الإمارات: معادلة العرض والطلب تصل بأسعار الإيجارات إلى أرقام قياسية

محمد بن راشد أعلن عن إنشاء 40 ألف وحدة سكنية للمواطنين لكن الطلب يتزايد

دبى تحتاج الى 150 الف وحدة سكنية سنوياً خلال عامين («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الامارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن تشييد أربعين ألف منزل لمواطني بلاده في الامارات السبع خلال ثلاث سنوات كحد أقصى، حتى عول مواطنو ومقيمو الامارات الكثير على هذه الخطوة الحكومية التي يأمل منها القطاع الاقتصادي عموما في الامارات بأن تنتشل القطاع العقاري، ولو جزئيا، من الارتفاع المتواصل في أسعار العقارات، التي بدأت في التأثير على المواطنين والمقيمين، لكن آثارها السلبية امتدت لتأخذ منحى آخر، برفع مستويات التضخم لأرقام قياسية، باعتبار أن أسعار الإيجارات مكون رئيسي من مكونات التضخم بالامارات.

لكن اقتصاديين يقللون من تأثير مثل هذا القرار في تخفيف الطلب الجامح في الامارات، ويعتقد اقتصاديون أن نسبة الطلب السنوي في دبي وحدها تفوق المائة وخمسين ألف وحدة سكنية سنويا، وهو ما يقلل من تأثيرات طويلة المدى لتوفير العرض المناسب لقوة الطلب على المساكن العقارية.

ويقول مسؤولون في شركة أرابيتك، وهي واحدة من كبرى شركات المقاولات في دبي، ان دبي تحتاج الى 150 الف وحدة سكنية سنويا بين 2007 و2009، في الوقت الذي تبلغ طاقة التسليم الحالية 50 الف وحدة سكنية. ويؤكد المسؤولون في الشركة ان ارابيتك لوحدها سلمت 2500 وحدة في العام الواحد. وبحسب تقرير حديث أعده وأصدره مركز المعلومات، ودعم اتخاذ القرار في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، أنه مع استمرار تزايد القيمة الايجارية للشقق والوحدات السكنية بإمارة أبوظبي، وتصاعدها لمستويات عالية جدا على مستوى الدولة، يتوقع أن يظل الطلب في زيادة متواصلة بسبب زيادة نسبة النمو السكاني والحجم الكبير للاستثمارات الجاري تنفيذها والمشاريع الضخمة التي يقبل عليها اقتصاد أبوظبي واقتصاد الدولة. وفي العاصمة السياسية (أبوظبي) والعاصمة الاقتصادية (دبي)، تتزايد أسعار العقارات سنويا بنسب تفوق العشرين بالمائة، بالرغم من كل القرارات الحكومية الصارمة في الحد من ارتفاع الأسعار، فعلى سبيل المثال يصل سعر الشقة السكنية المكونة من غرفة نوم واحدة إلى تسعين ألف درهم اماراتي (24.5 الف دولار)، بينما يصل سعر الشقة المكونة من غرفتي نوم الى نحو 110 آلاف درهم (30 ألف دولار)، أما الشقة السكنية المكونة من ثلاث غرف نوم فيصل سعرها إلى 140 ألف درهم (38 ألف دولار). ويشكل الطلب على الشقق والفيلات السكنية معضلة يشعر بها كل من يقطن أرض الامارات، فمسألة ارتفاع الأسعار بصورة خيالية، غدت فيها الأسعار في امارتي أبوظبي ودبي من أعلى الأسعار في العالم، تسببت في الكثير من المشاكل التي يواجهها المستثمرون، الذين كانوا يرون في الامارات جنة استثمارية حقيقية، لتتحول، بارتفاع أسعار عقاراتها، شيئا فشيئا إلى بعبع للمستثمرين، الذين هجروا الضرائب الباهظة في بلادهم، ليجدوا أمامهم ضرائب أخرى، لكن من نوع آخر.

ويمكن القول ان قرار المجلس التنفيذي في أبوظبي (الحكومة المحلية) بتحديد نسبة زيادة الإيجارات السنوية بـ 5 في المائة، في إطار توجه الحكومة نحو تخفيض أعباء المعيشة على المواطنين والمقيمين في إمارة أبوظبي، ولقد سبقت امارة دبي في إعلانها لنفس نسبة الزيادة 5 في المائة على أن تطبق خلال عام 2008 وتتم مراجعة النتائج في نهاية العام. ولقد تمت الإشادة بهذا القرار من مختلف الفعاليات الاقتصادية، اذ انه يعتبر مؤشرا للاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة تجاه إيجاد بيئة معيشية تناسب كافة الفئات المجتمعية وتقلل الأعباء والتكاليف على متوسطي ومحدودي الدخل. ولا يبدو أن مسألة ارتفاع أسعار العقارات ستؤثر في المستفيدين من المواطنين والمقيمين فقط، بل ان الاقتصاد الوطني الإماراتي سجل أرقاما تضخمية عالية، وهنا يوضح تقرير غرفة أبوظبي إلى انه من المنظور الاقتصادي لمعالجة موضوع التضخم وهو القضية الأساسية والتحدي الكبير الذي يواجه الاقتصاد المحلي.

