مصر: قانون الضرائب العقارية ينعش التقييم العقاري

فتح النقاش حول وجوب تطوير مؤسساته لمحدودية عدد الخبراء

مؤسسات التقييم العقارى فى حاجة الى خبراء تقييم لسد الحاجة («الشرق الاوسط»)
TT

دارت نقاشات واسعة في دورة البرلمان المصري الماضية حول أهمية تطوير مؤسسات «التقييم العقاري» بعد إحالة قانون الضرائب العقارية الجديد.

وأثار خبراء عقاريون تساؤلات حول محدودية عدد خبراء التقييم الذين لم يتجاوزوا 105 خبراء مسجلين لدى هيئة التمويل العقاري وذكروا أن العدد لا يمكن أن يلبي متطلبات مرحلة ما بعد إقرار قانون الضريبة العقارية أو يكفي لحصر الثروة العقارية، وتساءلوا أيضا عن كفاءة وقدرة الموجودين على القيام بمهام التقييم العادل لعدد ضخم من الوحدات دفعة واحدة أو في وقت قصير.

وأن القانون سيؤدي إلى زيادة هائلة في الطلب على تقييم الوحدات وعلى الخبراء في هذا المجال، لأن تقييم الوحدة بغرض فرض ضريبة عقارية عليها هو من صميم عمل المقيّم العقاري. وتساءل بعضهم، هل ستستعين الحكومة بعد إصدار القانون بالقطاع الخاص لتقييم العقارات، أم ستكتفي بالسائد حاليا وهو الاعتماد على العاملين بالشهر العقاري التابع لوزارة العدل المعني بهذا الأمر، وبالخبراء الذين تحددهم المحاكم في حالة الخلاف حول التقييم الحكومي أو الشكوى من وجود تلاعب ومحسوبيات؟.

من ناحية أخرى أفاد لـ «الشرق الأوسط» خبير في نفس المجال لم يفصح عن هويته أن حجم العمل لا يتوزع بشكل عادل بين المقيّمين، خاصة أن جهة مثل البنك المركزي المصري الذي يتم تسجيل كل المقيّمين به قبل أن تتعاقد معهم البنوك، يرفض تعيين الأفراد لمهام التقييم الحكومية وينحاز «على حد قول المصدر» ـ الى المكاتب الكبيرة مما يثير حفيظة الكثير من المقيّمين الافراد، ويشير الدكتور سيف الدين احمد فرج المقيم العقاري ببنك الإسكان والتعمير الى ان 50 في المائة من المقيّمين لا يعملون على الإطلاق، حيث يتركز العمل على فئة قليلة جدا من المكاتب الكبيرة، موضحا انه لو تم توزيع العمل بشكل عادل سيكون العدد كافياً جداً لحصر الضرائب العقارية، منبها إلى عدم التزام بعض المقيّمين بالحد الأدنى لأتعاب تقييم الوحدة السكنية حسبما اشترطت هيئة التمويل العقاري وهو 500 جنيه (91.7 دولار) ومن دون حد أقصى، مما يعني ضرب السوق، مؤكدا على أن المقيّمين العقاريين المصريين ذوو كفاءة عالية وطالما أشادت بهم المكاتب الأجنبية في تقييمات كثيرة، أبرزها عند دمج بنك الإسكان والتعمير مع العقاري المصري. وعن ضوابط المركزي التي تثير حفيظة اغلب المقيّمين الأفراد، أشار فرج إلى أن النظام القائم بالفعل صارم ويشترط في سجله عدم قيد خبراء تقييم أفراد ولكن شخصيات اعتبارية فقط ، ويشترط خبرة عمل خمس سنوات كل سنة فيها 7 تقارير تقييم، منوها إلى ان فتح الباب للمقيّمين الأفراد مع اشتراط الكفاءة هو لمصلحة الاقتصاد القومي نظرا لحاجة البنوك اليومية إلى أعمال تقييم عديدة لعقارات مقدمة كرهون، أو ضمانات، أو معروضة للبيع وفاء لمديونيات. ومن جانبه طالب احمد أنيس عضو المجلس الدولي للتقييم ومؤسسة التقييم الأميركية، بضرورة تشديد الرقابة على أداء البنوك وشركات التمويل العقاري فيما يخص معايير منح الأعمال للمقيمين العقاريين والالتزام بقواعد سداد الأتعاب لخبراء التقييم، مضيفا وجوب تشديد اتباع قواعد السلوك المهني من قبل الممولين والمقيّمين معا تلافيا لأي ضغوط على الخبراء ينتج عنها التلاعب بنتائج التقييم. وضرب مثالاً على ذلك بأزمة الرهن العقاري الاميركية التي من الممكن ان تحدث في أي سوق عقاري آخر، ما لم يتم اتخاذ تدابير وتشريعات بعينها لحماية أطراف العملية العقارية جميعهم وعلى رأسهم المشترون وشركات أو بنوك إعادة التمويل العقاري. وطالب أنيس بإصدار نسخة مترجمة الى اللغة العربية من المواصفات الدولية ُيرجع إليها للحكم على سلامة أعمال التقييم، وكذلك إصدار ملحق للمواصفات الدولية للتقييم وجعلها ملزمة لأعمال التقييم مع ضرورة أن تتوافق مع المتطلبات والقوانين المصرية، والعمل على انشاء قاعدة بيانات للسوق العقاري. وطالب أيضا بضرورة تعديل نظام الترخيص الحالي لخبراء التقييم بإنشاء نظام متعدد بداية من المشروعات الكبرى حتى الصغيرة ليكون هناك مستوى من المقيمين لكل مستوى من العمليات.

