السعودية: الإجراءات الحكومية تباشر كبح ارتفاع أسعار العقارات

بدايات تراجع.. وخبراء يستبعدون انخفاضات قياسية

جانب من العاصمة السعودية الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

ضغط غير مسبوق وأحداث متتالية تعيشها السوق العقارية السعودية، ساهمت في خفض مباشر في أسعار العقار إلى مستويات بسيطة، إلا أن بعض المحللين أكدوا أنها بداية حقيقية لانخفاض وشيك سيشهده القطاع العقاري السعودي بشتى أفرعه، وذلك بسبب الضغط الحكومي على ملف العقار الذي تبلور بإصدار العديد من القرارات المؤثرة في محاولة من الدولة للسيطرة على جنون الأسعار الذي أصاب القطاع ودفعه إلى تقديرات تفوق الأسعار الحقيقية وفقا لميزان العرض والطلب.

وقدر خبراء عقاريون أن القطاع العقاري الأكثر تأثرا هو قطاع التملك، خصوصا للمنازل والوحدات الجديدة، التي يتضح انخفاض في أسعارها يلامس 8 في المائة كحد أقصى وتقلص كبير في الإقبال عليها لصالح المشاريع الحكومية الجديدة، الأمر ذاته أصاب معظم الأسواق العقارية الموازية لكن بمستويات لم تتجاوز 5 في المائة، إلا أنها تعطي إشارة عن عهد جديد من الطفرة العقارية، بعد أن أعاق ارتفاع الأسعار السوق عن تحقيق أرباح كبيرة، على الرغم من الحاجة الكبيرة لتملك المساكن في السعودية.

ناصر التويم، الذي يمتلك شركة عقارية خاصة، أكد أن ركودا عجيبا يغشى السوق منذ أكثر من ستة أشهر، منذ بدء الحكومة فعليا في التعامل مع الملف العقاري، مما أضاف ضغطا آخر على القطاع الذي يعاني أصلا من بطء في حركته التجارية، خصوصا لقطاع الإيواء وتملك المساكن، وهما الأكثر سكونا عن غيرهما، مبينا أن القرارات الملكية الأخيرة بعثرت السوق من جديد، وكفت يد الراغبين في الشراء، بانتظار ترجمة الأوامر الملكية على أرض الواقع، مما سيحدث فارقا كبيرا في الأسعار، وهو ما دفع الوضع في السوق إلى الركود والترقب عن كثب، سواء من البائع أو المشتري.

وأضاف: «لا يخلو القطاع من حركة اعتيادية في نشاطه، إلا أنها ليست بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه السوق السعودية، نظرا إلى الحاجة الكبيرة في المساكن في ظل العرض المتوقف، والذي لم يجد إلا مشترين قلة، ممن تمكنهم إمكاناتهم المادية من القدرة على تملك منزل العمر»، لافتا إلى أن هناك انخفاضا بدأ يطفو على السطح إلا أنه لم يصل إلى المستوى الذي يطمح إليه المستهلك، وهو انهيار السوق، وهو أمر مستبعد للغاية، إلا أن الأسعار ستشهد انخفاضا ملحوظا لا محالة.

يشار إلى أن السعودية موعودة بعهد جديد من فرص التملك والبناء، مما أهلها لاحتلال مكانة متقدمة من بين الدول من حيث تزايد المشاريع العقارية الإنشائية، خصوصا أن الحكومة تسعى جاهدة لتسهيل عملية تملك المواطنين للمساكن، مما ينبئ عن مشاريع إضافية ضخمة وطفرة عمرانية مرتقبة ستعيد إلى السوق توازنها وتضعها في وضعها الطبيعي.

من جانبه، كشف ياسر المريشد، الخبير العقاري، أن قطاع الفلل والمساكن خصوصا في المخططات الجديدة بدأ يعيش تذبذبا في تحديد الأسعار، وأن هناك انخفاضا واقعيا يلامس 8 في المائة كحد أعلى، خصوصا في المناطق الواقعة على حدود الرياض من جهتيها الشرقية والشمالية، لافتا إلى أن هناك تخوفا يسود بعض المستثمرين في القطاع بأن هناك انخفاضا حقيقيا سيحدث مفاجأة كبيرة وسيهبط اضطراريا بالأسعار، وهو سيناريو يرونه كارثيا، وأن التنازل عن بعض المكسب خير من فقد مكاسب أكبر قد يفرضها الواقع في القريب العاجل، وهو ما دفع بالأسعار إلى هذا الانخفاض، لافتا إلى أن الانخفاض العام لأسعار العقار قريب من 5 في المائة.

