خبراء عقاريون يصفون إيجارات الوحدات السكنية في السعودية بـ «المبالغ» فيها

توقعوا انخفاضها العام الحالي بنسب قد تصل إلى 30%

التضخم في الإيجارات مرشح بشكل كبير للانخفاض في ظل التوسع بالاستثمارات في المجال العقاري في السوق السعودية خلال العام الجاري («الشرق الاوسط»)
TT

«إن الإيجارات غير واقعية» بهذه العبارة، وصف خبراء عقاريون الارتفاع الحاصل في سوق الإيجارات في السوق السعودي بشكل عام، وفي العاصمة الرياض على وجه الخصوص، بأنها تضخمت بشكل مبالغ فيه. ويستند العقاريون في ما ذهبوا إليه لوجود عدد كبير من العقارات المعروضة للإيجار لم يتم استئجارها. واتهم العقاريون ملاك العقارات برفع أسعار الإيجارات، مستغلين زيادة أسعار السلع الغذائية ومواد البناء.

وأكد العقاريون أن السوق شهد تضخما في قطاع الإيجارات منذ بداية العام الماضي 2007، بسبب ما توقعه الملاك وسماسرة العقار من حدوث ازدياد في التضخم، الأمر الذي أدى إلى زيادة تلقائية في أسعار الإيجارات استعداداً لأي ارتفاع مستقبلي.

وكانت تقارير حكومية صدرت خلال الشهر الجاري أظهرت أن معدل التضخم السنوي في السعودية ارتفع إلى 6 في المائة، وذلك خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليسجل أعلى مستوى منذ عام 1995 على الأقل ويتجاوز أسعار الفائدة.

وذكرت التقارير أن وتيرة ارتفاع التضخم في السعودية، أكبر اقتصاديات المنطقة العربية، تسارعت للشهر السابع على التوالي في نوفمبر بعد ارتفاعه إلى 5.35 في أكتوبر (تشرين الأول)، في الوقت الذي تسعى فيه مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، إلى مواجهة التضخم من خلال عدد من الآليات التي لم تساعد المؤسسة على مواجهة التضخم الحاصل في البلاد.

وقالت الإدارة المركزية للإحصاء إن من العوامل الرئيسية لارتفاع التضخم، زيادة الإيجارات بنسبة 15.4 في المائة في نوفمبر الماضي. وبلغت الزيادة في الإيجارات 11.7% في 12 شهرا حتى 31 أكتوبر.

وتشهد العاصمة السعودية الرياض عرض مزيد من الشقق السكنية بأسعار مرتفعة بنسب تصل إلى 25 في المائة من الأسعار التي كانت عليها في السابق، الأمر الذي تسبب في عزوف الكثير من المستأجرين عن استئجار تلك الشقق.

أمام ذلك، أكد الدكتور عبد الله المغلوث، الباحث العقاري، أن التضخم الحاصل في البلاد كان نتيجة لوفرة السيولة وطرح المشاريع الكبيرة في مختلف المدن، إضافة إلى النمو المتزايد في السكان، وبالتالي ارتفاع الطلب على المساكن بشكل عام، مشيراً إلى أن الطفرة التي تشهدها البلاد ساعدت على وجود تلك العوامل.

وأضاف المغلوث ان هذه العوامل كانت مشجعة لملاك العقارات وأصحاب المشاريع الكبرى على اللجوء لرفع الأسعار إلى مستويات طبيعية وغير طبيعية، مفيدا أن الارتفاع الطبيعي كان في المنتجات الأكثر طلباً كأسعار العقارات الجديدة، لا سيما في المساكن والأبراج.

وأشار إلى أن الوضع تخطى ذلك لأن يلجأ أصحاب العقارات القديمة إلى رفع الأسعار على المستأجرين، موضحا أن ذلك لم يكن بسبب عدم وجود ضوابط وتشريعات تحكم عملية الإيجارات، إذ ان سوق العقارات في الغالب يكون سوقا حرا يخضع لعوامل العرض والطلب.

وزاد «وبالتالي، فإن الزيادة في عرض العقارات يؤدي إلى انخفاض أسعار التأجير، وفي حال انخفاض عرض العقارات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار».

وأبان الباحث العقاري أنه مع ارتفاع الأسعار، سواء في العقارات من أراض ومساكن لا يمكن أن يخدم المستفيد النهائي الذي أصبح يجمع ما بين الاستفادة كونه المستهلك الأخير، وبين المتضرر أيضا، لكونه تضرر من التضخم وارتفاع الأسعار.

