بيوت المدن اللبنانية التراثية تخضع للترميم وتغيير وجهة الاستعمال

بتمويل محلي و دولي

أحد شوارع بيروت الذي يعاد ترميم بيوتها («الشرق الاوسط»)
TT

يحاول لبنان، بقطاعيه العام والخاص، الاستفادة من المبادرات الدولية لترميم وتأهيل وتنظيف ما أمكن من بيوته وأحيائه التراثية في مختلف مدنه، بما ينقذ هذه الشواهد التاريخية وذاكرة لبنان من الاندثار، تحت وطأة العمران العشوائي والزحف الاسمنتي.

وفي اطار مشروع الارث الثقافي والتنمية المدينية الذي ينفذه مجلس الانماء والاعمار اللبناني بتمويل مشترك مع البنك الدولي، والوكالة الفرنسية للتنمية، وايطاليا، فضلا عن الحكومة اللبنانية، اطلقت عدة مشاريع تطويرية تعزيزا للقيم الثقافية والتاريخية والاقتصادية في المدن التاريخية الخمس (صيدا، طرابلس، صور، بنت جبيل، وبعلبك).

ومواكبة لاشغال المشروع، نشط سكان هذه المدن بترميم محالهم في نطاق المواقع الاثرية، رغبة منهم في تطويرها او تحويلها الى مؤسسات سياحية. وعلى سبيل المثال، فإن مشروع الارث الثقافي، الذي يتناول في احد مكوناته ترميم الواجهات في مدينة طرابلس، افسح المجال امام سكان هذه المدينة للمباشرة في الاستثمار في عدة مشاريع تطويرية، قام بها التجار لتأهيل محالهم التجارية وتنظيفها من الشوائب التي تطمس جماليتها. وقد ترافقت هذه المبادرة الاقتصادية مع السعي الى المحافظة على الجانب المعماري التقليدي لتلك المناطق، وذلك بعكس التوجه السابق للتجار واصحاب المحال الذين كانوا يهتمون بتحديث اماكن العمل تحديدا من دون الالتفات الى الجوانب الأثرية للاسواق.

بالاضافة الى ذلك، ساهم مشروع الارث الثقافي في تحفيز البلديات للمباشرة بعدة مشاريع تأهيلية في هذه المدن، كما حصل على صعيد ترميم «خان الخياطين» في طرابلس بتمويل من السفارة الاسبانية، وتأهيل شارع النجارين في صيدا عبر مؤسسة «انماء» وترميم السوق القديم في بعلبك بعد حرب يوليو (تموز) 2006 بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي صور (جنوب لبنان) اطلقت البلدية مشروعا لتأهيل البنى التحتية وتحسين وتطوير شبكات الطرق والصرف الصحي في المدينة القديمة بتمويل من البنك الدولي. وفي بنت جبيل تكامل مشروع الارث الثقافي مع مشروع البنك الدولي داخل المدينة الذي انجزت في اطاره تحسينات تناولت الطرق الداخلية في البلدة القديمة. لقد دفعت معالم التنمية العمرانية وتأهيل ساحات المدن القديمة وطرقاتها، بالعديد من المستثمرين المحليين الى العمل على تحديث اماكن عملهم، وتغيير وجهة استعمال بعض تلك الاماكن، بحيث اضحت نقاط استقطاب سياحي واقتصادي، سهلت التنقل في الاجزاء القديمة من المدن الخمس والتعرف اليها.

ولم تشذ مدينة بيروت عن اعمال التطوير والتأهيل، فاشرفت محافظة وبلدية بيروت وبعض الادارات الرسمية وبتمويل من البنك الاسلامي للتنمية (بنسبة 100%)، على تأهيل الواجهة البحرية الممتدة من «السان جورج» حتى «السمرلند»، حيث تم تأهيل الانارة البحرية، والدرابزين البحري، واشارات السير والكاميرات العائدة لها، وزرع اشجار على جانبي الاوتوستراد، والارصفة، وتركيب مقاعد للعموم، فضلا عن تأهيل البنى التحتية وتحديث شبكات تصريف مياه الامطار ومياه الشفا والمياه المبتذلة.

وينخرط القطاع الخاص اللبناني بقوة في المحافظة على التراث المعماري والثقافي، وفي هذا المجال تنفذ جمعية «هلب ليبانون»، بالشراكة مع «البنك اللبناني- الفرنسي» مشروعا يستمر ثلاث سنوات لاعادة تأهيل واجهات الابنية في اكثر من منطقة وشارع في بيروت. وقد انجز الطرفان، حديثا، المرحلة الاولى التي تتمثل بتأهيل حي «مارمخايل» (في شرق العاصمة). وكانا قد تعاونا في عام 2006 على اعادة تأهيل واجهات الابنية في منطقة النبعة - برج حمود المكتظة بالعمران والانسان.

وتقول رئيسة الجمعية ليليان تيان لـ «الشرق الأوسط»: «ان عمليات اعادة التأهيل هذه تحسن نوعية الحياة في المناطق المعاد تأهيلها، وتعزز النشاطات الاجتماعية والثقافية، وحتى الاقتصادية». وتقول مديرة العلاقات العامة في البنك اللبناني- الفرنسي تانيا رزق لـ «الشرق الأوسط»: «نحن فخورون بشراكتنا مع هلب ليبانون، التي تسمح للبنك بتحمل مسؤولياته الاجتماعية على صعيد تجميل البيئة، وتحسين نوعية حياة المواطنين. ولكي نفقه اهمية هذا العمل، نشير الى ان الاتحاد الاوروبي ينفق على تنظيف ابنيته (89.2 مليون يورو) اكثر مما ينفق على سياسته الخارجية والامنية (60.7 مليون يورو) عام 2006، علما ان مقار الاتحاد هي مبنى المفوضية الاوروبية، ومبنى البرلمان الاوروبي، ومبنى المجلس الاوروبي.

من ناحية اخرى، حدد «صندوق السفراء الاميركيين» الثامن والعشرين من الشهر الجاري موعدا اخيرا لتسلم الملفات من الجهات المحلية التي ترغب في الحصول على مساعدات في اطار مشروع الارث الثقافي، علما ان الصندوق يدعم انقاذ القطع الاثرية والمواقع الاثرية، والارشيف والمؤسسات المماثلة، كما يدعم كل اشكال التعبير الثقافي التقليدي (موسيقى، رقص، لغات).

واستغرب احد خبراء الآثار، غياب لبنان عن الحلقة الدراسية التي نظمتها جامعة «لافال» (كيبيك) في لوكسمبورغ (مدينة الارث الثقافي العالمي، ومدينة الثقافة الاوروبية لعام 2007) تحت عنوان «الاعلام والارث الثقافي»، على الرغم من توقيعه بين 184 دولة على معاهدة الارث الثقافي. ولم يحضر من الدول العربية سوى مدير قسم علم الاعراق في ابو ظبي انور معلى، ومنصف بن سليمان من المعهد الوطني للهندسة المعمارية والتنظيم المدني في تونس. وتجدر الاشارة الى ان لائحة الارث الثقافي العالمية باتت تضم 851 موقعا.