السعودية: العقاريون قلقون من إمكانية توقف مشاريعهم بسبب الأيدي العاملة

المهلة التصحيحية تعصف بشركات الإنشاءات الصغيرة والمتوسطة

آثار نقص العمالة قد تمتد إلى قطاع العقار السعودي («الشرق الأوسط»)
TT

أبدى عقاريون سعوديون تخوفهم من إمكانية أن يؤثر انتهاء المهلة التصحيحية للعمالة المخالفة في بلادهم سلبا في قطاعهم، من خلال انخفاض حجم إنجاز بعض مؤسسات وشركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة المشروعات والعقود المبرمة.

ولفت هؤلاء، خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن شركات المقاولات تنتظر ما ستفضي إليه حملة المهلة التصحيحية للعمالة المخالفة التي تعيش أيامها الأخيرة، لتحدد استمرارها أو إغلاقها أو الحد من أنشطتها وأعمالها، خصوصا أن قطاع الإنشاءات من أكثر القطاعات التي كانت تعتمد على العمالة غير النظامية في أوقات سابقة؛ مما يعني ظهور مشكلة جديدة، هي نقص العمالة المتخصصة في مجال البناء. يأتي ذلك في الوقت الذي تسهم فيه الشركات المتوسطة والصغيرة في بناء أكثر من 70 في المائة من إجمالي المشروعات.

جدير بالذكر أن السعودية كانت تعاني منذ سنوات عدة نقصا في أعداد العمالة الماهرة؛ لكن هذا النقص قد يزداد خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن مجموعة كبيرة من الشركات لم يسعفها الوقت لتصحيح أوضاع عمالتها؛ مما يعني غياب شريحة لا يستهان بها من العمالة، ويعكس فجوة مستقبلية في أعداد هذه العمالة المتخصصة في إعمار المنشآت، مما قد يلقي بظلاله سلبا على أداء المقاولات محليا.

وفي هذا الصدد، قال محمد السعيدان، صاحب شركة متخصصة في قطاع المقاولات «إن المستقبل سيحمل لهم كثيرا من المنعطفات التي قد تغير أنشطتهم أو تدعمها أو تحد منها، فكما هو معلوم أن قطاع المقاولات يشهد نسبة مرتفعة من العمالة غير النظامية؛ مما قد يدعم ظهور أزمة حقيقية، في ظل عدم وجود عمالة متخصصة مستقبلا، خصوصا أنهم يعانون منذ فترة قلة الأعداد وندرة المتخصصين الذين يعملون بحرفية».

وزاد السعيدان «الشركات الكبرى لا تعاني أي مشكلة في هذا الصدد؛ لكن الخوف على مستقبل الشركات المتوسطة والصغيرة التي قد تواجه خيارات سيئة قريبا، قد يصل أسوأها إلى حد الإغلاق وأقلها الحد من النشاط، وهو سيناريو سيئ إذا حدث؛ لأنه سيؤثر بشكل مباشر في خزانة المؤسسات، خصوصا أن البلاد تحتاج توسيع عمليات الإنشاء لمواكبة الطلبات المتزايدة، في دولة تعيش نهضة عمرانية شاملة».

يشار إلى أن هناك ارتفاعا في عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالسعودية خلال السنوات الماضية، إذ بلغ 1.3 مليون منشأة العام الحالي، فيما بلغ عدد المنشآت العاملة والنشطة منها 71 في المائة، و29 في المائة منها مغلقة وغير عاملة، كما بلغ عدد المؤسسات الفردية من مجموع المنشآت العاملة 688 ألفا، أي نحو 85 في المائة من إجمالي المنشآت العاملة، استحوذت الرياض على 25 في المائة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وأبان ياسر المريشد، الذي يمتلك شركة استشارات عقارية، أن العقار يعتمد على قطاع الإنشاءات بشكل كبير، باعتباره المحرك الرئيس للحركة العقارية، وكان يجب أن يتم استثناء بعض القطاعات من المهلة التصحيحية وتمديدها، مما ينعكس على المصلحة العامة، باستقرار أجور عمالة الإنشاءات عند وجودهم بأعداد كبيرة، أما في حال تقلصهم بسبب سفر بعضهم لعدم تصحيح أوضاعهم فإن سوق العقار ستتجه إلى مزيد من الارتفاع هي في غنى عنه.

وحول نسبة الارتفاع التي قد تحدث في حال نقص أعداد العمالة، رفض المريشد تحديد أي نسبة متوقعة، إلا أن الناس سيعجزون على أثر ذلك عن تحمل نفقات العمالة، نتيجة انشغال القلة الباقية بالمشروعات التي سبق أن وقعوا عقودها قبل أشهر من إصدار القرار، لافتا إلى أنه حتى من يمتلك المال اللازم للبناء سيضطر للانتظار طويلا حتى يجد العمالة المناسبة التي لم ترتبط بعقد. وكشف أن المستقبل سيكون لشركات المقاولات التي ستتصدر قائمة الشركات الأكثر طلبا من أصحاب الأوضاع النظامية الصحيحة.

ويشهد قطاع البناء في السعودية طلبا متزايدا في دولة تعيش عصرا ذهبيا في قطاع الإنشاءات، في ظل الإعلان عن المشروعات الكبرى التي تزيد الطلب على العمالة، إلا أن السوق كانت وما زالت تعاني قلة العمالة الماهرة المؤهلة، كما أن المهلة التصحيحية ستزيد ندرتهم إلى حد كبير، نتيجة ترحيل العمالة المخالفة، في الوقت الذي من الواجب فيه زيادة أعدادهم لمواجهة الطلب المتزايد عليهم.

وفي الموضوع ذاته، كشف ناصر التويم، مستثمر في قطاع الإنشاءات، أن أكثر من 70 في المائة من المشروعات بالسعودية قامت بها المؤسسات المتوسطة والصغيرة؛ مما يعني أن وجودها على الخارطة العقارية مهم للغاية، وأن من يلجأ إلى الشركات الكبرى هم أصحاب المشروعات الكبرى أو الحكومية، وهم نسبة قليلة من إجمالي المشروعات، وتساءل «في الوقت الذي يجب أن تضخ فيه الحكومة المزيد من العمالة المؤهلة للقيام بالإنشاءات، نجد أن التقليص الإجباري يكون من خلال المهلة التصحيحية التي سيتم جني ثمارها السلبية فور انقضاء آخر يوم من المهلة المتبقية حتى نهاية العام الهجري الحالي».

وصرح الدكتور مفرج الحقباني، نائب وزير العمل، أخيرا، بأن العام الهجري المقبل سيكون عام التفتيش؛ حيث أكد أن الحملة التصحيحية لأوضاع العمالة الوافدة المخالفة لنظامي الإقامة والعمل شارفت على الانتهاء، ولا نية لتمديد المهلة المحددة بنهاية شهر ذي الحجة الحالي. ودعا جميع منشآت القطاع الخاص، والأفراد، والعمالة الوافدة، للمسارعة بتصحيح أوضاع العمالة غير النظامية، والاستفادة من الوقت المتبقي من تمديد فترة المهلة التصحيحية حتى نهاية يوم 29 ذي الحجة الحالي، تجنبا لعقوبات تشمل الإبعاد ومنع العمالة المخالفة من دخول البلاد، والسجن والغرامة المالية لأصحاب العمل سواء كانوا أفرادا أو منشآت، وقد تتعدد العقوبة بتعدد الأشخاص المخالفين.