إيجار المكاتب.. الحلقة المقبلة في قطاع العقارات السعودي

بعد فجوة المساكن وارتفاع نسبة التضخم

تشهد المدن الرئيسية في السعودية ازدياداً في الطلب على المكاتب التجارية في الفترة الاخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

قد يلاحظ المرء المتجول في جميع مدن السعودية حركة المقاولات والإنشاءات الكبيرة التي تشهدها المناطق التجارية في تلك المدن لبناء أبراج ومبان تجارية تحتوي اغلبها على عقارات مخصصة للتأجير على شكل مكاتب. وذلك على ضوء الطلب الكبير على المكاتب التجارية في السعودية، خاصة خلال السنتين الماضيتين.

وشهدت البلاد ارتفاعاً كبيراً في أسعار الأمتار في العقارات المخصصة لإيجارات المكاتب. ويعزو الخبراء ارتفاع إيجارات المكاتب إلى الطفرة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وانضمامها لمنظمة التجارة العالمية، ودخول الشركات العالمية، وبحث أخرى عن مقار لها. وساعدت الطفرة التي تعيشها البلاد على تنوع مجالات التجارة في مختلف أنواعها، كما ساهم ضخ الحكومة لسيولة كبيرة في عدد من القطاعات عبر مشاريع مختلفة لفتح مجال اوسع لدخول شركات إقليمية وعالمية في البلاد.

بالإضافة إلى طرح شركات جديدة مما يدفع السوق إلى ارتفاع اكبر في ظل زيادة الطلب على المساحات التأجيرية للمكاتب وزيادة فروع الشركات الإقليمية في السعودية. كما سعى عدد من الشركات العالمية المتخصصة في توفير المكاتب التجارية حول العالم إلى استئجار مبان ومكاتب للشركات التي ترغب باستخدام مكاتب جاهزة، حيث عملت شركة ريجيرز العالمية والتي تملك ما يقارب 950 مكتباً في 70 دولة إلى تأجير مواقع لها في العاصمة السعودية الرياض، وجهزت تلك المكاتب بأحدث الأجهزة المكتبية وتوفير خدمات تكنولوجيا المعلومات، للاستفادة من الطفرة الاقتصادية في السعودية.

وتشير تقارير إحصائية إلى ارتفاع أسعار المكاتب في الأحياء التجارية ما بين 20 إلى 30 في المائة على أسعار الأمتار في المباني العقارية، في ظل دخول شركات جديدة تبحث عن مقرات لها.

ويشير خالد السعدي مسؤول مبيعات في شركة تسويق عقاري الى إن الطلب يزداد فترة بعد الاخرى، والمعروض من العقارات المخصصة للمكاتب في تناقص، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار، حيث يبين ان الطفرة الكبيرة التي تعيشها مدينة الرياض رفعت الأسعار إلى 2500 ريال للمتر وقد يصل إلى 3000 آلاف في بعض الأبراج في المنطقة التجارية العليا. مبيناً ان مستثمري الأبراج أو العقارات المخصصة للتأجير يعزون الارتفاع إلى ارتفاع أسعار الأراضي، في المناطق التجارية.

وأضاف السعدي «البلد في طفرة شديدة، حركة تجارية كبيرة، طلبات كثيرة على مختلف العقارات، جذب تجاري وسكاني، ومن المؤكد ان العقارات لا يمكن ان تواكب هذا الطلب، إذ إن النمو كبير في التعداد السكاني، سواء من الهجرة الفردية، وذلك لتوفر وظائف في مختلف القطاعات، أو لتحول الشركات سواء المحلية أو العالمية للدخول الى السوق السعودية. والزائر للمدن الرئيسية يرى وكأنها خلية نحل، عمل في كل مكان، أبراج مكتبية، مشاريع ومجمعات، وعلى الرغم من هذه الحركة الكبيرة في عمليات تنفيذ المشاريع إلا ان هناك نقصا كبيرا في المعروض من المكاتب.

وبين السعدي ان لديهم طلبات كبيرة في عدد من الشركات المالية التي بدأت بالتوسع، بالإضافة إلى وجود طلبات من الشركات المساهمة للتوسع في فروعها، وهناك طلبات للتأجير بالباطن، والذي أشار مسؤول المبيعات الى إنه يوجد عدد من سماسرة العقارات يسعون إلى الاستفادة من ازدياد الطلب على عقارات المكتب، بحيث يسعى إلى تأجير مبنى أو برج أو عقار لمدد تصل الى 10 سنوات بسعر معين على ان يضيف نسبة تعود له كأرباح تتراوح ما بين 20 إلى 35 في المائة، وبالتالي فإن صاحب العقار يضمن عقدا طويل الأجل، والسمسار يستفيد من تحرك السوق العقاري بعوائد ربحية.

