القريبة من المطارات خصوصا لو كانت مطارات تخدمها خطوط الطيران الرخيصة. أيضا لا بد من وجود الخدمات السياحية والمطاعم والشواطئ. ولا بد من الحديث مع سكان الموقع عن ظروف المكان خلال فصول تراجع السياحة، فهذا مهم، خصوصا في حالات الرغبة في تأجير العقار.

وتبقى فرنسا وإسبانيا من أشهر المواقع التي تجذب الاستثمار العقاري الأجنبي. وفي فرنسا، تعاملت الحكومة بشكل جيد مع موجة الكساد التي خرجت منها مؤخرا، كما اتضحت صورة الضرائب الجديدة على القيمة العقارية المضافة التي كان الغموض حولها يعرقل الاستثمار الأجنبي في عقارات فرنسا. وما زالت معظم العقارات في البلدين تباع نقدا نظرا لصعوبة الحصول على قروض عقارية، ولكن توجد في فرنسا بعض القروض بشروط محددة.

ولن يتأثر المشتري للعقارات الفرنسية على المدى البعيد من التغيرات الضريبية التي أعلنت عنها الحكومة، والتي تزيد من الضريبة العقارية ولكن بنسب متراجعة، كلما امتدت فترة الملكية. وتوفر فرنسا كثيرا من العوامل الإيجابية لبداية موجة شراء الأجانب للعقارات فيها. فتكاليف الاقتراض فيها تراجعت وبلغت فوائد القروض العقارية حدودا دنيا لم تصل إليها منذ 60 عاما. كما أن تباطؤ السوق دفع بأسعار العقار إلى معدلات متدنية أيضا.

وتصل فوائد القروض العقارية لمن يدفع نسبة 20 في المائة من قيمة العقار إلى 2.1 في المائة على فترة 10 سنوات، ترتفع إلى 3.5 في المائة لقروض ممتدة إلى 25 عاما. ويحذر أحد أصحاب العقار في فرنسا من صعوبة التعامل مع البنوك الفرنسية، فهي عالية التكلفة من ناحية، وتعاقب من يتخطى حدود ائتمانه من الأجانب بإغلاق حسابه ومنعه من فتح حسابات جديدة في فرنسا لسنوات. وتتم كثير من المبيعات حاليا لمستثمرين من أستراليا، لأن قيمة الدولار الأسترالي مرتفعة مقابل اليورو. ويعتقد كثير من المشترين أن القيمة الحقيقية للشراء في فرنسا هي لهؤلاء الذين يفكرون في التقاعد فيها، ولا فإن إيجار العقارات السياحية لفترات محدودة سنويا يكون هو الخيار الأرخص. وتعد تركيا أكبر الدول الجاذبة للاستثمار العقاري حاليا خارج كتلة الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من بعض الاضطرابات السياسية وقربها الجغرافي من سوريا. ويقبل الأوروبيون والبريطانيون على العقارات التركية السياحية في منطقة الجنوب الغربي، ويستفيدون من ارتفاع قيمة اليورو والإسترليني أمام الليرة التركية خلال العام الأخير. ولكن ما يحققه المستثمرون في فوارق أسعار العملة يخسرونه في ارتفاع قيمة العقارات التركية التي ارتفعت بنسبة 11.5 في المائة في العام الأخير أيضا، وفقا لتقديرات شركة «نايت فرانك». وجاءت معظم هذه الزيادة من تخفيف القيود على شراء الأجانب للعقارات في تركيا. وتبدو إجراءات الشراء سهلة في تركيا، وتبدأ باستخراج ترخيص عسكري بأن العقار لا يقع في منطقة عسكرية، ثم تبدأ الإجراءات التالية لنقل الملكية، وتسجيل المالك الجديد.

وتعد تركيا من المناطق الجاذبة للمستثمر العربي، نظرا للقرب الجغرافي من الشرق الأوسط وسهولة السفر إليها واعتدال المناخ معظم فترات العام وإمكانية تأجير العقار بسهولة في حالة عدم استخدامه بصفة دائمة.