ارتفاع أسعار العقارات التونسية بنحو 30%

تحولت إلى ملاذ آمن في ظل عدم الاستقرار السياسي

جانب من العقارات في منطقة سيدي بوسعيد بتونس المشهورة بطابعها المعماري المميز
TT

شهدت أسعار العقارات المعدة للسكن ارتفاعا قد يفوق حدود 30 في المائة في كثير من المدن التونسية وذلك خلال السنوات الثلاث الماضية. وأصبحت سوق العقارات عنصر منافسة كبرى واجتذاب مهم للاستثمارات بعد أن مثلت بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، ملاذا آمنا لرؤوس الأموال في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني.

ومنذ بداية سنة 2011 زاد الإقبال على شراء الأراضي والبناءات، وزادت بالتالي تكلفة التهيئة العامة للعقارات بسبب ارتفاع أجرة اليد العاملة، وكذلك في ظل ندرة الرصيد العقاري من الأراضي المعدة للبناء. وقد أثرت هذه العوامل مجتمعة على الأسعار خاصة في تونس العاصمة وباقي المدن الكبرى. كما أن التقلص الكبير لرصيد الأراضي خاصة في المناطق السياحية بالإضافة إلى زيادة الكلفة على مستوى البناء والمقاولات وخضوع سوق العقارات إلى المضاربات والفوائض المتنامية للقطاع البنكي، كل هذه العوامل أثرت بصفة ملحوظة على سوق العقارات التونسية.

وبحسب خبراء تونسيين في مجال العقارات والمساكن، فإن ارتفاع أسعار تسويغ العقارات الموجهة للسكن كان من بين الأسباب التي أثرت على قطاع العقارات ككل. ومن خلال تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال هؤلاء إن سعر كراء بعض الشقق في الأحياء الراقية بلغ حدود 80 دينارا تونسيا(نحو 55 دولارا أميركيا) لليلة الواحدة وهو ما أغرى الكثير من أصحاب رؤوس الأموال على الإقبال على الاستثمار في المجال العقاري لما يمثله من أرباح ثابتة ومخاطر قليلة.

وتشير الإحصائيات الرسمية في تونس إلى أن نحو 23% من التونسيين لا يملكون مساكن خاصة وهم يتنافسون بجهد كبير مع العائلات الأجنبية ويعيشون على الإيجار، وهذا على الرغم من وجود ما لا يقل عن 426.200 شقة شاغرة لا يستغلها أصحابها.

وفي هذا الشأن قال طارق الشعبوني الباعث العقاري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن سوق العقارات استعادت نسقها بصفة أفضل من الفترة التي سبقت الثورة نظرا لارتفاع طلبات التونسيين المقيمين بالخارج على العقارات التونسية. كما أن استقرار كثير من الجنسيات خاصة السويسريين والألمان وبمستوى أقل الليبيين في المناطق السياحية وإقبالهم على شراء العقارات، خلف ارتفاعا ملحوظا على سعر المتر المربع الواحد من الأراضي الذي بلغ حدود ألفي دينار تونسي (نحو 1333 دولار أميركيا).

وأشار الشعبوني إلى تنامي العقبات التي تعترض الباعث العقاري حاليا ولخصها في نقص الأراضي المهيأة وعدم وضع أمثلة للتهيئة العمرانية وطول إجراءات الحصول على التراخيص. وفي مقابل ذلك، أكد أنه لا يتوقع تراجعا في الأسعار خلال الفترة المقبلة نظرا لارتفاع الكلفة وارتفاع الطلب على المساكن بأنواعها سواء منها ذات الطابع الاجتماعي أو المساكن الفاخرة.

وحسب مسح شامل أجرته وزارة التجهيز والإسكان التونسية والهياكل الناشطة في سوق العقارات، فإن سعر المتر المربع الجاهز قد زاد في أغلب المناطق بنحو 400 دينار تونسية (نحو 266 دولارا أميركيا) خلال الفترة التي تلت الثورة التونسية.

وساهمت وزارة التجهيز والإسكان التونسية من ناحيتها، بسن بعض الإجراءات الهادفة إلى التخفيض في أسعار العقارات ومن ثم المساكن وذلك في محاولة لمراجعة سياسة السكن، وتتعاون في تنفيذ هذا البرنامج مع الاتحاد الأوروبي. وتعمل الوزارة على تشجيع الأسر التونسية على البناء الذاتي لقطع الطريق أمام مختلف المضاربين في سوق العقارات.

وتشيد في تونس قرابة 50 ألف وحدة سكنية جديدة في السنة من بينها 40 ألفا ينفذها أصحابها بأنفسهم ولا يتدخل الباعثون العقاريون الخواص إلا لتوفير تسعة آلاف مسكن وهذا العدد الإجمالي من المساكن، لا يكفي للاستجابة للطلب المتزايد على المساكن الجاهزة، حسب بعض الباعثين العقاريين. ولا يزال حسب إحصائيات وزارة التجهيز والإسكان قرابة 570 باعثا عقاريا ينشطون باستمرار في هذا القطاع الحيوي والحساس وذلك من بين ما لا يقل عن 2280 باعثا عقاريا خاصا، مما يعني أن أغلب الباعثين ما زالوا في حالة سبات. ولا يوفر الباعثون العقاريون العموميون من ناحيتهم سوى ألف مسكن في السنة.

وقد غذى استقرار قرابة 450 ألف مواطن ليبي في تونس الطلب على العقارات، ويستقر قرابة 200 ألف منهم في تونس العاصمة والمناطق القريبة منها وهو ما أثر على كافة مكونات سوق العقارات من أراضي ومساكن معدة للكراء.

وتعمل وزارة التجهيز والإسكان من ناحيتها، على إحداث خطة باعث عقاري ذاتي وهو ما يعني مستقبلا التعويل على النفس في بناء المساكن وذلك دون المرور بالباعثين العقاريين وما يمثله من استنزاف لجانب كبير من المدخرات المالية الموجهة لبناء المساكن العائلية.

وجاء في جدول مقارنات أعده بعض الخبراء بخصوص الأسعار المتداولة للأراضي المعدة للبناء، أن الأراضي المعدة للبناء في ضاحية قرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية) تبقى الأرفع سعرا في تونس الكبرى وفي كامل البلاد التونسية، وتليها في ذلك ضواحي سيدي بوسعيد والمرسى وقمرت.

أما داخل البلاد فإن منطقة الحمامات ومرسى القنطاوي وهما من المناطق السياحية التونسية ذات الصيت العالمي، هما المنطقتان الأرفع سعرا بحكم الطلب الكبير على العقارات، وتليهما في ذلك كل من نابل وقليبية وبنزرت وهي كلها مدن واقعة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.