ويزيد المريشد أن المنطق يتحدث عن أن الوضع لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه، لأن الأسعار تفوق قدرات معظم الراغبين في الشراء بمراحل كبيرة، مضيفا أن انتعاش السوق مربوط بمزيد من الانخفاض، الذي سيمكن الجميع من التملك مما سيعكس ازدهارا في الحركة العقارية، سيستفيد منه الجميع، إلا أن الخاسر الوحيد هو من اشترى الأرض بسعر مرتفع وبتكاليف بناء مرتفعة، مما سيجعل الأمر مرحلة اعتيادية الخاسر فيها جهة واحدة، وسيكسب منها الجميع من دون استثناء.

يذكر أن الحكومة السعودية أقرت العديد من القرارات المصيرية التي من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على أسعار السوق العقارية، آخرها القرار الشهير «أرض وقرض» الذي جعل القطاع في حالة تأهب لما سيحدثه القرار على أرض الواقع، مما يوضح أن الحكومة المحلية تسعى جاهدة للسيطرة على مشكلة الإسكان، التي تعد من أولويات المواطنين الذين يعيش أكثر من نصفهم في منازل مؤجرة، ويشكل ذلك مشكلة أزلية لديهم.

وفي السياق ذاته، أبان علي التميمي، المدير التنفيذي لشركة «جبره القابضة»، أن شتى أذرع العقار دخلت مرحلة التخبط في وضع الأسعار، في ظل واقع يفرض قيمة مرتفعة، وحلم يصعب تحقيقه وهو انخفاض الأسعار، موضحا أن بعض القطاعات العقارية بدأت تستبق الأحداث وتخفض بعضا من الأسعار المحددة، وذلك لإنعاش السوق في ظل التوقف الذي أحدثته القرارات الملكية، التي جعلت الترقب وانتظار انخفاض الأسعار سمة يطمح إليها المستهلك، لإتاحة فرص التملك كما ترسم الخطة الحكومية الإسكانية.

وحول إمكانية حدوث انهيار في الأسعار قد يشهده القطاع العقاري المحلي استبعد التميمي ذلك، واصفا السوق بالمتينة، لكن حلقة مفرغة تحول دون تحقيقها أرباحا مرتفعة، لافتا إلى أنهم كمستثمرين يتطلعون إلى خفض حقيقي في الأسعار، شريطة حدوث انخفاض مماثل في التكاليف، وأن المشاريع الجاهزة تبين مدى تكلفهم في عملية البناء، مما يجعل بيعهم بأسعار منخفضة أمرا محالا، إلا أنه فور تنفيذ القرارات الملكية فإن السوق ستفاجئ الجميع بواقع جديد، وأنهم يجهزون كغيرهم من الشركات الكبرى العديد من السيناريوهات لمواجهة أي طارئ قد يحدث للقطاع، وأنهم يستعدون للأسوأ، لا قدر الله.

وتتجه السعودية متمثلة في وزارة الإسكان إلى إيجاد بدائل عن وحدات سكنية كبيرة في المدن المزدحمة، من خلال بناء مجمعات سكنية بأدوار متعددة للسكن المنفرد للسعوديين، وكشفت الوزارة عن قرب ضخ أراض لعدد من المشاريع الحالية، مما سيؤثر على أسعار الأراضي، «وهذا ليس بهدف الضرر بأحد بقدر ما هو موازنة للأسعار، ونتطلع إلى الوصول في المستقبل إلى الهدف الذي تسعى القيادة لتحقيقه».

وبين وزير الإسكان أنه سيجري قريبا الانتهاء من مشروع إسكاني بمدينة الرياض وسيجري توزيعه وفقا للآلية الجديدة، كما يجري إعداد التصاميم لمشاريع في جدة على مساحة 12 مليون كيلومتر مربع، وأخرى في أبها والباحة، ولكنها ستأخذ وقتا بسبب جغرافية المكان.