«التمويل الإضافي».. أداة جديدة لتملك السعوديين المساكن

عقاريون: النظام الجديد سينعش الطلب.. وتحذيرات من استغلال السيولة والمقترضين

يتوقع المراقبون أن يساعد برنامج القرض الإضافي نحو 100 ألف مواطن خرجت أسماؤهم في صندوق التنمية العقاري دون أن يستفيدوا من التمويل المقدم بسبب ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن («الشرق الأوسط»)
TT

توقع عقاريون سعوديون، أن ينعش نظام «التمويل الإضافي» الذي أقره الصندوق العقاري السعودي أخيرا، بالتعاون مع البنوك، الطلب على الوحدات السكنية بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا أن أكثر ما قد يحول دون ذلك هو أزمة الثقة التي تسيطر على المستهلكين حول فوائد البنوك التي ستحصلها من التمويل، كما أن التحذيرات التي تنادي بضرورة تقديم الاستشارات قبل الإقدام على القرض دفعت إلى التأني والتردد، إلا أنهم أكدوا أنه تخوف طبيعي نظرا لحساسية القرار وانعكاسه بشكل كبير على حالة السوق، الأمر قد يتلاشى في القريب العاجل.

وفي الاتجاه الآخر حذر خبراء اقتصاديون من مغبة استغلال السيولة القوية التي ضخت في السوق من أجل اختلاق الأعذار ورفع الأسعار، حيث أوصى الخبراء بضرورة أن يتولى المواطن الحفاظ على مصالحه بنفسه وعدم الانصياع للمزايدات العقارية والتضخم الذي قد يطرأ قريبا في السوق بسبب نقص الطلب الذي سيحصل، في الوقت الذي تصمت فيه الكثير من الجهات الحكومية ذات الصلة عن التدخل لوضع حد أعلى للأسعار، لضمان تمكن الجميع من التملك وضخ وحدات إضافية لضمان استقرار الأسعار، خصوصا أن الطلب سيرتفع إلى أكثر من 30 في المائة عما كان عليه.

وقال ياسر المريشد، صاحب شركة عقارية: «إن هناك أزمة ثقة بين البنوك والمستفيدين، إلا أنها قد تزول تدريجيا بسبب تدخل الحكومة في بنود التمويل والنسبة الأعلى لذلك، وهو ما لا يفهمه الكثير من المواطنين، وإن الدور الآن يكمن في تقديم الدولة الاستشارات والنصائح للراغبين في القروض عبر تقييم الوضع المالي لكل مستفيد ومقدرته على السداد، حتى لا نقع ضحية أزمة عقارية مشابهة لما حدث في أميركا في عام 2008، خصوصا أن الطلب بالنسبة إلى عدد السكان يفوق أي مكان في العالم، مما يجعل الإقبال على ذلك منقطع النظير، وسيحدد الوضع العقاري وسعره خلال الفترة المقبلة التي يتخوف منها الجميع نتيجة الخطوات الجديدة التي تحدث في السوق».

وأضاف: «لا أفهم سبب الاستعجال في تطبيق القرار، فالسوق تحتاج إلى ضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية كخطوة أولى للقضاء على عجز التملك، ومن ثم توفير السيولة لشراء ما جرى إنجازه وليس العكس». وتوقع المريشد أن يكون لهذه السياسة أثر سلبي على الأسعار، فالطلب سيكون مرتفعا بسبب السيولة الكبيرة والوحدات السكنية محدودة ومعظمها قديمة.

وطالب بضرورة تثقيف المستفيدين بأن المقصود بالسكن هو مكان للإيواء في المقام الأول، يحتوي على الخدمات الأساسية في منطقة تليق بالعيش الآدمي، وليس البهرجة والتفنن في إنشاء الوحدات العقارية؛ لأن أحد أسباب ارتفاع الأسعار هو الديكورات والكماليات غير الأساسية التي قدرها بأنها تستهلك ما يزيد على ربع تكلفة الإنشاء.

