السعودية: دراسة حكومية عن تدني جودة الإنشاءات الجديدة تثير جدلا واسعا

ارتفاع نسبة الإقبال على تملك المباني القديمة على حساب الحديثة

جانب من العاصمة السعودية الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت دراسة نشرتها وزارة الشؤون البلدية والقروية عن انحدار مستويات وقدرات قطاع المقاولات في السعودية، قضية تدني مستويات وفنيات العمالة الموجودة محليا، حيث انحدر أداء وجودة المباني المنشأة حديثا بشكل كبير عن مثيلاتها المبنية منذ عقد أو عقدين، مما رفع نسبة تملك المباني القديمة على حساب الجديدة.

وعلق عقاريون سعوديون على تقرير الوزارة بأن الإحصائية التي يتداولها السوق العقاري بقوة، توضح مدى تدني مهارة العمالة المتخصصة في البناء والقطاع الإنشائي بشكل عام.

كما كشف العقاريون عن أن غياب التصنيف الواضح وعدم وجود اختبار للحصول على تراخيص أعمال البناء، إضافة إلى غياب حصر الأخطاء ومساءلة المقصرين، جميعها أمور تركت قطاع الإنشاءات مفتوحا لمن يريد الدخول فيه، وهو أمر في غاية الخطورة وله انعكاسات سلبية على السلامة العامة، وضياع مبالغ طائلة تقدر بمليارات الريالات ضحية غياب الاحترافية في قطاع الإنشاءات.

وبين حمد الدوسري المدير العام في شركة تميز البناء الإنشائية، أنهم يعانون عندما يرغبون في التعامل مع شركات أخرى لتوفر لهم المزيد من العمالة عندما يتولون أحد المشاريع الكبيرة، نتيجة استقطاب الشركات للعمالة التي لا تفقه شيئا في أمور البناء والإنشاء، لافتا إلى أن ما يزيد على 80 في المائة من العمالة الموجودة في السوق السعودي يعملون دون أن يكون لهم سابق خبرة أو معرفة، وأنهم تعلموا الصنعة على حساب منازلنا ومشاريعنا، مما يوضح جليا سبب سوء البنية التحتية لدينا، نتيجة توكيلهم ببناء المشاريع دون أدنى معرفة أو خبرة.

وأضاف «دولة بحجم السعودية يفترض أن تضع مقاييس قاسية تجبر شركات المقاولات على استقطاب العمالة المتخصصة أو تدريبهم بشكل احترافي لضمان القيام بمشاريع صحيحة خالية من العيوب والأخطاء، خصوصا في المشاريع الصغيرة والمنازل الخاصة التي تشهد كوارث فنية قد تتسبب في سقوط المنزل نتيجة الجهل الكبير من شركات المقاولات التي تعمل بحسب ضميرها دون أدنى رقابة أو مساءلة».

وكانت وزارة الشؤون البلدية والقروية قد أشارت إلى زيادة طفيفة في عدد المقاولين المصنفين على مختلف الأنشطة، حيث بلغ عددهم 3084 مقاولا، وكشفت إحصاءات صادرة عن الوزارة أن نسبة مرتفعة للمقاولين المصنفين على الدرجتين الرابعة والخامسة بلغت 58.3 في المائة من إجمالي المقاولين العاملين في المملكة.

أما عدد المقاولين وفقا لمجالات التصنيف الـ29 فبلغ 13507 مقاولين، وهو ما يمكن تفسيره بأن أغلب المقاولين مصنفون على أكثر من مجال، بحيث تُعد قدراته في مجال ما، ضمن الدرجة الأولى، وفي مجال آخر، قد تصل إلى الدرجة الخامسة على سبيل المثال لا الحصر.

وفي صلب الموضوع أبدى إبراهيم العبيد المستشار العقاري، استياءه من غياب التصنيف الواضح للمقاولين، وعدم وجود اختبار للحصول على تراخيص أعمال البناء؛ بمعنى أن الجميع بإمكانه جمع أي عمالة مهما كانت مهنتهم الأساسية التي يعملون بها وليس ما استقدم به، ويقوم بفتح مؤسسة أو شركة إنشاءات خاصة.

