فورة في العقارات الموجهة للطلبة في نيويورك

وسط ارتفاع معدلات الالتحاق بجامعاتها

أحد العقارات الموجهة للطلبة في نيويورك («نيويورك تايمز»)
TT

ربما يكون من المبالغة شيئا ما اعتبار مانهاتن مدينة للطلبة الجامعيين. بيد أن الانتشار السريع للكثير من طلبة ما بعد المرحلة الثانوية عبر هذه المنطقة الإدارية في السنوات الأخيرة قد أضفى على هذا المكان إحساسا يصعب تجاهله حيث يشعر الشخص أنه يعيش في مكان جامعي.

وفي ضوء ارتفاع معدل القيد بالجامعات، زادت أيضا أماكن السكن الجامعي، حيث تشهد المدينة بشكل متزايد بناء مثل هذه الأماكن ليس من خلال الجامعات نفسها فحسب، بل عن طريق المطورين التابعين للغير الذين يستحوذون على المواقع ويتعهدون بعمليات التشييد والتأجير أيضا.

ومع انتشار مدن السكن الجامعي بشكل كبير في وسط المدينة وتفرع الكثير من العمارات، ما بين الحين والآخر، من حرم الجامعة، استهدف النقاد هذه المساكن الجامعية، حيث أكدوا على أن تلك المدن السكنية أضفت شيئا غريبا على هذه المناطق. ويزعم آخرون أن المطورين مهتمون فقط بالمساكن الجامعية للاحتيال من أجل الالتفاف على قوانين تقسيم المناطق، حيث يُسمح عادة بأن تكون تلك المباني الخاصة بالطلبة أعلى من المباني السكنية.

ومع ذلك، ففي ظل الرغبة في الاستفادة من الطلب الشديد على هذه المساكن، يقول المطورون إنهم مستعدون لتحمل المشقة والعناء جراء ذلك.

من جانبه، يقول بريت هيرشينفيلد، النائب الأول لرئيس المؤسسة العقارية «إس إل غرين (SL Green Realty Corporation)»، «لا توجد مساحات كافية للسكن في مانهاتن، ومع ذلك، فإن مانهاتن هي المكان المفضل الذي يرغبه الطلاب». وجدير بالذكر أن مؤسسة «إس إل غرين» هي واحدة من المالكين التجاريين الرئيسين التي تشتهر بأبراجها التي باتت من أماكن السكن الجامعي المتطورة.

ومن أحدث الأمثلة على أماكن السكن الجامعي هذه، نجد المسكن المكون من 23 طابقا والواقع في شارع جون في الحي المالي، والذي شيدته مؤسسة «إس إل غرين» بالمشاركة مع «وارتون بروبيرتيز (Wharton Properties)» و«هارل غروب (Harel Group)، وهي شركة تأمين إسرائيلية. ويقع ذلك المبنى بالقرب من جامعة بيس.

وفي الطوابق العشرين العليا من المبنى، نجد حوالي 230 غرفة بما يوفر السكن لما يقرب من 600 طالبا. وقد جرى تأجير هذه الغرف لجامعة بيس لمدة 30 عاما.

وفي هذا السياق، يعتمد المطورون على إحدى الشقق الموجودة في مقر المبنى، التي تتميز بوجود النوافذ والمواجهة لشبكات النقل الجديدة في فولتون سنتر. وقال هيرشينفيلد سيقوم اثنان من المؤجرين، وهما «إيربان آوتفيترز (Urban Outfitters)» و«تي دي بانك ((«TD Bank، بافتتاح مواقع في عام 2014 في هذه المساحة التي هي عبارة عن شقة تجارية كائنة في ملكية عقارية مشتركة. وتعد عملية التعامل مع هذه الشقة التجارية واحدة من الطرق التي تستخدمها أي منظمة غير هادفة للربح مثل جامعة بيس من أجل الفصل بين عملية تطوير البيع بالتجزئة وبين الاستخدامات التقليدية للعقار.

وعلى مدار عقود من الزمان، كانت جامعة بيس - في المقام الأول - من إحدى الجامعات الخارجية وكانت تقوم بتدبير عملية السكن الجامعي في مبنى ون بيس بلازا (One Pace Plaza)، وهو مبنى شُيد في عام 1969 ويقع أمام سيتي هول (City Hall) ويضم 500 سرير، فضلا عن الفصول المدرسية ومكتبة.

ويقول المسؤولون إن هناك 5500 طالب جامعي مقيدون في الوقت الحالي بجامعة بيس في مانهاتن، مقارنة بعدد 4700 طالب في عام 2008. (وعلاوة على ذلك، تضم الجامعة حرما جامعيا في ضواحي قرية بليزنتفيل في نيويورك). ويقول ويليام ماكغراث، رئيس الشؤون الإدارية بجامعة بيس، جاء الكثير من الطلبة من مناطق مختلفة بالولاية للدراسة بالجامعة، ويعيش 72 في المائة منهم - من بين طلبة السنة الأولى لهذا العام - في شقق السكن الجامعي.

وجدير بالذكر أن مؤسسة إس إل غرين على وشك تنفيذ العمل - بالشراكة مع نافتالي غروب وهارل غروب - لتشييد مبنى كائن في 33 شارع بيكمان، حيث يتكون المبنى من 34 طابقا و384 غرفة سكنية تتسع لعدد 770 طالبا، بالإضافة إلى وجود مكتبة صغيرة ومركز لياقة بدنية بالطابق العلوي. ومن المقرر افتتاح هذا المبنى الشاهق الارتفاع، الذي سيُؤجر أيضا لمدة 30 عاما، في عام 2015.

