السعودية: «المنزل الذكي».. الشركات تتسابق عليه والأفراد ينتظرون

ندرة المقاولين والاستشاريين تحبط المستثمرين

رسم تصوري لمدينة المعرفة التي ستقام في المدينة المنورة والتي تعتبر إحدى المناطق التي ستصمم جميع مبانيها لتكون «ذكية» تستخدم التقنية («الشرق الأوسط»)
TT

يستعد السوق السعودي لضخ مبالغ تصل إلى 150 مليار ريال (40.2 مليار دولار) بحسب خبير في هذا المجال خلال سنوات قليلة مقبلة من أجل التحول نحو تطبيق ما يعرف باسم «المباني الذكية» وهي عبارة شائعة تستخدم للدلالة على المباني المصممة لاستخدام أي تقنيات حديثة ومتطورة بشكل سهل وسلس وباستخدام الشبكات. إذ تتيح هذه التقنية للشركات والمنازل سهولة الاتصال وتؤسس لبيئة الكترونية.

وتشير دراسات حديثة لاتجاه سوق العقار، إلى أن دول الخليج بصفة عامة والسعودية بشكل خاص، مرشحة لأن تكون هي الأكثر تقدما في ما يتعلق بـ «المباني الذكية»، وستبدأ في المملكة ودول خليجية اخرى، خلال العام الجاري خطوات نحو تفعيل دور البيوت الذكية، حيث أعلنت دبي تحديدا العام الماضي التحول نحو «المباني الذكية».

يشار إلى أن «الشرق الأوسط» نشرت قبل نهاية ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، تقريرا أكد فيه خالد العبد الكريم الرئيس التنفيذي لمجموعة العبد الكريم القابضة وعضو الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية في السعودية، أن شركته فازت بعقد مرحلة تجريبية لربط المباني بخطوط الألياف البصرية والتي تتيح للشركات والمنازل سهولة الاتصال وتؤسس لبيئة الكترونية، متوقعاً أن يبدأ مراحله التجريبية في الربع الأول من العام الجاري 2008 من خلال مناطق مختارة في كل من مدن الرياض وجدة والدمام. وقال العبد الكريم حينها ان المرحلة التجريبية تستمر سنة في منطقة الرياض، وستقوم بها شركته مناصفة مع شركة هواوي الصينية والذي وقعته مع شركة الاتصالات السعودية، مقدرا قيمة العقود للمرحلة التجريبية بحوالي 1.5 مليار ريال (402.360 مليون دولار) على مستوى المناطق الثلاث، فيما توقع أن تصل تكلفة ما سيتم إنفاقه على «المباني الذكية» بنحو 150 مليار ريال (40.2 مليار دولار). وتؤكد دراسات حديثة أن دول الخليج بصفة عامة والسعودية بشكل خاص، مرشحة لأن تكون هي الأكثر تقدما في ما يتعلق بـ«المباني الذكية»، وتعود الرؤية المتفائلة الى النمو العمراني المضطرد الذي تشهده هذه المنطقة بالذات والذي يجعل من الاستعانة بالتقنيات الذكية أمراً سهلا. إلا أن انتشار هذه المباني في المنطقة يواجه صعوبات عدة على رأسها ندرة المقاولين والاستشاريين القادرين على تنفيذ مشروعات من هذا القبيل، إضافة إلى ندرة الكفاءات العاملة في مجال التقنيات الحديثة والذكية ذاتها.

المهندس هاني طلال بكر، المدير التنفيذي لشركة نور للتقنية، وهي شركة متخصصة بالنظم الذكية المتكاملة للمباني، يقول إن العلاقة بين التقنية الحديثة والبنية التحتية أصبحت سمة أساسية في مضمار العقارات وقيمة مضافة لا ينظر إليها القاطن على أنها من الكماليات كما كان في الماضي، فالاتصالات، والسعة والجهوزية التي يوفرها المبنى وبنيته التحتية لاستيعاب الاتصالات والتقنية هي أمور اساسية وجوهرية.

ويضيف «المباني الذكية ليست بهذا الانتشار حتى في الغرب وذلك لأن المباني هناك أقدم من المباني الموجودة لدينا، الأمر الذي يرجح انتشار المباني الذكية لدينا نظراً لأننا نعيش فترة نمو وبناء».