ولفت إلى أن مقاولات الباطن التي هي بالأساس شركات صغيرة مجتمعة تحل محل الكبيرة، هي أكثر من يقوم على عشوائية البناء الذي ينعكس بشكل أساسي على الفساد القائم في المشاريع، وعدم مقاومة المشاريع الحديثة لأي من مقاومات الطبيعة مثل الأمطار القوية التي فضحت مثل هذه الشركات التي تتاجر بأرواح البشر بضخها للعمالة الجاهلة في قطاع الإنشاءات.

وتحظى الرياض بالنسبة الأعلى من المقاولين المصنفين (43.4 في المائة) تليها مكة المكرمة (16.2) في المائة، ثم المنطقة الشرقية (13.3 في المائة)، تليها على التوالي عسير، فنجران، فالقصيم، فالمدينة المنورة، فحائل ثم الجوف وجازان والحدود الشمالية وتبوك، لكن تصنيف المقاولين حسب المجالات، كشف عن خلل من نوع ما، حيث إن تداخل مجالات التصنيف أكد أن معاييره تعكس حالة من عدم التخصص في العمل، إذ يقدر عدد المقاولين المسجلين في الغرف التجارية في المملكة بنحو 186300 مقاول، ما يعني أن 1.6 في المائة فقط من إجمالي المقاولين في المملكة يحظون بتصنيف الوزارة.

وحول الحل الذي من الممكن فرضه لتدارك الشركات الإنشائية التي تنتشر في السوق، طالب العبيد بفتح معاهد حكومية متخصصة برسوم رمزية لتدريب المقاولين على القيام بالمشاريع الإنشائية، وإيقاف جميع تصاريح مؤسسات المقاولات، وتوزيع المعاهد على مناطق المملكة والمحافظات الكبرى كافة، لاستيعاب الأعداد الهائلة، وذلك لضمان عدم توقف العمل.

وأبان أن «هناك حاجة كبرى لمثل هذه المشاريع نظرا للطفرة العمرانية الكبرى التي تعيشها المملكة، وعدم رغبتنا في قيام هذه المشاريع بالطريقة الخطأ التي قد ندفع حياتنا ثمنا لها».

هذا وحددت وزارة الشؤون البلدية والقروية أسس تصنيف المقاولين وقطاع المقاولات التي قامت عليها الدراسة، حيث اشتملت على الكثير من المعايير، أهمها الجوانب الفنية والمالية والقانونية، وغيرها من الجوانب الأخرى، إلا أن الجوانب الثلاثة السابق ذكرها كانت هي المقياس الرئيس لقياس أداء قطاع الإنشاءات.

من جهته، أكد بندر التويم، المستثمر العقاري، أن غياب حصر الأخطاء ومساءلة المقصرين، جميعها أمور تركت قطاع الإنشاءات مفتوحا لمن يريد الدخول فيه، وهو أمر في غاية الخطورة وله انعكاسات سلبية على السلامة العامة، كما أن المواطن لا يدري أين يذهب عندما يجد أي خلل أو خطأ فني في منشأته الخاصة، خصوصا أن معظم هذه الأخطاء تتم في المنشآت الصغيرة والخاصة مثل الفلل والشقق.

وأوضح أنه وقف شخصيا على الكثير من البنايات التي شهدت أخطاء فادحة في البناء تسببت في تصدعها وعدم مقاومتها لعوامل الطبيعة، وقد تسقط في أي وقت نتيجة ضعف الأساسات التي تبين مدى جهل المقاول أو فساده.

واقترح المريشد إيجاد هيئة فصل في المخالفات العقارية أو جهات حكومية استشارية يمكن اللجوء إليها عند رغبة المواطن في بناء السكن الخاص به.

هذا واتفق عدد من الخبراء على أن من الأمور الوجيهة في هذا المجال دمج الشركات الصغيرة تحت مظلة كبرى، أو تجميع نشاطها تحت جهة تشغيل واحدة رسمية، بما يضمن توزيع مهام العمل عليها بأسلوب يسمح بمتابعة أدائها وضبطه، بما يضمن تنفيذ المشاريع بالمواصفات المطلوبة بعيدا عن عشوائية التنفيذ، وقد يسهم ذلك في رفع كفاءة التنفيذ بما يقلل من مخاطر التنفيذ السلبي، ومراقبة القطاع بشكل أسهل يكفل للجميع حقه.