آسيا تقود موجة ارتفاع أسعار العقار حول العالم

وسط تدفق قوي للاستثمار الدولي على «الملاجئ الآمنة»

استعاد القطاع العقاري في دبي نسبة كبيرة من قيمته التي وصلت إلى أكثر من 60% («الشرق الأوسط»)
TT

أشار أحدث تقرير من شركة «نايت فرانك» العقارية الدولية، حول إنجاز أسواق العقار الفاخر في العالم، إلى أن الدول الآسيوية، وبوجه خاص إندونيسيا، تقود الموجة الجديدة لارتفاع أسعار العقار حول العالم.

وعلى الصعيد العربي بدأت دبي تتعافى من آثار أخطر موجة كساد شهدتها قبل خمس سنوات وخفضت قيمة عقاراتها بنسب كبيرة وصلت إلى 60 في المائة في بعض الحالات.

وظهرت العديد من المؤشرات في التقرير السنوي الذي يركز على ما يمكن تسميته «الملاجئ الآمنة» للاستثمار العقاري حول العالم.

وشهد هذا التقرير بوادر انحسار موجة تراجع أسعار العقار عالميا، بينما أخذت الحكومات تضع تدابيرها لمنع وقوع فقاعات عقارية أخرى.

ومن نحو 80 موقعا حول العالم شملها البحث السنوي، سجل الثلث منها نتائج إيجابية خلال عام 2012، ولكن نصفها ما زال يعاني من العوائد السلبية وتراجع الأسعار. وما زالت بعض الأسواق تواجه مشاكل جمة، خصوصا في أسواق العقارات السياحية في أوروبا، وإن كانت الأسعار المنخفضة في أوروبا بدأت تجذب موجة استثمار جديدة.

وكانت المنطقة الآسيوية هي مصدر أفضل النتائج الإيجابية خلال العام الأخير وفقا للتقرير، بخمس أسواق ضمن أفضل عشر في النمو على المستوى العالمي. وتحققت أفضل النتائج على الإطلاق في إندونيسيا حيث سجلت جاكرتا نسبة نمو قدرها 38 في المائة يليها منتجع بالي بنسبة 20 في المائة.

واستفادت إندونيسيا من نمو الدخل القومي الإجمالي بنسبة 6 في المائة سنويا خلال خمس سنوات من آخر ست سنوات. كما نمت فيها ثروات الطبقة المتوسطة. ومن المتوقع أن يستمر نمو الأسعار خلال عام 2013 الجاري في إندونيسيا.

وحققت تايلاند نموا بلغ 9.4 في المائة في بانكوك و4.7 في المائة في فوكيت، نظرا لانخفاض إمدادات العقار وزيادة الطلب الاستثماري. أما في الصين، فقد شهد القطاع العقاري نتائج مختلطة بارتفاعات تخطت 10 في المائة في شنغهاي وغوانزو، ولكنها أدنى من ذلك بكثير في العاصمة بكين.

وتعود أسباب التراجع في بكين إلى إجراءات صارمة اتخذتها الحكومة الصينية للحد من ارتفاع أسعار العقار في العاصمة منها قيود على شراء أكثر من عقار وإخضاع عمليات الإقراض العقاري لشروط مشددة وأحيانا بمنع الأجانب من الشراء. ومع ذلك استمر النمو الإيجابي في بكين وإن كان بدرجات أدنى من المدن الصينية الأخرى.

ويشبه الوضع في هونغ كونغ ما يطبق في بكين من حيث تعقيدات ملكية العقار، وإضافة ضرائب قدرها 15 في المائة على مشتريات الأجانب من العقار في المدينة، وهو قرار يطبق على المشترين من الصين في هونغ كونغ. ومع ذلك تضاعفت نسبة زيادة الأسعار من 4.6 في المائة في عام 2011 إلى 8.7 في المائة في عام 2012.

* الشرق الأوسط

* وفي منطقة الشرق الأوسط، سجلت دبي ارتفاعا في أسعار الفيللات الفاخرة بلغت نسبته 20 في المائة خلال عام 2012. وكانت دبي هي أوضح نموذج لانهيار الأسعار، وفقا لما ذكره التقرير، بين عامي 2008 و2011. ولكن تحسن عام 2012 كان بفضل عودة ارتفاع الطلب وانخفاض الأسعار وموقع دبي كمركز سياحة وتجارة استراتيجي وجذبها للاستثمار من منطقة الخليج وشمال أفريقيا وشبه القارة الهندية.

وكان ارتفاع الأسعار في عام 2012 كافيا لكي يفرض البنك المركزي في الإمارات قيودا جديدة على قروض التمويل العقاري في بدايات العام الجاري. ويعتقد التقرير أن إجراءات بنك الإمارات المركزي لن تؤثر كثيرا في العديد من الصفقات في القطاع الفاخر التي تجرى نقدا، ولكنها قد تزيد من صعوبات القطاع المتوسط الذي بدأ لتوه في التعافي.

