أسعار الأراضي والإسمنت.. تحديات قطاع العقار اليمني الدائمة

صعدت بنسبة 200% و5 آلاف دولار للمتر في بعض أحياء صنعاء

ارتفاعت أسعار الأراضي بشكل مطرد خلال الأعوام القليلة السابقة في صنعاء («الشرق الاوسط»)
TT

يشكل الارتفاع المستمر والمتصاعد في أسعار مواد البناء الأساسية خاصة الاسمنت، معضلة تضاف الى المعضلات التي تحد من تحقيق معدلات النمو المستهدفة في قطاع العقارات اليمني مقارنة بقطاعات اقتصادية أخرى.

ذلك الى جانب ارتفاع أسعار الأراضي المزمنة خاصة في صنعاء والمحافظات، حيث ارتفع سعر المتر المربع من الأرض في بعض أحياء صنعاء بنسبة 200 بالمائة خلال الأعوام الأخيرة ليصل إلى مليون ريال يمني (خمسة آلاف دولار)، وترتب على كل ذلك ارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين.

وخلافا للإحصاءات الرسمية التي تشير إلى أن قطاع العقار اليمني ظل يحقق نموا نسبته 5 بالمائة خلال الأعوام الخمسة الماضية. خلافا لذلك فإن دراسات أعدتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي، تؤكد أن القطاع يواجه صعوبات حقيقية. وأشارت الوزارة انه إلى جانب ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء الأساسية، كالاسمنت والحديد بشكل مطرد بنسب تراوحت بين 40 و50 بالمائة خلال العامين الماضيين، هناك تردد وعزوف واضح من قِبل البنوك اليمنية عن تمويل استثمارات في هذا القطاع كونه استثمارا طويل الأجل.

وذلك بالإضافة إلى عدم وضوح السياسة الاقراضية في ما يخص أسعار الفائدة على القروض العقارية، مع عدم وجود بنوك متخصصة وقادرة على توفير التمويلات التي يتطلبها قطاع العقار، خاصة بعد زيادة معدل تدفق الاستثمارات الخليجية والعربية إلى سوق العقار، حيث قدرت الاستثمارات السعودية وحدها بأكثر من 600 مليون دولار خلال الفترة المشار إليها.

واتخذت الحكومة اليمنية جملة إجراءات وتدابير لدرء المخاطر التي يواجهها المستثمرون في قطاع العقار من خلال منح زيادات بلغت 20 بالمائة كفوارق أسعار لشركات المقاولات، و12 بالمائة للشركات العقارية لتخفيف الآثار الناجمة عن ارتفاع أسعار مواد البناء الأساسية، إلا أن عددا كبيرا من الشركات العقارية وشركات المقاولات، التي أبرمت عقودا مع الحكومة اليمنية قبل موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة لم يشملها قرار فوارق الأسعار الذي أصدرته الحكومة.

ولما كان الارتفاع المستمر والقياسي في أسعار مادة الاسمنت واختفائها في بعض الأحيان من الأسواق احدى المشكلات الرئيسية التي تواجه قطاع العقارات في اليمن، فإن حل هذه المشكلة مرهون بدخول عدد من مصانع الاسمنت التي ينفذها القطاع الخاص اليمني بمشاركة رؤوس أموال سعودية وخليجية في عدد من المحافظات اليمنية مرحلة الإنتاج نهاية عام 2009 في أحسن الأحوال، لتسهم في سد الفجوة المتزايدة بين المطلوب والمتاح من هذه المادة الحيوية، ويصل عدد هذه المصانع إلى سبعة مصانع بكلفة استثمارية قدرها 2.2 مليار دولار. وحسب محمد يحيى شنيف، نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة اليمنية لصناعة وتسويق الاسمنت، فإنه يتوقع أن ترفع هذه المصانع حجم إنتاج اليمن منه والذي لا يزيد حاليا على ثلاثة ملايين طن إلى تسعة ملايين طن بحلول عام 2010، تسد حاجة السوق المحلية وتوفر قدرا للتصدير إلى الأسواق المجاورة. ويوضح شنيف ان المصانع الثلاثة القائمة حاليا التي تديرها المؤسسة لا تغطي سوى 60 بالمائة من حاجة السوق، فيما تتم تغطية الفجوة عبر الاستيراد، لكن المسؤول اليمني يرى أيضا أن الأزمة الحالية في أسعار الاسمنت مفتعلة إلى حد كبير، يستغل فيها البعض قلة المعروض من الاسمنت للمضاربة بالأسعار، الأمر الذي يؤثر سلبا في الأنشطة العقارية والتنموية، مشيرا إلى أن المؤسسة اليمنية لصناعة وتسويق الاسمنت، بصدد عدد من المعالجات لكبح جماح أسعار الاسمنت، أهمها تطوير وتحديث المصانع القائمة لرفع قدرتها الإنتاجية، وتوقع أن تعود أسعار الاسمنت إلى وضعها الطبيعي خلال العامين المقبلين بعد تنفيذ المعالجات المشار إليها ودخول مصانع القطاع الخاص مرحلة الإنتاج. وتشير إحصاءات صادرة عن الجهاز المركزي الإحصائي، إلى ان عدد المشروعات الإنشائية لقطاع البناء المنظم، بلغ العام الماضي 1793 مشروعا بقيمة 75 مليار ريال يمني، وتصدرت المشروعات العقارية السكنية قائمة المشروعات الإنشائية خلال العام الماضي بعدد 70 مشروعا بتكلفة 15 مليار ريال، فيما بلغ عدد الوحدات السكنية 548 وحدة قيمتها 5 مليارات ريال. وتكشف هذه الإحصاءات عن ان هناك غلبة للنشاط غير المنظم في أنشطة العقار والأراضي، خاصة أن النسبة الغالبة من المؤسسات الإنشائية عبارة عن أفراد ومؤسسات تملكها وتديرها اسر بعينها.