ومما يرشح فرص زيادة المباني الذكية في السعودية أن التكلفة بالنسبة لتكاليف البناء المعتاد في مرحلة التصميم والإعداد لا تكاد تصل إلى قيمة المبنى ككل، وفي الوقت ذاته تشكل هذه الإضافة استثماراً عائده الأقل يقفز بقيمة العقار بين الـ30 والـ50 بالمائة، وهو الأمر الذي يجعل الأمر ذا أهمية متزايدة بالنسبة للمطورين العقاريين، فثمن التقنية قليل وعائدها عال جداً، وكلفة تأجير المبنى الذكي هي أكثر بـ 150 في المائة أو 200 في المائة للمبنى العادي.

وفي الوقت نفسه يؤكد بكر بأن الحديث عن الأنظمة الذكية وإدارة البيوت بواسطتها في بعض الأحيان يدخل إلى حيز المبالغات الخيالية على شاكلة ما يعرض في الأفلام السينمائية في بعض الأحيان. إلا أن الثابت والأكيد – والحديث ما زال لبكر- هو أن ميزة التقنية الحديثة والأنظمة الذكية يكمن في أنها تمنح المزيد من السعة، وكلما ازدادت السعة تزداد بشكل طردي الخيارات التقنية الحديثة التي نستطيع استخدامها في البيت وبدلا من الشبكات المتعددة ستكون هناك شبكة واحدة وسط المسكن تستخدم للاتصالات بمختلف أنواعها والأعمال.

وحول الخدمات التي تقدمها الشركات العاملة في قطاع الحلول التقنية والأنظمة الذكية في السعودية يقول بكر «تقدم الشركات مختلف الأنظمة في المبنى التي تعتمد على اتصالات شبكة الحاسب الآلي والانترنت».

وأضاف أن هناك شركات تركز في المرحلة الأولى على النظم الأمنية، وتدريب كوادر للتمكن من تركيب نظم أخرى، كإمكانية التحكم بالتكييف والإضاءة والخدمات الأخرى عن طريق الشبكة في المبنى، بما فيها توفير القنوات التلفزيونية عبر الشبكة، وخطوط الهاتف، وهي تقنيات يتم جلبها من أوروبا وأمريكا.

إلا أن الإقبال الأكبر حالياً ليس من قبل القاطن العادي، بقدر ما هو من قبل الشركات الكبرى والمؤسسات متعددة الفروع التي تستفيد من هذه التقنيات وبشكل خاص النظم الأمنية، وهنا يشير إلى أنه «في المنشآت الكبرى متعددة الفروع المفاتيح أصبحت شيئاً من الماضي، النظم الأمنية يتم التحكم فيها من مكان مركزي ويتم منح صلاحيات الدخول والخروج بنظام البصمة أو الكروت أو غيرها».

ويضيف «بلا شك العالم كله أصبح لديه نوع من الوعي الأمني، والشركات المختلفة تحمي منشآتها وبحسب أبسط التقديرات فإن ذلك راجع إلى رغبتها في الحفاظ على سرية أوراقها ومعلوماتها الخاصة، وهناك إقبال متزايد على خدماتنا في السوق السعودي، والنسبة تبلغ 100 بالمائة في ما يتعلق بأنظمة الحماية والأمان».

قائمة العملاء في الأغلب تقتصر على الشركات والمؤسسات، وليس هناك إقبال كبير من قبل الأفراد، والسبب هو عدم توفر الكوادر لأن هذه النظم تحتاج إلى صيانة وخدمات دعم ما بعد البيع، فالجدوى الاقتصادية أكبر بالنسبة للمنشآت التجارية لأنها تقوم بعمل عقود صيانة طويلة المدى. إلا أنه من المتوقع أن تنتشر المباني الذكية ليدخل ضمن عملائها الأفراد ولتزداد رقعة البيوت الذكية بعد 3 إلى 5 سنوات خاصة في الرياض وجدة التي من المتوقع أن تضم 10 أضعاف المباني الحالية وكلها مقامة بناء على النظم الحديثة.