وكان المهندس يوسف بن عبد الله الزغيبي، مدير عام صندوق التنمية العقارية المكلف، أوضح أن التطبيق الفعلي لبرنامج التمويل الإضافي العقاري، مطلع هذا الأسبوع، حيث إن هذه المنشآت سوف تتقدم إلى مؤسسة النقد للحصول على «ترخيص المنتج»، خصوصا بعد تعهدات مؤسسة النقد بتسريع الموافقة لتكون مطلع هذا الأسبوع.

وعن آلية السداد، أكد الزغيبي ما أعلن مسبقا أن السداد للمنشأة الممولة مباشرة حسب الاتفاق مع الممول أما الصندوق العقاري فبعد 24 شهرا من توقيع العقد. وأبان أن السداد سيكون من خلال (جهة واحدة) وهي المنشأة الممولة للقرض والتمويل معا، حيث تتولى المنشأة سداد دفعة القرض من خلال حساب خاص للصندوق في كل منشأة.

وفي صلب الموضوع توقع سعيد القحطاني، المستثمر العقاري، أن يرتفع الطلب لأكثر من 30 في المائة، خصوصا أن التمويل كان من أبرز العوائق التي منعت المواطنين من تملك العقار في ظل الحاجة والرغبة إلى ذلك، معرجا بأن القطاع العقاري سيشهد ازدهارا ملحوظا بعد موجة الكساد التي طالته في السنوات الأخيرة التي شلت حركته وقلصتها إلى مستويات كبيرة، خصوصا بعد ارتفاع أسعاره خلال العقد الأخير إلى ما يقارب الضعف، وهي نسبة كبيرة في بلد يحتاج إلى تملك المنازل، نظرا لأن أكثر من نصف شعبه يعيشون في منازل مستأجرة، في ظل الارتفاع العام للميزان التجاري في البلاد الذي لم ينعكس بتاتا على حل مشكلة الإسكان التي باتت تشكل مشكلة أزلية لم تحل حتى هذه اللحظة، على الرغم من المحاولات الحكومية التي تحركت أخيرا.

وحول توقعاته عن مستقبل الأسعار، أكد القحطاني ضرورة تجديد الفكر والثقافة العمرانية، خصوصا تقليص المساحات الكبيرة وتخصيص مساحات أصغر تحتوي على المرافق المهمة فقط، لافتا إلى أن شريحة كبيرة من منازل الأسر السعودية تفوق حاجاتهم وتوجد بها غرف مقفلة، خصوصا منازل التملك، والعكس يحدث في منازل الإيجار التي من المعروف أنها تحوي غرفا صغيرة ومحدودة، وجميعها تنعكس على عدم ملاءمة كليهما للحياة والواقع، خصوصا أنه من المعروف عالميا أن مساحة وحجم المنزل يشترى بحسب الحاجة وليس بحسب القدرة المالية، وهي نقطة مهمة متى ما طبقت فإن الجميع سيحصل على السكن الملائم.

وكان مدير عام الصندوق المكلف أعلن أن هناك توجهات مهمة ووشيكة لصندوق التنمية العقارية، ومن ذلك خفض مساحات إقراض الوحدات السكنية، وخاصة الشقق، لتيسير التملك للمواطنين والتوسع في ذلك، وكذلك طرح قرض الاستثمار للمطورين العقاريين في قطاع الإسكان.

من جهته، أشار إبراهيم العبيد، المستشار العقاري إلى أن المواطن هو من يحدد أسعار الوحدات العقارية عبر انصياعه لمحاولات الاستغلال أو الامتناع عن الشراء، خصوصا أن السوق بحالته الراهنة لا يبدي أي مؤشرات حقيقية عن انخفاض أو ارتفاع في الأسعار، وأن القيمة هي ذاتها من السنوات الأخيرة، وخصوصا أن وزارة الإسكان لم تسلم حتى هذه اللحظة الوحدات التي وعدت بها، فقط أثرت على السوق عبر انخفاض الطلب وليس القيمة، متوقعا أن ترتفع السوق في ظل ضخ أموال كبيرة وعدم توافر وحدات سكنية.