فيما تكشف إحصاءات أخرى لوزارة الاشغال العامة والطرق عن أن عدد الشركات اليمنية العاملة في قطاع المقاولات يبلغ عددها 989 شركة مسجلة تستوعب 238 ألف عامل، ويبلغ عدد المقاولين 187 مقاولا، 50 منهم فقط مصنفون ضمن مقاولي الدرجة الأولى، وبلغت قيمة الأنشطة الإنشائية المنفذة في هذا القطاع خلال العام الماضي 9.5 مليار دولار، منها 5.2 مليار دولار قيمة أنشطة عقارية بواسطة القطاع غير المنظم. ونظرا للصعوبات والمشكلات المتفاقمة التي يواجهها قطاع العقارات، فإن مساهمته في الاقتصاد اليمني لا تزيد على 88 مليار ريال، تشكل ما نسبته 4.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. من ناحية أخرى، يتوقع اختصاصيون اقتصاديون أن تواصل أسعار العقار في اليمن ارتفاعها خلال الفترة المقبلة لاعتبارات أخرى تتصل بالزيادة المستمرة في معدلات الهجرة الداخلية من الأرياف صوب المدن، خاصة العاصمة صنعاء، واتجاه المغتربين اليمنيين إلى الاستثمار في قطاع العقار بشكل أساسي، بالنظر للفوائد المجزية التي تحققها العقارات، خاصة السكنية منها، فقد رفع الطلب المتزايد على السكن الإيجارات بنسبة تراوحت ما بين 30 إلى 40 بالمائة منذ بداية العام الحالي. لكن توجه عدد كبير من الشركات العقارية نحو بناء المدن السكنية والمجمعات التجارية في المدن الرئيسة، إلى جانب توجه الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية لاستثمار فائض الأموال التأمينية في إنشاء وحدات سكنية في عدد من المحافظات، واعتزام وزارة الاشغال العامة والطرق بناء 2500 وحدة سكنية و298 بناية بتكلفة تزيد على 16 مليار ريال تخصص بشكل أساسي لذوي الدخل المحدود وبأقساط تسترد على مدى عشرين عاما، يتوقع ان يسهم كل هذا الجهد في الحد من الطلب المستمر على الإيجارات السكنية والحد من ارتفاع أسعارها. الى ذلك ووفقا لآراء اقتصادية أخرى، فإن مستقبلا كبيرا ينتظر سوق العقار في اليمن بالرغم من الصعوبات والمشكلات الراهنة والمؤشرات على ذلك كما يبدو تتمثل في تدفق المزيد من الاستثمارات الخليجية والعربية والأجنبية إلى سوق العقار، ولعل آخرها ما كشفت عنه الهيئة العامة للاستثمار عن أن شركتي المستثمر وإيواء العقاريتين والتابعتين لشركة الدار الكويتية، وافقتا على عرض من هيئة الاستثمار اليمنية بشأن توقيع اتفاقيتي تفاهم لتنفيذ مدينة الصالح النموذجية بعدن تضم فنادق مختلفة الدرجات ومجمعات تجارية ومدنا سكنية وبنوكا وبورصات بتكلفة تصل إلى 4.5 مليار دولار.