من جهة أخرى أعلن الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار، في لقاء مع المعنيين حضرته «الشرق الأوسط» أن أعمال التقييم العقاري طبقا للمواصفات والمعايير الدولية احد حوافز الاستثمار وتدفق رأس المال الأجنبي، مضيفا أن مراعاة المعايير الدولية للتقييم العقاري تقلل من مخاطر تعرض الجهاز المصرفي للمخاطر الائتمانية. ومن تعرض المجتمع لهزات إذا عجزت أعداد كبيرة من حائزي الوحدات عن الوفاء بالأقساط لأسباب خارجة عن إرادتهم. ويستلزم الأمر وجود صناعة منظمة للتقييم العقاري تعتمد على معايير واسس منهجية وأوضح محيي الدين لـ «الشرق الأوسط» أن دور الخبراء العقاريين لا يقتصر على مجال التمويل العقاري فلهم دورمهم جدا في عمليات الخصخصة والدمج والاستحواذ سواء في القطاع الحكومي أو الخاص وأضاف إن الوزارة حريصة على المزيد من الشفافية في هذا القطاع دون التضييق على الأفراد، منوها الى انه مع التحول الى نظام القيمة العادلة طبقا للمعايير المحاسبية المصرية والدولية فسوف يكون للتقييم العقاري اثر كبير ومهم في تدقيق ميزانيات الشركات.

وأشار محيي الدين الى أن هيئة التمويل العقاري تعمل بالتنسيق مع الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري على إعداد نظام متكامل لتدريب وتصنيف الخبراء إلى مستويات طبقا لدرجة الخبرة ونوعية التخصص في تقييم العقارات المختلفة منها سكني، وصناعي، وتجاري.

وتعمل الهيئة بالتعاون مع الجمعية على إعداد مشروع مواصفات مصرية لأداء أعمال التقييم وفقا للمعايير الدولية. وعن استعانة الحكومة بالمقيمين بعد إصدار القانون الجديد للضرائب العقارية، انحصرت الإجابة على الأمنيات، مما زاد الأمر غموضا، حيث تمنى الدكتور أسامة العيسوي وكيل اول وزير المالية ورئيس الادارة المركزية لنظم المعلومات والحاسب الآلي ان يكون هناك تعاون بين الهيئة العامة لشؤون التمويل العقاري التابعة لوزارة الاستثمار ومصلحة الضرائب العقارية التابعة لوزارة المالية، لحصر الثروة العقارية، لان المهمة ضخمة وتقتضي تعاون الجميع على حد قوله. وعلى صعيد آخر أثارت بعض بنود قانون الضرائب الجديد جدلا بين الخبراء بسبب عدم التمييز بين تقييم مبنى وآخر تختلف وظيفة كل منهما مع ان اختلاف الوظيفة مرتبط بالقيمة ارتباطا وثيقا في بعض الأحيان ضاربين المثل بمبنى بنك ومبنى فندق. كما أثار عدم وجود بيانات وإحصاءات دقيقة عن العقارات القائمة وأوضاعها جدلا مسبقا حول كيفية تطبيق قانون الضرائب العقارية في وضع كهذا. وقد أشار الدكتور اسامة العيسوي الى أن هناك بالفعل تشوهات في السوق العقاري المصري، موضحا انه لا توجد بيانات وإحصاءات حقيقية عن السوق، ضاربا المثل بتضارب البيانات عن حجم وقيمة الثروة العقارية، إذ أشار بعض الإحصاءات إلى أنها تقدر بـ400 مليار جنيه، وأخرى قدرتها بـ 600 مليار جنيه، والبعض أوصلها الى تريليون.

ولا نعلم أين الرقم الحقيقي، وما هي قيمة الثروة التي سيتم تطبيق الضرائب عليها بعد استبعاد الوحدات المعفاة. وأشار الى أن القانون الجديد حدد قيمة الضرائب على البنك كقيمتها على مبنى الفندق المشابه لكنه ينص على إعادة التقييم كل 5 سنوات، بما يسمح بتلافي اي تقصير. ويثير الدكتور شريف حافظ رئيس مجلس ادارة شركة «ماسبيرو للتنمية العمرانية» نقطة مهمة حول فرض الضرائب العقارية على الوحدات الشاغرة موضحا ان هذا البند ضد الفلسفة العامة للضرائب العقارية التي تفرض على عين مستخدمة وليس شاغرة، وان تم فرضها على الوحدات الشاغرة معنى ذلك انه يفرضها على الثروة بشكل عام.

واوضح حافظ ان هذا غير معمول به في أغلب دول العالم، وقال إن تقييم الوحدات الشاغرة بغرض فرض الضريبة عليها ـ إذا تمت الموافقة على النص المقترح ـ يتطلب هو الآخر خبرات من نوع مختلف وقواعد خاصة مما لا شك فيه أن خروج القانون الجديد الى النور سيحفز ايجادها.