وأفاد أن عملية التضخم أثرت في المستهلك النهائي بشكل كبير، حيث لم يعد قادرا على استئجار بيت بمواصفات تتناسب مع المبالغ المعقولة التي كانت تدفع قبل أكثر من 18 شهرا.

وذكر بأن المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في السوق العقاري من خلال طرح وحدات سكنية توقفت، نسبة إلى الارتفاع في أسعار الأراضي وارتفاع في أسعار مواد البناء، مما قد يسبب بطئا في عمليات طرح الوحدات السكنية، الأمر الذي قد يتسبب في تأخر عملية التوازن السعري في ما يتعلق بالإيجارات.

وشدد المغلوث على أن الشركات العاملة قادرة على إعادة السوق إلى التوازن الحقيقي، خاصة انها تعمل على كبرى المشاريع في السعودية بشكل خاص وفي الخليج بشكل عام، متوقعا أن تشهد السنتان المقبلتان طرح وحدات سكنية بشكل أكبر، وبالتالي ستشهد أسعار العقارات انخفاضا يتراوح بين 20 إلى 30 في المائة مع طرح تلك الوحدات.

وأشار إلى أن الاستراتيجيات المتاحة في السوق العقاري تتجه لصالح الفرد، في ظل تقاطر شركات التطوير العقاري، والإعلان عن مشاريع عقارية كبرى، وأخيرا دخول البنوك وشركات التمويل العقاري على الخط، بالإضافة إلى توجهات تشريعية لتنظيم السوق العقاري، مما يساعد على تملك المنازل للأفراد. وبيّن ان تلك الخطوات ستساعد على كبح جماح ارتفاع الأسعار في العقارات بمختلف اشكالها.

لكن محمد الاحمري، وهو عقاري في العاصمة الرياض، يخالف بعض ما ذهب إليه المغلوث حول زيادة المعروض وقلة الطلب، ليشير إلى أن التضخم الحاصل هو عبارة عن عكس ذلك، إذ ان المعروض قليل مقابل ازدياد في الطلب.

وذكر أن المعروض من العقارات انحسر في العام الماضي، مرجعا ذلك إلى ما شهده سوق الأسهم من طفرة قبل انهياراتها الشهيرة، حيث توجه كثير من المستثمرين لسوق الأسهم، الأمر الذي شل حركة البناء وزاد في حركة بيع العقارات من قِبل صغار المضاربين والملاك.

وأضاف الاحمري أن توقف حركة البناء للشقق والمساكن مع النمو السكاني الكبير وازدياد عدد الأسر مع ازدياد أعداد الشباب المقبل على الزواج، أحدث فرقا في عملية العرض والطلب. ومع ذلك يشير الأحمري إلى ان هناك نوعاً من المبالغة في الأسعار، خاصة من ملاك العقارات القديمة التي لا تقع في مواقع تجارية أو حيوية، بعد ان استفادوا من الارتفاع الذي تشهده المناطق الجديدة أو الحيوية، مبيناً أن هناك مباني تهالكت ومع ذلك رفع أصحابها الإيجارات.

وقال العقاري الأحمري إن السعودية شهدت في الفترة الماضية حركة كبيرة في تنقل الأفراد بين الشقق والبحث عن الأقل أسعارا، الأمر الذي شهد حركة في سوق نقل الأثاث، حيث يتراوح سعر نقل أثاث شقة ما بين 500 ريال (133 دولارا) و2000 ريال (533 دولارا).

إلى ذلك ذكر بندر الغانم، وهو يعمل في القطاع المصرفي، أنه اضطر إلى النقل من شقته الواقعة في حي التعاون (شمال الرياض)، إلى حي الروضة (شرق العاصمة)، بعد أن رفع المالك الإيجار إلى 30 ألف ريال (8 آلاف دولار)، بعدما كان يدفع 26 ألف ريال (6.9 ألف دولار) لمدة سنتين، على شقة مكونة من ثلاث غرف نوم، ومطبخ وصالون.

ويتهم الغانم اصحاب المكاتب العقارية بأنهم يقفون في المقام الأول خلف رفع الإيجارات، عازيا ذلك إلى استفادتهم من خلال زيادة المبالغ التي سيتحصلون عليها مقابل إدارتهم للعقارات، إذ يحصل كثير منهم على 5 في المائة من قيمة الإيجار.

يشار إلى أن التضخم استقر في أسعار المواد الغذائية خلال نوفمبر الماضي على 7.5 في المائة، وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة «رويترز» الشهر الماضي، أن متوسط التوقعات للتضخم في السعودية الذي يعتبر اقتصادها أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط والمصدر الأول للنفط في العالم، يبلغ 4.1 في المائة خلال 2008 ارتفاعا من 3.8 في المائة خلال 2007.