فإن هذه المبادرة وحدها تبقى ضعيفة في الإسهام بفعالية في معالجة موضوع التضخم، الذي يحتاج لحزمة متكاملة من الاجراءات والذي بات يشكل خطرا وعبئا على النمو الاقتصادي وأداء قطاعات الأعمال، إذ إن قضية تحجيم التضخم تحتاج إلى مواجهة فاعلة وجذرية تؤدي الى خفض مقدر وحقيقي لنسبة التضخم لعام 2008 التي يعتبر الإيجار مساهما فيها بنسبة عالية تتجاوز الـ 40 في المائة.

ويذكر التقرير ان تزايد الطلب على الوحدات السكنية في إمارة أبوظبي بمعدلات عالية لعام 2008، يتزامن مع قلة المعروض من الوحدات السكنية لتلبية الاحتياجات الحالية، حيث سيزداد اتساع الفجوة في السنوات المقبلة وتتوالى زيادات جديدة في قيمة الإيجارات، وهذا سيشكل دفعة قوية لمؤشر التضخم للارتفاع لمستويات أعلى مما سيؤثر في مجمل الأداء الاقتصادي.

يمكن القول انه في عام 2005 بلغ عدد الوحدات السكنية في إمارة أبوظبي حوالي 287 ألف وحدة سكنية كانت كافيه لمقابلة الطلب في ذلك الحين، وكانت مستويات الإيجارات آنذاك متوازنة. ولم يشهد عام 2006 ورغم الزيادة في عدد السكان إنشاء وحدات سكنية كافية جديدة، تلبي الزيادة السكانية في الإمارة، مما تسبب في ايجاد عجز في تلبية الطلب قدر آنذاك بحوالي 3000 وحدة سكنية وتفاقمت هذه المشكلة في عام 2007، حيث أيضا لم يف حجم الإضافات من الوحدات السكنية الطلب المتزايد على الوحدات السكنية وتضاعف بذلك العجز، ليصل لحوالي 7 – 8 آلاف وحدة سكنية. أما في عام 2008، فإن الوحدات السكنية التي ستدخل إلى السوق أغلبها ذات مواصفات راقية لتغطية الطلب من ذوي الدخول المرتفعة، والمشكلة تواجه الشريحة الأعظم في السوق وهم متوسطو ومحدودو الدخل، إذ هم الشريحة الأكثر تأثرا بارتفاع الإيجارات، ويتوقع أن تصل نسبة العجز إلى ما لا يقل عن 20 ألف وحدة سكنية، مما سيدفع الوضع في القطاع العقاري من سيئ إلى أسوأ، وسوف ينعكس ذلك على مجمل الأنشطة الاقتصادية في الإمارة، علما بأن المباني التي في طور الإنشاء لن تلبي سوى حوالي 20 في المائة من الاحتياجات عام 2008، حيث ان النقص في المعروض من الوحدات السكنية سيؤدي إلى المزيد من ارتفاع الإيجارات، الإيجارات تشكل النسبة الأكبر في إنفاق المستهلك والتي تقدر بما لا يقل عن 40 في المائة، كما ذكر سابقا، فإن ذلك سيساهم في رفع التضخم إلى معدلات مفرطة.

ويقول تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي: ان النقص المتزايد في حجم المعروض من الوحدات السكنية لمحدودي الدخل وعلاج مشكلة الإيجارات يتطلب رؤية وإستراتيجية واضحة، يتم من خلالها وضع خطة إسكانية للسنوات المقبلة ويكون للقطاع الخاص دور أكبر في تنفيذها لمقابلة الارتفاع الحاد في الطلب، لأن ارتفاع الإيجارات، يدفعه أيضا توقعات المستثمرين لعوائد عالية من الاستثمار العقاري، حيث يتوقع المستثمرون عوائد بلغت في بعض الوحدات السكنية 140 في المائة. كما أن استمرار زيادة القيم الايجارية في إمارة أبوظبي يؤدي إلى ظواهر اجتماعية واقتصادية سالبة، سيكون لها انعكاسات على الوضع الاقتصادي الكلي وعلى جذب الاستثمارات، كما أنه سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والاستثمار، وسيكون هذا الموضوع هو الدائرة الشريرة وسيساهم في حفظ مؤشر التنافسية للدولة، مقارنة بدول المنطقة والعالم.