وأدت التكاليف العالية للاستحواذ على الأراضي، ناهيك عن الرغبة في تجنب حدوث تعثر في الميزانيات بسبب مشاريع الإنشاءات التوسعية، إلى جعل مسألة التأجير أمرا أكثر جاذبية للكثير من المدارس.

ويضيف ماكغراث، الذي تحدث مبدئيا مع مالكي الأراضي بشأن تحويل المكاتب الشاغرة إلى سكن للطلبة، قائلا «لم يكن باستطاعتنا بناء مساكن جديدة للطلبة». بيد أنه قرر في النهاية، على الرغم من ذلك، أنه كان من الأسهل إنشاء منشآت بها غرف صغيرة يمكن مشاركتها بين الطلبة.

ووفقا لإحدى تقرير الإيجار الصادرة عن دوغلاس إليمان في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، يدفع طلبة جامعة بيس 15,800 دولار أميركي مقابل السكن في المدن السكنية الجامعية خلال فترة العام الدراسي، الذي تصل مدته إلى تسعة أشهر، أو ما يعادل حوالي 1760 دولارا أميركيا شهريا، بما في ذلك مصاريف الأثاث والمرافق. وعلى النقيض من ذلك، تصل تكلفة السكن في الشقة المكونة من غرفة واحدة في وسط المدينة، التي لا تشتمل على سرير أو كهرباء، إلى حوالي 2700 دولار أميركي شهريا.

وبالاعتماد على اختلاف قيمة الإيجار، قد يكون من الصعب فهم السبب وراء قيام المطورين ببناء مدن سكنية للطلبة بدلا من الشقق التقليدية. ولكن، حسبما يوضح السماسرة، يمكن أن يكون هناك طلب شديد من قبل الكثير من المستأجرين على تأجير المدن السكنية للطلاب.

ويقول روبرت ناقال، رئيس مجلس إدارة شركة الخدمات العقارية «Massey Knakal Realty Services»، وهي إحدى شركات الوساطة التجارية، «يجري تأجير مكان لأربعة أشخاص، في حين أن مساحة ذلك المكان لا تناسب عادة سوى شخص واحد أو شخصين. ولذلك، فطبقا لاحتساب التكلفة لكل قدم مربع، يحصل المؤجر على قيمة إيجار عالية للغاية».

وقد يكون لدى المطورين دوافع أخرى. فغالبا ما تسمح قواعد تقسيم المناطق بأن تكون مساحة مباني المدن السكنية للطلبة ضعف مساحة الشقق السكنية، كما تُخصص إعانات لهذه المدن السكنية بسبب ارتباطها بالعملية التعليمية، ومن ثم فإن ذلك يحقق الاستفادة الظاهرية للمجتمع.

ووفقا لما ذكره ناقال ووسطاء آخرون، ففي نهاية المطاف، يمكن تحويل هذه المباني المشتملة على المزيد من الغرف الفسيحة إلى شقق سكنية، حتى على الرغم من أن تغيير الاستخدام سيتطلب موافقة المسؤولين عن تقسيم المناطق.

ومع ذلك، يمكن اعتبار وجود هذه المدن السكنية للطلبة على أنه مسألة مثيرة للجدل. ففي إيست فيلادج - في ضوء الوجود الملحوظ لطلبة جامعة نيويورك - دائما ما تتكرر الشكاوى بشأن سلوك الطلبة السكارى وتصرفهم بفظاظة.

وكانت هناك معارضة شديدة للخطة التي وضعتها مؤسسة «سينغر فاينانشال (Singer Financial Corporation)» والتي تمثلت في فكرة تحويل مدرسة عامة سابقا كائنة في 605 شارع إيست ناين بالقرب من إفينيو بي إلى سكن للطلبة يشتمل على 535 سريرا بهدف تأجيرها للكثير من الكليات، بما في كوبر يونيون.

وفي هذا الصدد، يقول بين شاؤول، رئيس المجموعة العقارية «Magnum Real Estate Group» الذي يعد من مطوري الشقق السكنية الذي توسع في نشاطاته في مجال توفير السكن للطلبة، «لا توجد مناطق سكنية للطلبة في المنطقة القريبة مني، حيث لا يتسنى للأفراد الحصول على هذه الشقق».

ويتساءل شاؤول قائلا «كيف يمكن أن يعرب الأشخاص عن رغبتهم في رؤية نيويورك كأعظم مدينة في العالم، بيد أنهم لا يرغبون في أن يعيش الطلاب هنا؟ إن هؤلاء الطلاب هم مستقبل هذه المدينة». ويتمثل مشروعه الحالي في التعامل مع الزيادة المطردة لكليات الفنون البصرية التي يصل عدد الطلبة الجامعيين المقيدين بها إلى 3600 طالب. وسيكون موقع هذا المبنى في 340 إيست بشارع 24 في فرست افينيو. وسيتكون المبنى من 14 طابقا ليستوعب حوالي 500 طالب على مساحة 11 ألف قدم مربع. وتدخل شركة ماغنوم في شراكة مع شركة الاستثمار «40 نورث مانجمنت (40 North Management)» في هذا المشروع الذي من المتوقع أن يبدأ العمل فيه هذا الشتاء.

يقول شاؤول، مثل الكثير من المطورين، إن مصطلح «المبني السكني للطلبة» لا يعبر بالشكل الجيد عما هو موجود في العصر الحديث، حيث إنه يشير إلى شكل مبتذل للبنايات بدلا من الطراز المتأنق مثل الفنادق الفاخرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»