الأزمة الائتمانية تتسبب بتراجع الاستثمار العقاري 17% في العالم

لعدم رؤية أي تحسن قبل الربع الثاني من العام الحالي

الازمة الائتمانية اوقفت العديد من المشاريع العقارية («الشرق الاوسط»)
TT

توقع القطاع الصناعي انخفاض الاستثمار العالمي في العقارات للعام الجاري بنسبة 17 في المائة متأثرا بالازمة الائتمانية العالمية. ويعقب هذا التراجع اطول فترة انتعاش عرفتها الصناعة، انتهت بعام 2007 القياسي، إذ بلغت الاستثمارات الدولية في العقار التجاري لنفس العام مبلغ 930 مليار دولار، بزيادة 29 في المائة عن معدل استثمارات عام 2006. وتؤكد شركة كوشمان ويكفيلد المتخصصة في العقار التجاري، ان معدل التعامل الاستثماري في العقار الدولي تراجع بنسبة 12.5 في المائة منذ ظهور ازمة الرهن العقاري في شهر اغسطس (آب) الماضي. وليس من المتوقع ان يزيد الاستثمار الدولي في العقار التجاري في عام 2008 عن 770 مليار دولار.

وشهدت أسواق العقار التجاري أسوأ ربع عام مع تراجع قيمة العقارات والإيجارات بنسب قياسية. وتتوقع الاسواق استمرار الاتجاه السلبي في المدى المنظور مع زيادة صعوبة التمويل. وتسود الاسواق حاليا حالة من الذعر بسبب تردي مستويات الإيجار التجاري للشركات، وتعد الإيجارات هي مؤشر الأرباح الرئيسي في قطاع العقار التجاري.

من ناحية اخرى، استمر تراجع القطاع السكني في الانخفاض بمعدلات هي الاسوأ في عامين، كما ألغت شركات عدة مشروعات طموحة وتراجع معدل الاستثمار الدولي في العقار.

وفي بريطانيا، سقطت عوائد العقار التجاري خلال الربع الاخير من عام 2007 بنسبة 7.6 في المائة، وتمثل هذه النسبة تراجع قيمة العقار، بالإضافة إلى تراجع القيمة الايجارية، وهو انخفاض قياسي تاريخي لم تشهده الصناعة من قبل. وتتوقع الصناعة انخفاضا مماثلا خلال الربع الاول من العام الجاري، مع تراجع في ثقة المستثمر يعتبر الاسوأ منذ بداية التسعينات.

ولهذا الوضع، الذي يتكرر بنسب متفاوتة في العديد من الدول الاوروبية، انعكاسات اقتصادية جذرية على جوانب الاقتصاد الاخرى مثل نشاط بناء المنشآت التجارية وصناديق الاستثمار العقاري، وأيضا على صناديق المعاشات التي تستثمر بقوة في قطاع العقار. وسوف تكون هذه التوقعات سيئة لملايين المستثمرين الذين وضعوا مدخراتهم في صناديق استثمار عقاري تحت وهم أنها اكثر استقرارا من الاسهم. ولا تتوقع الاسواق اي تحسن قبل الربع الثاني على الاقل من العام الجاري.

وحذرت هيئة الخدمات المالية البريطانية من ان تراجع العوائد الايجارية للعقارات التجارية قد يعني تراكم الخسائر للبنوك التي استثمرت في القطاع وايضا لشركات العقار الكبرى التي تدير هذه العقارات وتملكها. وانعكست هذه التطورات السلبية بالفعل على اسعار اسهم هذه الشركات، التي يتم تداولها الان في بورصة لندن بأسعار تقل 30 في المائة عما كانت عليه قبل أشهر قليلة، لكن الانعكاس الاخطر سوف يكون على الصناديق العقارية التي تحاول استعادة السيولة بأي وسيلة الى درجة بيع افضل ما تملكه من عقارات والاحتفاظ بالعقارات الاقل جودة.

ويعود هذا التراجع الى حالة عدم استقرار القطاع من ناحية، وشحة السيولة في الاسواق بسبب الديون الرديئة ورفض البنوك الاقراض بمعدلات الماضي.

ونتيجة لذلك الوضع ألغيت العديد من الصفقات التي كانت حتى وقت قريب تجرى بسهولة بسبب الاقراض المتوفر بغزارة من البنوك. كما توقفت ايضا عدة مشروعات ضخمة لبناء ناطحات سحاب او لشراء مبان شهيرة في صفقات استعراضية. وفي لندن انسحب العديد من المستثمرين من مشروع ناطحة سحاب اسمها «شارد»، الامر الذي نتج عنه توقف المشروع الى اجل غير مسمى.

ولوحظ ايضا ان شركات العقار توفر حوافز غير عادية من اجل جذب المستثمرين لشراء عقارات بنيت في زمن الطفرة الائتمانية. ومع ذلك، فالطلب ما زال منخفضا لعدم القدرة على الاقتراض بمبالغ كبيرة.