وتساءل العبيد: «ما دور وزارة الإسكان حتى هذه اللحظة، هل هي وسيط بين البنوك والمواطنين أم ماذا؟، لم نر وحدات بأحجام هائلة كما أعلنت تجبر القطاع رغما عنه على الرضوخ والعودة إلى المستويات الطبيعية، فقط مؤتمرات صحافية وبيانات لا تحمل أي نتائج تذكر».

وأضاف: «السوق تحتاج إلى توفير المنازل بأسعار رخيصة ولن يقدر على ذلك إلا الحكومة وهو ما لم تفعله»، موضحا أنه لا يرى أي بوادر تحسن، خصوصا أن القاعدة الاقتصادية تشير إلى أنه إذا ارتفع الطلب وقل العرض فإن الأسعار سترتفع، وهي القاعدة الوحيدة الصحيحة التي سيطبقها التجار في حال استمرار عجز الوزارة.

وكان مصدر مطلع في وزارة الإسكان كشف عن أن جميع الوحدات السكنية التي تصل إلى أكثر من 80 ألف وحدة سكنية، ستوزع على المواطنين، وسيوزع البعض منها الشهر المقبل بدءا بمنطقة جازان وجميع أسعارها تصل إلى نصف مليون ريال، شاملة الصيانة الدورية لهذه الوحدات التي تصل إلى عشر سنوات من وقت تسلمها، مع مراعاة أن وزارة الإسكان ستشرف على جميع الخدمات داخل هذه الأحياء بعد ثقة الجهات المعنية بعمل الوزارة.

وأوضح أن الوزارة تعمل من خلال الوحدات السكنية على تطبيق التخطيط العام لهذه الوحدات، من خلال تشجيع حركة المشاة داخل الحي السكني بشكل آمن ومريح، والتقليل من حركة المركبات، ووصول المركبات إلى جميع قطع الأراضي، وتوزيع استعمالات الأراضي لتحقيق أكبر قدر من الخصوصية على مستوى الحي والوحدات السكنية.

ويسهم برنامج القرض الإضافي في دعم متوسطي الدخل في البلاد، ممن خرجت أسماؤهم في دفعات تمويل صندوق التنمية العقاري البالغة 500 ألف ريال (133.3 ألف دولار). ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه السوق العقارية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية من ارتفاعات كبرى في الأسعار، حتى بلغت مستويات تعد هي الأعلى تاريخيا.

وفي هذا السياق، دشن الدكتور شويش الضويحي، وزير الإسكان رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية العقارية في السعودية، مساء أول من أمس في الرياض، برنامج التمويل الإضافي بصيغته الجديدة، وهي الصيغة المتوافقة مع نظام الرهن العقاري، الذي يضع آلية للتعاون بين الصندوق والبنوك وشركات ومؤسسات التمويل العقاري، بهدف منح تمويل إضافي للراغبين ممن صدرت موافقة الصندوق على إقراضهم.

ووقع صندوق التنمية العقاري في هذا الخصوص، اتفاقية تعاون لتطبيق برنامج التمويل الإضافي مع كل من مصرف «الإنماء»، ومصرف «الراجحي»، وبنك «سامبا»، و«البنك العربي»، و«بنك البلاد»، و«بنك الجزيرة»، و«البنك السعودي الفرنسي»، و«بنك الرياض»، و«البنك السعودي البريطاني»، و«البنك السعودي الهولندي»، و«البنك السعودي للاستثمار»، و«البنك الأهلي»، بالإضافة إلى شركات «التطوير العقاري»، و«دار للتمليك»، و«الخليج دوتشيه».