من المواقع الأخرى التي ذكرها التقرير مدينة دبلن العاصمة الآيرلندية التي شهدت انهيارا في القيم العقارية بنسبة 60 في المائة بين عامي 2007 و2011، ارتفعت الأسعار فيها في عام 2012 بنسبة 2.5 في المائة. وأثناء الأزمة الاقتصادية ظهرت لندن ونيويورك وميامي كملاجئ آمنة للمستثمرين الهاربين من تراجع البورصات وانخفاض أسعار الفائدة وتزايد الأخطار السياسية. ويبحث المستثمرون الدوليون عن القيمة العقارية بين قارات العالم.

واستمرت أسواق لندن في النمو بفضل استثمارات أوروبية هاربة من مخاطر اليورو من ناحية، ومن مستثمرين عالميين من الشرق الأوسط والصين وروسيا وأفريقيا، من ناحية أخرى. كما أصبح الروس عاملا مؤثرا في صفقات العقار في نيويورك وميامي، مع تصاعد الطلب اللاتيني من أميركا الجنوبية.

وفي نيويورك، واجه الروس منافسة متزايدة من المستثمرين الصينيين. وتسبب تراجع أسعار العقار الأميركي بسبب الأزمة الائتمانية في زيادة جاذبية هذا العقار للمستثمرين من جميع أنحاء العالم. وفي الربع الثالث من عام 2012 فاق حجم الصفقات العقارية في نيويورك ما تحقق فيها منذ 25 عاما. وساهم في هذا الارتفاع وجود العديد من مشروعات العقار الجديدة ذات النوعية الجيدة التي تروق لكبار المستثمرين الأجانب.

* منطقة اليورو

* وأشار التقرير إلى متاعب منطقة اليورو، التي شهدت في عام 2012 سادس عام على التوالي من التراجع في القيم العقارية. وكانت أزمة اليورو مصاحبة لأسواق العقار في كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا. وكان العامل السائد هو القلق وعدم الثقة التي لم تساعد المستثمرين على اتخاذ القرار وأبقت على جمود الأسواق.

وظهرت هذه المخاوف بوضوح في السوق الفرنسية عندما انسحب العديد من المستثمرين الأجانب بعدما اتخذت الحكومة قرارها برفع الضرائب على الأثرياء. وكان رد الفعل الأكبر لهذه الضرائب على حجم الصفقات بينما كان التراجع في القيمة طفيفا بالمقارنة مع أسواق أوروبية أخرى مثل إسبانيا. وكان إنجاز قطاع العقار فيما تحت حد الخمسة ملايين يورو جيدا بينما توجه المستثمرون في القطاع الفاخر إلى موناكو وسويسرا بدلا من فرنسا. وتوجه آخرون إلى مدن مثل برشلونة الإسبانية.

وتبدو أسواق العقار الفاخر في أميركا الشمالية مستمرة في الانتعاش مدفوعة في ذلك بتحويل الثروات من الأسواق الناشئة. وبينما الأسواق الأوروبية ما زالت في طور النقاهة بعد أزمة اليورو، ظلت لندن هي الاستثناء في أوروبا.

من نتائج التقرير الأخرى أن توجهات رأس المال الدولي كانت من القوة بحيث إنها أخذت تؤثر في توجهات الأسواق المحلية وإلى درجة أن الحكومات تحاول الآن بقدر استطاعتها خفض تأثير هذه التوجهات على الأسعار. ويمثل نجاح الاستثمار الدولي في العقار الفاخر أحد المخاطر الكامنة بتركيز هذه الاستثمارات في مناطق محدودة. وجاء في تحليل الشركة أن كبار الأثرياء في العالم، الذين تفوق ثرواتهم السائلة حجم 30 مليون دولار، سوف يزيد عددهم بنحو 95 ألف شخص خلال السنوات العشر المقبلة. ومن مقارنات التقرير أن نسبة نمو اقتصادات البرازيل وروسيا والهند والصين (مجموعة بريك) تماثل في نموها السنوي حجم الاقتصاد الإيطالي. وبإضافة 15 سوقا ناشئة في العالم، فإن نسب النمو فيها تماثل نموا بحجم اقتصاد اليونان يضاف كل شهر إلى حجم الاقتصاد العالمي. ونتيجة لهذا النمو يزداد عدد الأفراد الذين لديهم الرغبة والقدرة على شراء عقارات فاخرة حول العالم سواء في لندن أو هونغ كونغ أو نيويورك أو جنوب فرنسا. وبينما يزداد هذا الطلب فإن إمدادات العقار الفاخر ومواقعه تظل شبه ثابتة، ولذلك ترتفع الأسعار.

وأخيرا تحولت مسألة شراء الأجانب للعقارات إلى قضية سياسية مع ارتفاع الأسعار فوق طاقة المشترين المحليين. وهناك العديد من الأسواق حاليا، من بينها دبي وأستراليا والصين وسنغافورة، تضع فيها الحكومات قيودا على شراء الأجانب للعقارات بالجملة وتحدد نسبا للقروض بالمقارنة مع قيمة العقار. وحتى في أوروبا تفرض بعض القيود، منها قيود على العقارات الثانية في سويسرا وعلى القطاع فوق المليوني إسترليني في بريطانيا بزيادة رسوم التمغة عليه. ولكن الحكومات تسير بحذر في هذا الاتجاه حتى لا تقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا لاقتصادها المحلي.