وأكد السعدي ان مدينة جدة والمنطقة الشرقية تشهدان طلبات كبيرة على المكاتب، خاصة في المناطق التجارية، وسعى الكثير من المستثمرين في عقارات المكاتب إلى إضافة مميزات كالتكييف المركزي وتوصيل المباني بشبكة الانترنت، لضمان عائد أكثر من 10 في المائة وهي النسبة المتعارف عليها في أرباح العقارات أيا كان نوعها.

من جهته أشار محمد الدوسري مستثمر عقاري في المنطقة الشرقية إلى وجود عدة أسباب للارتفاع في أسعار المكاتب، إلا انه عاد وبيّن ان هذا الارتفاع لن يدوم طويلاً، لوجود مشاريع عديدة يعمل عليها في الوقت الحالي، وبالتالي فإن ارتفاع الأسعار لن يصمد طويلاً ويتوقع ان يستمر حتى عام 2012، مبيناً ان الطلب ازداد عن عام 2002 بنسبة 80 في المائة على عقارات المكاتب.

وبين ان دخول المنشآت الصغيرة والمتوسطة أوجد سوقا أخرى تتنافس عليها تلك المنشآت، مما دعا إلى تحويل العديد من العقارات المخصصة للسكن إلى عقارات تجارية مكتبية، مستشهداً بالشقق السكنية التي عادة ما تكون في الشوارع التجارية، والتي كانت في السابق يقطنها السكان على أنها مسكن، في حين مع ازدياد الحركة التجارية والازدحام المروري كل ذلك أدى إلى هروب السكان من الشقق التي تقع على الشوارع التجارية مما تسببه من إزعاج وازدحام وعدم وجود مواقف في بعض الأحيان، الأمر الذي دفع ملاك العقارات ايضا إلى تحويل تلك الشقق إلى عقارات تجارية مكتبيه وتأجيرها على الشركات والمؤسسات الصغيرة لتستخدمها كمكاتب تجارية.

وأضاف الدوسري ان المنافسة امتدت أيضا إلى المباني السكنية من فيلات ومنازل تقع بالقرب من الشوارع الرئيسية، حيث تحولت تلك العقارات السكنية إلى عقارات تجارية تستخدمها الشركات كمكاتب لها، حيث يصل ايجار تلك المنازل أو الفيلات إلى 70 الف ريال في السنة، بمساحة تتراوح ما بين 350 متر مربع إلى 450 متر مربع، مشيرا إلى حي العليا في العاصمة السعودية الرياض.

وتحول شارع التحلية في مدينة جدة والطرق الرئيسية في مدينة الخبر إلى مواقع مهمة للكثير من الشركات التجارية لاتخاذ مقار لها في تلك الأحياء.

وأكد ان هذا التحول دفع أيضا إلى ارتفاع الأسعار في المكاتب، خاصة ان المناطق التجارية في المدن السعودية عادة ما تشهد حركة كبيرة من التجارة ووجود المؤسسات الحكومية بالقرب منها، بالإضافة إلى المجمعات التجارية والأسواق، مما يدفع الكثير من الشركات إلى التوجه نحو المناطق التجارية الجديدة.

واستشهد العقاري بما حدث في مدينة الرياض في تحول الكثير من الشركات من شارع صلاح الدين الأيوبي أو ما يعرف بشارع «الستين» إلى شارع العليا على الرغم من احتفاظ شارع صلاح الدين بأهميته التجارية، إلا ان الكثير من الشركات تبحث عن القرب من كبرى شركات البلاد التي تتخذ في الغالب من برجي الفيصلية والمملكة مقرات لها.

يذكر ان السعودية تشهد حالياً طلبات كثير من شركات عالمية للدخول فيها، وتبحث تلك الشركات عن مواقع تجعل الوصول اليها سهلاً لبناء قاعدة من الأعمال التجارية مع الشركات المحلية، في ظل الطفرة التي تعيشها السعودية في الفترة الأخيرة، مع ارتفاع أسعار النفط، وفتح المجالات امام الشركات العالمية، بالإضافة إلى تحرير عدد من القطاعات كالاتصالات، وسعي هيئة الاستثمار السعودية إلى جذب كبرى الشركات العالمية للاستثمار في البلاد، وانتعاش سوق المال فيها، بالإضافة إلى الطلب الكبير من الشركات المحلية لتوسيع عملياتها الداخلية، من خلال شبكة كبيرة من الفروع في مختلف أنحاء البلاد.