وتعقيبا على هذه الخطوة، قال وزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي: «هذه الخطوة تأتي تنفيذا لتوجيه مجلس الوزراء للتسهيل على المواطنين لامتلاك مساكن لهم»، مبينا أنها خطوة إيجابية لتطوير أساليب الإقراض وفتح المزيد من الفرص أمام المواطنين، لافتا إلى أن الوزارة أطلقت قبل ذلك برامج عدة هادفة من بينها نظام «ضامن» الذي استفاد منه كثير من المواطنين في تملك مساكن.

وقال الضويحي: «لقد استكملت جميع مسارات التمويل الإضافي للاستفادة من نظام الرهن العقاري بالتنسيق والشراكة مع جميع الجهات ذات العلاقة، ومن بينها وزارة العدل ومؤسسة النقد التي بسطت الإجراءات ووضعت النظم بصورة نهائية».

وأكد الدكتور فهد المبارك، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، تطلع المؤسسة إلى إسهامات البرامج المختلفة التي تقدمها وزارة الإسكان والصندوق العقاري في تعزيز قطاع الإسكان بالمملكة، منوها بدور وزارة العدل وتعاونها المستمر مع المؤسسة لتفعيل أنظمة قطاع التمويل العقاري في جانبه التنفيذي لحفظ حقوق المتعاقدين وتفعيل قطاع الإسكان بالمملكة.

وتعليقا على هذه التطورات، أكد فيصل اليحيى وهو مستثمر عقاري، أن برنامج القرض الإضافي سيساعد نحو 100 ألف مواطن خرجت أسماؤهم في صندوق التنمية العقاري، دون أن يستفيدوا من التمويل المقدم، بسبب ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن في البلاد.

ولفت اليحيى خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أسعار العقارات في السوق السعودية أسهمت بشكل كبير في ابتكار برنامج القرض الإضافي بين صندوق التنمية العقارية والبنوك السعودية، مشيرا إلى أنه حل مناسب للمواطنين من ذوي الدخل المتوسط الراغبين في تملك المساكن.

يشار إلى أن السعودية بدأت في إتمام خطواتها الأولى نحو تفعيل مشروع «أرض وقرض»، لحل أزمة الإسكان التي يعانيها معظم المواطنين في البلاد، جاء ذلك عندما وقع وزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي بالرياض خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، ثمانية عقود بقيمة أربعة مليارات ريال (1.06 مليار دولار) لتطوير مخططات أراض مساحتها الإجمالية 26 مليون متر مربع في مواقع عدة.

وستعمل هذه العقود المبرمة على توفير أراض مطورة في عدد من المدن تستوعب ربع مليون مواطن، وهي خطوات تتخذ، تنفيذا لأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتوفير أراض مطورة وتقديم قروض للمواطنين للبناء عليها، على أن تكون وزارة الإسكان هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذه الخطوة.

وقال وزير الإسكان عقب توقيع الاتفاقية حينها، إن «دعم خادم الحرمين الشريفين المتواصل وتوجيهاته وأوامره الكريمة وفرت آليات مكنت وزارة الإسكان من العمل بفاعلية أكثر في سبيل تمكين المواطن من السكن المناسب وتحقيق التوازن والاستدامة لقطاع الإسكان»، مؤكدا أن هذه العقود تعد باكورة انطلاقة حقيقية لتقديم الأراضي المطورة متكاملة الخدمات للمواطنين في أحياء نموذجية حيوية بمواصفات وتصاميم تلبي رغباتهم وترتقي بمستوى الحياة الاجتماعية للساكنين فيها.

وبين الدكتور الضويحي حينها، أن وزارة الإسكان مستمرة في حيازة الأراضي السكنية والعمل على تطويرها بخدمات ومرافق وبنية تحتية كاملة، سواء كان ذلك في المشروعات التي يجري تنفيذها حاليا، أو بتطوير الأراضي وتسليمها للمواطنين، وفقا لآلية تستهدف الأسر التي لا تمتلك مساكن مناسبة، مشيرا إلى أنه يمكن اعتماد نظام النقاط لتحديد درجة أولوية المستحق وماهية البرنامج الأنسب له.