الاهتمام بالمباني الذكية يتزايد في ظل أحاديث عن سعي هيئة الاتصالات وجهات أخرى مختصة إلى وضع توصيف خاص بهذه المباني، واشتراطه على المكاتب الهندسية، وفي الوقت نفسه السعي المتزايد لإحلال هذه التقنيات في المدن الاقتصادية والصناعية قيد الإنشاء، وبدأ التعاقد مع شركات واستشاريين متخصصين بهذا المجال.

المهندس فيصل الفضل، الذي يعترض على مسمى «المباني الذكية» من أساسه أن صفة الذكاء يجب أن تنسب للعقل البشري لا منتجات هذا العقل، ويصر على أنها كلمة غير مستخدمة في العرف الهندسي، وصيتها قادم من أفواه رجال الأعمال الذين يسوقون للعقارات. ويؤكد بأن إشكالية عدم الرجوع إلى الاستشاريين الهندسيين هي السبب وراء تراجع وانحسار نسبة وجود مباني مجهزة لاستقبال الأنظمة والتقنيات الحديثة.

ويضيف «ما يحدث حالياً هو أنه لا توجد جهة تراجع البنية التحتية وطرق تنفيذ إنشائها لا من قبل البلديات ولا الأمانات، والعميل يذهب مباشرة إلى المقاول الذي ينفذ له المبنى بشكل تقليدي ولا يلتفت إلى القيم المضافة في العقار كجهوزيتها للأنظمة الذكية وهي المهمة التي يقوم بها الاستشاري الهندسي عادة».

ويشير إلى أنه «بالتالي فإنه لا توجد مبان ذكية، ولا استشاريين لديهم خبرة نظراً لعدم رغبة العملاء باللجوء لخدماتهم، على الرغم من أن الأمر لا يكلف أكثر من مواصفات على ورق توضع بواسطة الاستشاري الهندسي وهي تمنح العقار قيمة مضافة بأضعاف أضعاف ما يمكن أن ينفذه المقاول فقط».

ويرى الخبراء أن التحديات التي تواجه انتشار المباني الذكية في السوق السعودي على الرغم من الاهتمام المتزايد بها، وبالقيمة المضافة التي تشكلها في سوق العقار تتلخص - بحسب الخبراء - في عدم وجود عدد كافٍ من الاستشاريين الهندسيين، والمقاولين المتخصصين القادرين على تنفيذ هذه المشروعات بشكل جيد مقارنة بالإقبال الشديد والنمو العمراني المضطرد، إضافة إلى الندرة في الكوادر والمعرفة.

وهنا يعود الخبير الهندسي بكر ليضيف إلى قائمة التحديات، تساؤله حول إمكانية توفر عدد كافٍ من الكوادر المؤهلة لتنفيذ هذه المشروعات، والعمالة فكل نظام يركب يحتاج إلى مدير لإدارته، وهذه أزمة عالمية، وهناك الكثير من مطورين العقار في العالم الذين يواجهون أزمة حقيقية في إيجاد استشاري متفرغ لعمل تصميم المبنى الذكي والشبكة التحتية.

وأكد أن المتخصصين في هذا المجال هم قلة في العالم والطلب عليهم كثير، لا سيما المقاولين الذين باستطاعتهم تنفيذ هذه المشروعات في السعودية وهم قلة نادرة، ولديهم مشروعات كثيرة، ويذهب بكر إلى نقطة أبعد في التشاؤم ليشير إلى احتمالية ألا يجد المطورون العقاريون في المستقبل مقاولين بالقدر الكافي لتنفيذ البنى التحتية للمباني الذكية. يشار إلى أن عدداً من الشركات السعودية بدأت في تطبيق نظام البيوت الذكية في عدد محدود من المشاريع السكنية في أنحاء متفرقة من المملكة، باستخدام التقنية الإلكترونية في فتح وإغلاق الأبواب والنوافذ والمصابيح الكهربائية وتسجيل مواعيد الدخول والخروج والإعلان عن فترات الطعام والمحافظة على حرارة المنزل أو برودتها عند درجة ما وفق كمبيوتر يعتبر عقل المنزل الذكي ومميزات أخرى لا تحصى. وكانت قد طرحت إحدى الشركات السعودية 120 فيلا في أحد أحياء العاصمة الرياض يمكن تصنيفها كـ«بيوت ذكية».