من الصفقات التي ألغيت في لندن كان اعلان شركة برودينتيال عن تأجيل بيع نصف نصيبها في مشروع مدينة صناعية في الضواحي اسمها «غرين بزنس بارك»، وهي صفقة قدرت الاسواق حجمها بحوالي نصف مليار استرليني، وذلك حتى تتحسن حالة الاسواق على حد تعبير الشركة. ولم تكن هذه الصفقة هي الوحيدة ولا الاكبر التي تلغى خلال الاسابيع الاخيرة في السوق البريطانية، حيث تراجع نشاط التبادل العقاري التجاري في بريطانيا بنسبة 75 في المائة في الربع الاخير من العام، وفشلت كثير من الشركات في الحصول على الاسعار التي طلبتها ثمنا لعقاراتها.

وكانت واحدة من اكبر الصفقات التي الغيت صفقة بيع محفظة عقارية تملكها شركة الشبكات الكهربائية البريطانية «ناشيونال غريد» بقيمة 700 مليون استرليني لان الشركة لم تجد مشترين. وتعتبر صناديق الاستثمار العقاري هي اكبر الجهات البائعة في الاسواق اليوم نظرا لضائقتها المالية وحاجتها الملحة الى تدبير السيولة لدفع مستحقات المستثمرين الذين يريدون بيع استثماراتهم في هذه الصناديق، وبعضها مجمد وممنوع من البيع حاليا لتجنب ازمة سحب جماعي للاستثمار كتلك التي وقعت لبنك «نورثرن روك» المنكوب. واضطرت بعض هذه الصناديق الى بيع عقارات تجارية تملكها بأقل من قيمتها المعلنة لتدبير السيولة، وهي تعتبر فرصة سانحة للصناديق السيادية.

من ناحية اخرى، يقول سماسرة العقار إن مالكي العقار غير المضطرين للبيع والمشترين غير المتعجلين على الشراء يراقبون السوق الآن عن كثب من دون الاقبال على اي صفقات حتى تتضح معالم توجهات السوق. وتقول شركة سمسرة عقارية في لندن، ان معدل الصفقات في الربع الاخير من عام 2007 تراجع الى ثلاثة مليارات استرليني، هبوطا من 20 مليارا في الربع الاخير من العام الاسبق.

لكن التقرير الذي اصدرته شركة ويكفيلد اشار الى ان اسواق الدول الناشئة عقاريا، وتشمل الدول العربية، سوف تمر بفترة الازمة الحالية من دون خسائر كبيرة. اما الاسواق الناضجة فلن يعود إليها الاستقرار قبل النصف الثاني من العام الجاري. وكانت الاسواق الناشئة صاحبة اقوى انجاز في العام الماضي، وحققت الصين المركز العاشر دوليا في أكبر اسواق الاستثمار العقاري التجاري للمرة الاولى بنسبة نمو زادت على 80 في المائة عن نمو العام الاسبق، وبحجم وصل الى 15 مليار دولار. وهناك عشرة من اكبر 15 سوق استثمار عقاري في العالم، تعتبر من الاسواق الناشئة، ومنها كانت نقاط اوروبية ساخنة مثل بلغاريا والمجر واوكرانيا وتركيا. وزاد الاستثمار العقاري في اميركا اللاتينية بنسبة 87 في المائة، لكن من قاعدة متواضعة. وزاد الاستثمار العقاري التجاري في اميركا الشمالية بنسبة 49 في المائة وبنسبة 27 في المائة في آسيا. وكانت اقل نسب النمو في اوروبا التي زادت بنسبة 10 في المائة الى حجم 349 مليار دولار.

من هذه النسب كان الاستثمار الاجنبي عبر الحدود يمثل ثلث الصفقات تقريبا صعودا من نسبة 29 في المائة في العام الاسبق. وسوف يكون الاستثمار الاجنبي احد العوامل الحاسمة في اسواق عام 2008، لان الكثير من المستثمرين يبحثون عن عوائد افضل بغض النظر عن المواقع الجغرافية. كما يطمح البعض الى توزيع المخاطر بين المناطق الجغرافية المختلفة خصوصا باتجاه المناطق الناشئة والجديدة. وتتوقع الاسواق ان تستفيد الصناديق السيادية في الدول ذات الفوائض الاستثمارية من الوضع الراهن لكي تنشط في بناء محفظة استثمارية عقارية دولية في وقت تراجع الاسعار، انتظارا لتحسن القيمة والعوائد في المستقبل. وكانت احدى هذه الصفقات شراء صندوق سيادي خليجي هذا الاسبوع لموقع معسكر تدريب سابق في منطقة غرب لندن باعته وزارة الدفاع البريطانية بمبلغ قياسي زاد على 900 مليون استرليني. وسوف يتحول الموقع في المستقبل الى مدينة سكنية فاخرة في افضل مواقع العاصمة بمنطقة تشيلسي، يقاس فيها سعر العقار بعشرات الملايين من الدولارات، لكن مثل هذه المشاريع عليها ان تنتظر عودة زمن الانتعاش.